بمقتضى القانون لا يجوز للدكتور ريتشارد باتشور مدير قسم أدوية السرطان في إدارة الغذاء والدواء الأميركية مراجعة أسعار العلاجات التي تفحصها الإدارة فقط كل ما عليه التأكد مما إذا كانت آمنة وفعالة.
لكن لا يخفى على باتشور ارتفاع أسعار العقاقير والجدل المتزايد حول كيفية تقدير القيمة المناسبة لأدوية السرطان التي قد تبلغ تكلفتها 100 ألف دولار أو أكثر سنوياً.
وقال باتشور في مقابلة خلال اجتماع الجمعية الأميركية للعلاج الاكلينيكي للأورام في شيكاغو حيث كانت مسألة القيمة الموضوع المهم المطروح بين أكبر أطباء السرطان في العالم "من الصعب للغاية بالنسبة لي الحديث في هذا الأمر." وبدلاً من ذلك روى قصة عن شرائه أوّل منزل في حياته في ديترويت عام 1982.
يقول "كنت عصبياً للغاية وسألت السمسارة هل أدفع السعر المناسب فردت "ريك السعر هو ما يريد أي شخص أنّ يدفعه مقابل شراء المنزل". وفي نظره ينطبق نفس الشيء على أدوية السرطان.
يضيف "الجميع يعرف أنّها أدوية مكلفة.. من الواضح أنّه لا يمكننا أنّ نستمر مع هذا الارتفاع في الأسعار. هذا ليس قراراً تنظيمياً أو رؤية إدارة الغذاء والدواء. إنّها حقيقة الوضع وحسب."
وقال باتشور إنّ الحل يتطلب على الأرجح "اجراء حوارٍ على المستوى الوطني" يضم مختلف الأطراف المعنية من شركات تأمين ومرضى وأطباء ومشرعين.
وبدأ الحوار بالفعل خلال اجتماع الجمعية الأميركية للعلاج الاكلينيكي للأورام هذا الأسبوع. وخلال منتدى عن تكلفة الأدوية قال الدكتور أزكيال ايمانويل مهندس قانون الرعاية الصحية لإدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما إنّه لا يمكن تجاهل مسألة التكاليف أكثر من ذلك. وذكر ايمانويل الحضور أنّ متوسط دخل الأسرة في الولايات المتحدة 52 ألف دولار.
وأضاف "ليس بالكثير من المال خاصة بالمقارنة مع كل شيء نفعله لمرضى السرطان". فمجرد دواء واحد مكلف للسرطان "يبتلع متوسط دخل الأسرة".
ورغم أنّه قد يحظر على إدارة الغذاء والدواء النظر في مسألة التكاليف يقول الدكتور جون مارشال من مركز جورجتاون لومباردي الشامل لعلاج السرطان إنه قد يتعين على الإدارة إعادة النظر في المعايير التي تقرر على أساسها الموافقة على العقار.
يضيف مارشال "هل دواء تبلغ تكلفته 30 ألف دولار شهرياً يساعد المريض على أن يستمر على قيد الحياة 1.4 شهر يعد دواءً فعالاً؟ وفقاً لمعايير إدارة الغذاء والدواء ستكون الإجابة نعم إذا ما استوفي معايير السلامة والفاعلية لكنك لن تدفع أموالك مقابل هذه الميزة."
وقال باتشور إنّه لا يمكن أن ترفع إدارة الغذاء والدواء معايير الموافقة على العقاقير الجديدة وأضاف أنّ العلاجات التي يراها حاليا أكثر فاعلية بكثير عن ذي قبل.
في السياق ذاته، بوسع الأطباء تقليل الجرعات العلاجية التي يتناولها مرضى يعانون من أنواع معينة من السرطان وذلك بناء على أدلة أفادت بأنّ بعض أدوية علاج الأورام يمكن الإقلال منها.
وأيدت عدة دراسات هذه الاستراتيجية الجديدة التي يمكنها أيضا أنّ تحد من تكاليف الرعاية الصحية. فعلى سبيل المثال فإنّ مريضات سرطان الثدي الذي انتشر إلى العظام عادة ما يعالجن بجرعات شهرية تتضمن الحقن في الوريد بمجموعة دوائية تعرف باسم بايفوسفونات منها حمض زوليدرونيك الذي يعالج كسور العظام ومشاكلها.
ووجد الباحثون في مركز أندرسون لعلاج الأورام في شيكاغو، أنّه يمكن لمريضات سرطان الثدي الذي انتشر إلى العظام -وبعد العام الأول من العلاج الشهري بالبايفوسفونات- أنّ يقللن منه بحيث يكون كل ثلاثة أشهر وذلك دون أي أضرارٍ. وهذا التغيير من شأنه أنّ يقلل من مخاطر الإصابة بمشاكل الكلى فضلاً عن أيّ آثار جانبية أخرى -ربما تكون نادرة لكنها خطيرة- مثل ضعف مناطق من عظام الفكين أو تلفها تماما.
وقال جابرييل اورتوباجي كبير المشرفين على الدراسة في بيان "وجدنا أنّ تباعد الفترات الزمنية للجرعات العلاجية قد يحد من مخاطر الآثار الجانبية الخطيرة علاوة على فوائد إضافية أخرى منها إراحة المرضى من المشاق وخفض التكلفة."
وتوصلت دراسة منفصلة أخرى مولتها المعاهد الأميركية للصحة إلى أنّ بعض المرضى ممن يعانون من أورام الرأس والعنق المرتبطة بالإصابة بالفيروس أن يتعرضوا -دون أيّ أضرارٍ أو تأثير على فرص بقائهم على قيد الحياة- لجرعات أقل من العلاج الإشعاعي.
وقال أنتوني كميلاك كبير مشرفي الدراسة وأستاذ العلاج الاشعاعي للأورام بمركز فادربيلت-انجرام لعلاج السرطان في ناشفيل بولاية تينيسي إنّ هذا الأسلوب الجديد سيريح كثيراً من المرضى من الآثار الجانبية للعلاج الاشعاعي التي تبقى طول العمر وتؤدي الى وهن الجسم وصعوبة البلع وفقدان الشهية ومشاكل الغدة الدرقية إلا أنّ الأمر يتطلب في الوقت نفسه متابعة طويلة الأمد للمرضى.
وأظهرت نتائج دراسة أخرى مولتها جهات اتحادية أنه لا ضرر من وقف استخدام المجموعة الدوائية المعروفة بالاستاتين لخفض مستوى الكوليسترول لدى مرضى الأورام ممن تصل فرص توقع بقائهم على قيد الحياة أقل من عام. كما أشارت التقديرات إلى أنّ هذا الإجراء سيوفر نحو 603 ملايين دولار للولايات المتحدة.
وأشارت الدراسة إلى أنّ وقف استخدام عقاقير الاستاتين -التي تستخدم للحد من فرص الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية- لم يؤثر على فترة بقاء المرضى على قيد الحياة بل إنّه حد من حدوث أعراض السرطان ومنها الألم والإكتئاب والغثيان والإرهاق العام.
وقالت باتريشيا جانز أستاذة أمراض الدم بلوس انجليس والخبيرة بالجمعية الأمريكية للعلاج الاكلينيكي للأورام في بيان "لديننا الآن أدلة على أنّ وقف استخدام بعض الأدوية لا ينجم عنه أيّ ضررٍ لاسيّما في حالة عقاقير الاستاتين التي يوصي بها الأطباء كثيراً كما يمكن أنّ يحسن من نوعية الحياة لدى المرضى".
وأفادت بيانات أعلنت أمس السبت أن عقار راموسيروماب لعلاج السرطان أدى إلى إطالة أعمار المرضى بدرجة لا بأس بها في دراسة شاملة لمن هم في المراحل المتأخرة من سرطان الرئة وممن ارتجع إليهم المرض بعد فترة علاج مبدئية.
وفي الدراسة التي تضمنت 1253 مريضا تعاطوا عقار راموسيروماب إضافة إلى العلاج الكيماوي المعتاد دوسيتاكسيل عاشوا في المتوسط 10.5 شهر بالمقارنة بفترة 9.1 شهر بالنسبة لم تناولوا العلاج الكيماوي العادي فقط.
إلا أن الباحثين يرون أنّ هذا الفارق الزمني الذي يصل إلى مجرد ستة أسابيع فقط مهم من الوجهة الإحصائية وذو مغزى من الناحية الاكلينيكية بالنظر إلى تضاؤل فرص البقاء على قيد الحياة بدرجة كبيرة مع تطور المرض في مراحله المتقدمة إذ يحدث ارتجاع للمرض بعد فترة علاج مبدئية.
وقال موريس بيرو كبير مشرفي الدراسة بمركز أبحاث السرطان في ليون بفرنسا في بيان "إنّه أوّل علاجٍ من نوعه خلال ما يقرب من عقد لتحسين المحصلة العامة للمرضى" وذلك بعد ارتجاع المرض لديهم.
وقدم بيرو هذه البيانات خلال الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية للعلاج الاكلينيكي للأورام في شيكاغو.
ويتطلع أطباء علاج الأورام إلى تحسين ما يعرف باسم علاجات الخط الثاني لسرطان الرئة وسميت بذلك لأن جميع المرضى تقريباً يصابون بارتجاع المرض في نهاية المطاف.
وتشير احصاءات الجمعية الأميركية لعلاج الأورام إلى أنّ سرطان الرئة يمثل حتى الآن السبب الرئيسي لوفيات مرض السرطان بين الرجال والنساء على حد سواء. وتشير تقديرات عام 2014 إلى ظهور نحو نحو 225 ألف حالة جديدة لسرطان الرئة ووفاة نحو 160 ألفاً من المرضى.