بحثاً عن دوائر

16 يوليو 2018
أصدقاء (فرانكلين جاكوم/ Getty)
+ الخط -
في التسلسل الهرمي للعلاقات، عادة ما تكون الصداقات في القاع. والأولوية تكون لشركائنا الذين نحبهم ولأطفالنا وآبائنا. والصداقات علاقات مميّزة تختلف عن تلك الأسريّة، لأنّنا نحتار الدخول إليها. وعلى عكس الروابط الطوعيّة الأخرى، مثل الزواج أو العلاقات الرومانسيّة، فإنّها تفتقر إلى إطار. لن تمرّ أشهر من دون أن تتحدّث إلى زوج أو حبيب، لكنّ ذلك يحصل مع الأصدقاء. تعريف أو تحليل تورده المجلة الشهرية الأميركية "ذا أتلانتيك".

هي الإحاطة التي نبحث عنها. قبل الأصدقاء، العائلة مصدر دفء لا بديل عنه. بدءاً من اللحظة التي نخرج فيها من بطون مكوّرة، ونسمع نبضات نعرفها، إلى أن تخرج أرواح أخرى من بطون نمت ما إن حان الأوان. وأكثر. هو الدفء الذي يحكم حياتنا وحياة آخرين. والأصدقاء حاجة إلى دفء أيضاً وكلمات وذكريات.

العائلة أو الأصدقاء يشكّلون حلقة نحتاج للانتماء إليها. والغوص في تحليل أنفسنا ليس مهمّاً هنا. لنقل إنها حاجة إلى دعم، إحاطة، إصغاء، اهتمام، تشجيع، حب، وغيرها. لنقل إنها حاجة إليهم فقط. لكنّهم لا يثبتون. يتغيّرون مثلما نتغيّر. نتغيّر معاً وأحياناً نبتعد عنهم ويبتعدون عنّا. نحزن ونحلّل، ثمّ يأتي آخرون، ونصير في حلقة جديدة.

ننتقل من حلقة إلى أخرى بحسب مراحل حياتنا وظروفنا. ولدينا ما نقوله لجميعهم، هؤلاء الذين سنثق بهم قبل أن يختفوا من حياتنا، بسبب الحياة نفسها. أحياناً، نسعى إلى الإكثار منهم، علّنا نتخلّص من وحدتنا.

كيف نضعهم في القاع؟ أيكونون بديلاً حين نخسر عائلاتنا، أو حين نخسرهم في إطار العائلة؟ بعضنا يتحدّث كثيراً عن كمّ الأصدقاء الموجودين في حياتهم، ثمّ يمدحون قلّة قليلة وقفت إلى جانبهم في الأزمات. ثمّ يختفي كلّ حقدٍ حملناه في قلوبنا عن ذلك الكمّ، ما إن نشعر أننا في حاجة إلى الانتماء إلى دائرة. نبحث هنا عن إحاطة كميّة وليس نوعيّة.

وفجأة نفكّر في تفاصيل كثيرة. أصدقاء سيكوّنون عائلات ويضعونا في القاع، وآخرون يبحثون عن دوائر أخرى، وقد أرهقتهم صداقتنا.

عدد الأصدقاء على "فيسبوك" هو مقياس للتباهي، أو الشعور بالأمان الافتراضي. كثيرون يتفقدوننا على صفحاتهم. نحن موجودون في مكان ما إذاً، وإن في عالم رقمي. الإحاطة مجدداً، ولو كانت افتراضية. كأنّ قبولنا لأنفسنا هو نتيجة قبول الآخرين لنا، وسؤالهم عنّا. هل يعرف هؤلاء أنّنا هنا، ننتظر مبادرة منهم؟




هذه الدوائر تقينا الوحدة، أو خوفنا منها. نخشى أن نبتعد فيبتعدون، فنغوص في حلقات لا تسرّنا دائماً. هو بحثٌ لا ينتهي عن إحاطة حتى نطمئنّ. نحن كائنات تخشى هذه الصورة. غرفة فيها سرير أبيض وكائن ينتظر الموت وحده.
دلالات
المساهمون