الاهتمام الشعبي بالسجال الحاصل حول ما يسمى بخلافة محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية، لا يخفي حالة فقدان الثقة إذ تبدو اللامبالاة بالسلطة الفلسطينية ورموزها واضحة لدى عموم اللاجئين بعدما تخلّت عنهم "السلطة" منذ تأسيسها تاركة إياهم يواجهون مصاعب اللجوء وقسوته بمفردهم.
"ما يحصل اليوم هو محاولة لتضخيم ملف خلافة عباس للتعمية على حساب القضايا الأهم التي تعني الشارع الفلسطيني في الداخل والشتات من ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني وإنهاء الانقسام والعلاقة مع الاحتلال"، بهذه الكلمات شرح مدير إدارة الأبحاث في "مؤسسة القدس الدولية" هشام يعقوب ما يحصل بخصوص الجدل الدائر حول هوية رئيس السلطة الفلسطينية الجديد:
"قضية رئاسة السلطة بعد عباس لا يجب أن تقتصر على الخلاف حول أسماء الأشخاص أو المناصب كما تحاول السلطة الترويج، بل يجب أن يكون البحث فعلياً عن الشخص القادر على قيادة الشعب الفلسطيني التواق للتحرر ومواجهة الاحتلال، وليس أشخاصاً لهم تاريخ طويل من التنسيق الأمني مع الاحتلال"، مؤكداً رفض الشعب الفلسطيني أي محاولة لفرض "رئيس" وفقاً لإملاءات خارجية.
واعتبر يعقوب أنه "وبالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان والشتات ما يعنيهم حقاً هو أن يكون لهم دور فعلي في عملية اختيار من يمثلهم في السلطة، لأن اللاجئ اليوم لا صوت له في كافة المؤسسات الرسمية والتنفيذية كالمجلس التشريعي والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، التي تعتبر المسؤول الأول عن مصير كافة اللاجئين".
كلام يعقوب يتقاطع مع موقف الكاتب والناشط في شؤون اللاجئين ياسر علي الذي يرى أن ما يجري هو صراع بين عباس ودحلان: "نحن كلاجئين فلسطينيين في لبنان سنتأثر بشكل مباشر من هذا الصراع على السلطة، ولا سيما أن جناح دحلان ينشط بشكل كبير داخل المخيمات"، مؤكداً أن "مشكلة اللاجئين هي وقوعهم بين خيارين أحلاهما مرّ، أي بين عباس والترهل الذي أصاب القضية الفلسطينية بسببه، وتلاعبه بأجنحة فتح والعلاقة مع شركائه في الوطن. وبين دحلان الذي يدفعه طموحه للوصول إلى فعل أي شيء من أجل تحقيق هدفه".
الكاتب الفلسطيني حذر من أن الشق الأخطر في هذا السجال هو "تحويل الصراع على رئاسة السلطة إلى تحصيل حاصل للصراع على قيادة حركة فتح، وما ينتج عنها من إخراج القضية من يد الشعب الفلسطيني وحقه في الانتخاب والتغيير".
الناشط الشبابي بديع الهابط رفض تضخيم ملف انتخابات رئاسة السلطة مؤكداً أن ما يعني اللاجئ في لبنان "هو إعادة تفعيل منظمة التحرير لأنها المرجعية المسؤولة عن الفلسطينيين في الداخل والشتات".
بدوره، اعتبر الباحث الفلسطيني أنيس محسن أن خلافة عباس في رئاسة السلطة لا تعني اللاجئين في لبنان "ما داموا خارج دائرة اهتمام السلطة"، ويرى أن "الصراع على المواقع القيادية في السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح، مجرد اشتباكات على مناصب مفرغة من مضمونها"، مطالباً بـ "استنهاض الحالة الجماهيرية، وخروج قيادات وكواد بديلة تعمل على وضع مشروع فلسطيني جديد مبني على كافة التجارب السابقة الناجح مها والفاشل".
الصحافي الفلسطيني محمد خالد استغرب الحديث عن انتخابات رئاسية للسلطة الفلسطينية قائلا "لا يمكن الحديث عن اختيار رئيس دولة وهي تحت الاحتلال، كما أن الحديث الجدي عن إيجاد خليفة لمحمود عباس لم يبدأ بعد، وانما جرت إثارة هذا الموضوع نتيجة غياب المؤسسات وعلى رأسها المجلس التشريعي، إلا أنه كان من الأجدى العمل على إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية قبل الحديث عن اختيار خليفة عباس".
مواقف عموم اللاجئين تصب في خانة اليأس من حصول أي تغيير جذري لأوضاعهم مع تبدّل الوجوه في السلطة، حيث اعتبر اللاجئ المسن الحاج أحمد الحاج أن "اللاجئ في لبنان لم يعد مهتماً بالصراع الدائر حول السلطة أو من سيخلف رئيسها الحالي محمود عباس، إذ إن المتحاربين على هذا المنصب كما أسلافُهم لن يضعونا في حسابات وجداول أعمالهم"، ويضيف: "السلطة لا تعتبر اللاجئين في دول الشتات محسوبين عليها لأنهم يحملون وثيقة لاجئ وليس جواز صادر عن السلطة".
أما الشاب علي سليمان فيشير إلى أن "موقع رئاسة السلطة سيبقى في أحضان الاحتلال بغض النظر عن هوية بديل عباس، وكل ما يهمني كلاجئ هو انتخاب قيادة حقيقية تعمل على وقف مسار المفاوضات المذل ودعم نهج المقاومة، ووقف التنسيق الأمني".
الناشط الفلسطيني محمد المنور سخر من محاولة السلطة الفلسطينية إظهار ديمقراطيتها قائلا "لا أعتقد أن تحصل انتخابات حرّة في السلطة لأنها غارقة في الفساد والمحسوبيات، كما أن السلطة وسياساتها لا تهمني لأنها لم تنجح بتقديم شيء للشعب الفلسطيني منذ تأسيسها".
في حين أن ياسر الخطيب العامل في مجال البناء شكك في حدوث هذه الانتخابات أصلاً، معتبراً أن "ما يحصل هو زوبعة في فنجان ومجرد تمرير للوقت من قبل عباس الذي سبق له أن تحدّث مراراً في أوقات سابقة عن نيته التخلّي عن الحكم وها هو لا يزال قابعاً على كرسيه".
مهندس الاتصالات محمد قاسم رفض انتخاب أحد رموز اتفاق أوسلو خلفاً لمحمود عباس مشيراً إلى أن "القيادات العجوزة التي رعت اتفاق أوسلو لم تعد قادرة على إدارة شؤون الفلسطينيين، ولا يهمنا هوية من سيخلف الرئيس محمود عباس على قدر حاجتنا إلى ضخ دماء جديدة من خارج الطبقة السياسية الحالية وبعيدة عن الحسابات الفصائلية الضيقة".
أما أبو أحمد هنداوي فيتساءل: "هل اللاجئ حقاً لديه الوقت لمتابعة من سيرأس سلطة جلّ مهامها التنسيق مع الاحتلال؟ اللاجئون في لبنان همهم الأول وقضيتهم الكبرى هي البحث عن لقمة العيش الكريمة في ظل تخلي الجميع عنهم!".
* صحافي فلسطيني / لبنان