بداية رجل شجاع

08 نوفمبر 2019
الانتفاضة مستمرة (حسين بيضون)
+ الخط -
"قلت ببساطة وتأكید: مستعدّ أن أجرّ عربة.
- لكنّك لست بغلاً.
- أستطیع أن أقوم مقام البغل، كل ما أریده هو اللقمة".

الشخصيّة الرئيسيّة في رواية "نهاية رجل شجاع" لحنّا مينة كانت تبحث عن اللقمة. واللقمة نفسها هي التي دفعت الكثير من اللبنانيّين للنزول إلى الشارع. لم تكن اللقمة وحدها، بل هو "الذلّ" لتأمينها. لم يجُع اللبنانيون بعد، و"البدائل" هي التي حمت السلطة القائمة حتى اليوم، وحجّمت الوعي الطبقي لكنّها راكمت حقداً في المقابل. إلّا أنّ البدائل المادية والخدماتية أرجأت انفجار الحقد... أرجأته كثيراً.

مفيد الوحش، بطل الرواية، أراد العيش بكرامة وسط كلّ هذا الظلم الذي توفّره الحياة، وكأنّه جزء لا يتجزّأ منها. هو الذي كان قاسياً ولُقّب بـ "الوحش"، قال: "لن أعود إلى الشیطنة أو الرذیلة أو السرقة، ولكن ماذا لو انسدّت الدروب في وجهي؟ ماذا أفعل عندئذ؟ لا أعتمد على زندي؟ بل سأعتمد على زندي سآخذ حقي بالقوة، أنا قوي وسأعتمد على قوتي، ولن أسمح لأي إنسان أن یدوس على رجلي، أن یمنع عني اللقمة. ألم یقل الأستاذ ماهر إن رأس المسألة هي اللقمة؟".

اللقمة مجدداً، من دون ذلّ. الحق الذي لا يمكن لأحد أن يسرقه. لكنّه سُرق. وحصل الناس على القليل، ذلك الذي يقي الجسد الموت. بات الناس يحيون ولا يعيشون. المطاعم تمتلئ بمن يملك مالاً. أما الفقراء، فلا تراهم. لا يخرجون من المنزل حتى لا يذلهم الشارع. البيت سترٌ من الذل. هؤلاء لا يمكنهم أن يكونوا جنباً إلى جنب مع رواد المطاعم أو ينمو ذلك الحقد.

لبنان مقسوم إلى شارعين منذ زمن. شوارع للفقراء وأخرى للأغنياء. ما من ساحة وسطية. نعى الاقتصاديون الطبقة الوسطى منذ سنوات، أو أعادوا تعريفها استناداً إلى واقع الحال. ربّما هي الطبقة التي تُذلّ أقل من الفقيرة لتأمين لقمة العيش.

مات مفيد الوحش أو الرجل الشجاع في النهاية. مات مظلوماً وجلّ ما أراده العيش بكرامة.
يقول كارل ماركس إن الصراع الطبقي هو الحل الوحيد لتقدّم الطبقات والمجتمعات وتطورها. والطبقات هي نحور النظام الاجتماعي، أو مقیاس التفرقة بین طبقة وأخرى، یقوم على أساس الإنتاج، فهناك طبقة مستغِلة وطبقة مستغَلّة. ویرجع ماركس قیام التناقض بین مصالح هاتین الطبقتین إلى أن نظام الإنتاج الحالي أصبح لا یتماشى مع نظام الملكیة.




مفيد الوحش في الساحات، من بيروت (العاصمة) إلى طرابلس (الشمال) إلى صيدا (الجنوب) وغيرها. الوحوش المظلومة تثور في وجه الوحوش الظالمة. لكنّ الظالمون كثر، وهم في الساحات نفسها. والظالم أقوى من الجائع الذي ما زال يسد رمقه بـ "البديل".

أخاف أن ينتهي الحلم، كما انتهى حلم الرجل الشجاع. أخاف أن ننتهي جميعاً في البحر قبل أن يلفظنا جوعى مرة أخرى.