01 يونيو 2017
بدايات "التغريب" في السعودية
للحديث عن "التغريب" في السعودية تاريخ مثير، لم يدوّن جيداً، فمع أن السعودية لم تتعرّض للاستعمار المباشر، إلا أن الخوف على الثقافة المحلية يضرب بجذوره في أدبيات الإسلاميين السعوديين.
لم تتعرّض السعودية للاستعمار الأجنبي المباشر، على عكس العراق والشام ومصر، بسبب مساحتها الشاسعة، وتعدّد القوى المهيمنة على أطرافها تاريخيا، وعدم وجود مطامع اقتصادية تجعل السيطرة عليها أمرا مفيدا، حتى أن الحملات العثمانية على نجد، في القرن التاسع عشر، دمرت الدرعية، لكنها لم تسع إلى البقاء في المنطقة والهيمنة عليها.
ومع غياب قوى الهيمنة الاستعمارية التي "تسعى إلى تغيير قيم المجتمع"، فإن من يقرأ أدبيات الإسلاميين السعوديين، يجد حضورا هائلا للمخاوف من "التغريب"، والذي يمكن تعريفه بمحاولة ترسيخ نمط الحياة "الغربية/ الأميركية/ المسيحية" وإحلالها مكان "القيم الإسلامية".
ولم يكن هذا التوجس لدى الإسلاميين في السعودية مصدره خبرة شخصية، وإنما استعارة من الأدبيات الإسلامية المصرية والشامية، والتي احتكّ بها السعوديون، خصوصا في بدايات القرن العشرين، وجدت هذه الأفكار لها أرضيةً صلبةً في أدبيات الدعوة النجدية "الوهابية"، خصوصا في أدبيات الدولة السعودية الثانية المتوجسة كثيرا من "الآخر"، بعد تدمير العثمانيين الدرعية.
وهنا، نجد أن رفض التغريب سيصبح، في الخمسينيات والستينيات الميلادية، رفضا للتحديث، في إطار توجسٍّ من السلطة التي هي "دائما" مصدر التغيير الاجتماعي في مخيال الإسلاميين. فكان رفض تغيير قيم المجتمع يتضمن رفض تعليم البنات في المدارس النظامية، ورفض تدريس مواد علمية معينة، مثل الجغرافيا واللغة الإنكليزية، كما سيشمل رفض البرقيات والإذاعة، ولاحقا التلفزيون ...إلخ.
كانت الحساسية من "التغريب" كبيرةً، وتضاعفت في سبعينيات القرن الماضي مع بدايات نشأة تيارات الإسلام السياسي الحديثة في السعودية. وكانت دائما ترى في الدولة مصدرا للتغريب، وتقرأ بتوجس أي تحديث يأتي عن طريقها.
اليوم مع نشأة "الهيئة العامة للترفيه"، نصبح أمام مفارقةٍ مثيرة، فبعض أنشطة الهيئة مختلفة جذريا عن السياق المحلي السعودي والعربي، ويمكن اعتبارها تنتمي بصورة كاملة للثقافة الغربية، مثل "كوميك كون". ومع هذا، كان الإقبال على هذه الفعاليات هائلا، على الرغم من أن أسعار تذاكرها كانت مرتفعة أيضا.
وهنا، عاد بعض الإسلاميين إلى النبرة القديمة، باتهام هيئة الترفيه بمحاولة تغريب المجتمع، لكن الغائب الأكبر عن القصة، أو "الفيل في الغرفة" كما يقال، أن السعوديين مختلفون، وأن المجتمع متنوع، وأن هناك جزءا كبيرا متأثرا بثقافاتٍ مختلفة، وأن هناك شرائح متأثرة بالثقافة الأميركية، وأخرى بثقافاتٍ أخرى، وإن بصورة أقل مثل استهلاك المسلسلات التركية، أو الإنتاج الفني الغنائي والتلفزيوني الكوري. ومن هنا، فأنشطة هيئة الترفيه تتواءم مع تفكير شريحة كبيرة من الشباب السعودي، ولم تغيّره.
ما يحدث يثبت فشل الإسلاميين في السعودية في مواجهة التغيير الاجتماعي، فالإسلاميون حققوا حضورا واسعا في المجتمع، بسبب إتاحة الدولة لهم مجالات للتحرّك، في المدارس والمساجد، إضافة إلى أنهم يتحرّكون، آنذاك، في مجتمع تقليدي. فور ما تصادم الإسلاميون مع الدولة سياسيا في التسعينيات، ثم دخول منافس "ثقافي" جديد على الخط، متمثلٍ في القنوات الفضائية وشبكة الإنترنت، رأى الإسلاميون مجتمعا سعوديا لم يتخيلوه في أسوأ كوابيسهم. ومشكلة الإسلاميين هنا أنهم لم يطوّروا خطابا ثقافيا مقنعاً وقادراً على الصمود وحده، من دون دعم الدولة. لذا، كان هاجس الدولة حاضراً في مخيالهم طوال الوقت.
لم يكن مصدر التغيرات الثقافية في السعودية مشروعاً حكومياً كالابتعاث، أو ترسيخ خطاب ثقافي غربي في البلاد، عبر التعليم العام أو الجامعي، بل جاء من بوابة القنوات الفضائية، وأفلام هوليوود السينمائية، وشبكة الإنترنت. العولمة وتطور وسائل التواصل والثقافة الاستهلاكية المحلية الناتجة عن سنوات الطفرة المالية هي التي أوجدت التنوّع الثقافي في المجتمع السعودي، وأنتجت شرائح "متغربة" بالكامل.