"لا ملابس جديدة لأطفالي هذا العيد" تقول شفيقة (33 عاماً)، التي تقيم في العاصمة دمشق، لـ "العربي الجديد". تعزو السبب إلى تضاعف أسعار الملابس الجديدة منذ العيد الماضي، والتي كانت قد ارتفعت بين ثلاثة وأربعة أضعاف منذ بداية الأزمة.
ويقول أبو حسام (40 عاماً): "إن ميزانية الضيافة التي اعتدت تقديمها في الأعياد في ارتفاع مستمر، ورغم أنني ضاعفت المبلغ المخصص لها أربع مرات منذ عام 2011، ولكنني لم أتمكن اليوم من شراء نصف ما كنت أشتريه حينها". ويضيف لـ "العربي الجديد": "في العام الماضي بلغت تكلفة شراء احتياجات وضيافة العيد 10 آلاف ليرة سورية، أما اليوم فشراء كمية مماثلة وبجودة أقل، يتطلب إنفاق 25 ألف ليرة، أي كل راتبي الشهري تقريباً".
تغيير في نمط الاستهلاك
ارتفعت أسعار الحلويات بصورة كبيرة وغير متوقعة خلال الأشهر الماضية. وقد ظهر ذلك في التناقض الواضح بين الأسعار، التي أعلنت عنها "مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك" من جهة، وبين الأسعار التي أعلنت عنها الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات في مدينة دمشق، وهي الأقرب إلى سعر السوق من جهة أخرى. على سبيل المثال، حددت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر كيلو المبرومة (نوع من الحلويات) بـ 6500 ليرة مقابل 11 ألف ليرة سعر السوق، أما كيلو البرازق والعجوة (أصناف تقدم في الأعياد) فحدد بـ 2300 ليرة مقابل 5 آلاف ليرة سعر السوق. ودفع ذلك التناقض "مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق" إلى التشديد على ضرورة عدم اعتماد لائحة الأسعار الصادرة عن الجمعية الحرفية للحلويات، وذلك تحت طائلة اتخاذ العقوبات بحق المخالفين، كما أعلنت المديرية أن هامش الربح المسموح به في صناعة الحلويات هو 25 في المائة.
أما أسعار الملابس فقد ارتفعت بأكثر من ستة أضعاف مما دفع العديد من السوريين إلى التوجه إلى "سوق البالة" أو الملابس المستعملة، وذلك بسبب "اعتدال أسعارها في ظل تحليق أسعار الملابس الجديدة، إلى مستويات تفوق قدرتنا ليس فقط على الشراء بل حتى على التخيل" تقول مايا (33 عاماً) لـ "العربي الجديد". "ورغم أن شراء ملابس مستعملة بدلاً من الجديدة يفسد فرحة العيد وخصوصاً للأطفال"، وفق مايا، "ولكن ما باليد حيلة، فنحن مجبرون على ذلك بسبب تدهور القوة الشرائية".
أما أبو خليل (60 عاماً)، وهو صاحب محل ملابس في مدينة دمشق، فيشير إلى أن التخفيضات بمناسبة العيد ورغم أنها كبيرة وتصل إلى 60 في المائة، لكنها لم تجذب الكثير من المستهلكين، فالإقبال على شراء الملابس ضعيف جداً ونأمل أن يشهد بعض التحسن. وتعلق مايا على ذلك فتقول: "نعم، تبدو نسبة التخفيضات بمناسبة الأعياد كبيرة وسخية من جانب التجار، ولكن ما يعنيني هو السعر النهائي للمنتج وهو بعيد جداً عن المستوى الذي أستطيع تحمله". وتضيف: "لا يبدو منطقياً أن أدفع، بعد التخفيضات، نصف راتبي لشراء (بنطال واحد)، فهذا الحال جعلني غير قادرة على شراء قطعة ثياب جديدة منذ ثلاث سنوات".
يعتقد الباحث الاقتصادي، رياض سرحان، في حديث مع "العربي الجديد" أن أحد أهم أسباب الارتفاع الكبير في أسعار الملابس هو انهيار صناعة النسيج والملابس في سورية بعد الحرب، وهجرة رجال الأعمال والصناعيين السوريين نحو مصر بشكل خاص. ويقول: "يوجد حالياً في مصر المئات من مصانع وورش النسيج، التي أسسها ويديرها سوريون، وتنتج تلك المصانع ملايين القطع من الملابس بشكل شهري، وهو ما كان يتم إنتاجه في سورية قبل الحرب ليجري تصديره لاحقاً إلى دول الجوار".
تراجع متوسط الإنفاق
والحال أن المعاناة الاقتصادية التي تشتد عاماً بعد آخر باتت تحيط بالغالبية الساحقة من السوريين. وكان التقرير الأخير للمركز السوري لبحوث السياسات قد وصف مستوى تراجع متوسط الإنفاق في سورية، مع نهاية عام 2015، بأنه "غير مسبوق"، ويعكس المعاناة الشديدة للأسر السورية في جميع أنحاء البلاد، وذلك بعد أن انكمش الاستهلاك الخاص خلال عام 2015 بنسبة 10.8 في المائة. وقد ترافق ذلك الانكماش مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنحو 45 في المائة خلال عام 2015.
كما ارتفع معدل البطالة من نحو 15 في المائة في عام 2011 إلى 53 في المائة في نهاية عام 2015، ليبلغ بذلك عدد العاطلين عن العمل 2.9 مليونَي شخص، منهم 2.7 مليونان فقدوا عملهم خلال الثورة وهو ما أثر على معيشة نحو 14 مليون شخص. وبحسب التقرير فإن معدل الفقر العام يقدر في عام 2015 بنحو 85 في المائة، فيما بلغت نسبة من يعيشون في فقر شديد نحو 70 في المائة من السكان، وهؤلاء غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية.
كما سلط التقرير الأخير لمنظمة "الإسكوا" الضوء على تدهور الأوضاع الاقتصادية للسوريين في ظل ارتفاع تكلفة السلة الغذائية التقليدية منذ عام 2010 بنحو ثلاثة أضعاف، غطت زيادة الأجور والرواتب 15 إلى 20 في المائة منها فقط. وفي حين شكلت الرواتب والأجور من القطاع المنظم وغير المنظم الدخل الرئيسي لنحو 58 في المائة من السوريين في عام 2015، كانت تشكل 63 في المائة في عام 2013. ويعود ذلك إلى إغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية خلال سنوات الثورة وهو ما أدى إلى زيادة عدد السكان المصنفين كـ "أصحاب عمل" من 26 في المائة إلى 33.7 في المائة. ورصد التقرير أن عائلة من كل ثلاث عائلات قامت بالاستدانة من أجل تغطية نفقات الغذاء والسكن والصحة، كما اضطرت الضغوط الاقتصادية إلى دفع نحو 17 في المائة من العائلات السورية إلى بيع بعض ممتلكاتها، وذلك من أجل تغطية نفقات الغذاء والحاجات الأساسية، فيما أجبرت 10 في المائة من العائلات السورية على بيع سلع إنتاجية مثل سيارة، آلات زراعية أو نسيجية، قطيع...إلخ، كانت تستخدم في توليد الدخل.
هكذا أفسدت الأوضاع الاقتصادية القاسية فرحة الأطفال السوريين بالعيد، مع تراجع قدرة أُسرهم على الإنفاق وتركز الإنفاق على الغذاء وعلى الحاجات الضرورية. وقد وضع ذلك الأطفال في موقف خطير يتدهور فيه وضعهم باستمرار.
اقــرأ أيضاً
من يتحمل المسؤولية؟
بالتأكيد تلعب الحرب دوراً رئيسياً في تدهور الظروف المعيشية لمعظم السوريين، إذ تسببت بانهيار الاقتصاد وفقدان فرص العمل وتراجع سعر صرف العملة المحلية، مما أضعف القوة الشرائية بصورة خطيرة. ولكن السياسات الاقتصادية للحكومة السورية لعبت دوراً كبيراً في تفاقم معدلات الفقر والبطالة، وفي استمرار ارتفاع الأسعار وهو ما زاد من وطأة الضغوط على السوريين وفق الباحثة الاقتصادية، لمياء الخليل. وليس أدل على ذلك من قرار الحكومة السورية مؤخراً رفع أسعار المحروقات مع نهاية شهر رمضان، إذ رفعت سعر لتر البنزين بأكثر من 40 في المائة، وسعر لتر المازوت بنحو 33 في المائة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي 38 في المائة. واستقبل السوريون في مناطق سيطرة النظام القرار بغضب شديد كما يقول أبو حسام لـ "العربي الجديد": "آخر ما كنا ننتظره هو رفع أسعار المحروقات بهذه النسبة الكبيرة إذ كان الجميع يعلمون أن ذلك القرار سوف يتسبب بمضاعفة أسعار كل السلع والخدمات، التي تميل أصلاً للارتفاع في شهر رمضان ومع اقتراب عيد الفطر، حتى دون الحاجة إلى محفزات إضافية من الحكومة". وقد تسبب القرار بالفعل بارتفاع كبير في أسعار مختلف السلع الغذائية، وفي ارتفاع تكلفة النقل في اليوم التالي لإعلانه، وهو ما أدى بدوره إلى تصاعد الغضب ليشمل الموالين للنظام هذه المرة، إذ أقاموا اعتصاماً أمام مجلس الشعب السوري في العاصمة دمشق احتجاجاً على قرار الحكومة مطالبين بالتراجع عنه.
السياسات الحكومية
يعتبر الباحث الاقتصادي، رياض سرحان، أن سياسة رفع أسعار المشتقات النفطية شكلت دوماً أحد أهم محفزات الارتفاع المتواصل في الأسعار، وذلك إلى جانب السبب الرئيسي الآخر وهو تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية. ويقول سرحان:" ستتواصل تلك السياسات لعدة أسباب، أولها الحرب الطاحنة والتي تكلف خزينة النظام السوري أموالاً طائلة، وثانياً سياسة الحكومة القائمة على تمويل العجز باستهداف جيوب الموظفين وأصحاب الأجور بصورة عامة، بدلاً من التوجه لأصحاب رؤوس الأموال الذين يواصلون التهرب من الضرائب من دون عناء أو خوف من الملاحقة، وأخيراً توقف إنتاج النفط والمشتقات النفطية في سورية، والاتجاه نحو الاستيراد بالعملة الأجنبية التي تواصل اكتساب مزيد من القوة أمام الليرة السورية المتداعية".
أما الحكومة فقد بررت رفع أسعار المحروقات عن طريق تذكير المعترضين بأنها لا تقوم بإنتاج المشتقات النفطية، وإنما بشرائها بالقطع الأجنبي وهو ما يجعل قرارها "صائباً ومدروساً ولصالح المواطن، وإن لم يكن شعبياً، كما صرح وائل الحلقي، رئيس الحكومة السورية قبل أن تتم إقالته.
ولكن قرار حكومة الحلقي بحسب سرحان "غير صائب وغير مدروس ولا يصب في مصلحة المواطن بكل تأكيد". ويشرح: "بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع سياسة تسعير المشتقات النفطية، فإن أقل نقد يمكن أن يوجه هنا هو أن توقيت ذلك القرار كان سيئاً جداً، إذ جاء بعد ثلاث موجات قاسية جداً من الارتفاع في الأسعار، بدأت مع انهيار سعر صرف الليرة السورية، وتواصلت مع قدوم شهر رمضان، وتصاعدت أخيراً مع اقتراب عيد الفطر، ثم جاءت حكومة الحلقي لتطلق الموجة الرابعة من ارتفاع الأسعار".
ويقول أبو حسام (40 عاماً): "إن ميزانية الضيافة التي اعتدت تقديمها في الأعياد في ارتفاع مستمر، ورغم أنني ضاعفت المبلغ المخصص لها أربع مرات منذ عام 2011، ولكنني لم أتمكن اليوم من شراء نصف ما كنت أشتريه حينها". ويضيف لـ "العربي الجديد": "في العام الماضي بلغت تكلفة شراء احتياجات وضيافة العيد 10 آلاف ليرة سورية، أما اليوم فشراء كمية مماثلة وبجودة أقل، يتطلب إنفاق 25 ألف ليرة، أي كل راتبي الشهري تقريباً".
تغيير في نمط الاستهلاك
ارتفعت أسعار الحلويات بصورة كبيرة وغير متوقعة خلال الأشهر الماضية. وقد ظهر ذلك في التناقض الواضح بين الأسعار، التي أعلنت عنها "مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك" من جهة، وبين الأسعار التي أعلنت عنها الجمعية الحرفية لصناعة البوظة والحلويات في مدينة دمشق، وهي الأقرب إلى سعر السوق من جهة أخرى. على سبيل المثال، حددت مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر كيلو المبرومة (نوع من الحلويات) بـ 6500 ليرة مقابل 11 ألف ليرة سعر السوق، أما كيلو البرازق والعجوة (أصناف تقدم في الأعياد) فحدد بـ 2300 ليرة مقابل 5 آلاف ليرة سعر السوق. ودفع ذلك التناقض "مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدمشق" إلى التشديد على ضرورة عدم اعتماد لائحة الأسعار الصادرة عن الجمعية الحرفية للحلويات، وذلك تحت طائلة اتخاذ العقوبات بحق المخالفين، كما أعلنت المديرية أن هامش الربح المسموح به في صناعة الحلويات هو 25 في المائة.
أما أسعار الملابس فقد ارتفعت بأكثر من ستة أضعاف مما دفع العديد من السوريين إلى التوجه إلى "سوق البالة" أو الملابس المستعملة، وذلك بسبب "اعتدال أسعارها في ظل تحليق أسعار الملابس الجديدة، إلى مستويات تفوق قدرتنا ليس فقط على الشراء بل حتى على التخيل" تقول مايا (33 عاماً) لـ "العربي الجديد". "ورغم أن شراء ملابس مستعملة بدلاً من الجديدة يفسد فرحة العيد وخصوصاً للأطفال"، وفق مايا، "ولكن ما باليد حيلة، فنحن مجبرون على ذلك بسبب تدهور القوة الشرائية".
أما أبو خليل (60 عاماً)، وهو صاحب محل ملابس في مدينة دمشق، فيشير إلى أن التخفيضات بمناسبة العيد ورغم أنها كبيرة وتصل إلى 60 في المائة، لكنها لم تجذب الكثير من المستهلكين، فالإقبال على شراء الملابس ضعيف جداً ونأمل أن يشهد بعض التحسن. وتعلق مايا على ذلك فتقول: "نعم، تبدو نسبة التخفيضات بمناسبة الأعياد كبيرة وسخية من جانب التجار، ولكن ما يعنيني هو السعر النهائي للمنتج وهو بعيد جداً عن المستوى الذي أستطيع تحمله". وتضيف: "لا يبدو منطقياً أن أدفع، بعد التخفيضات، نصف راتبي لشراء (بنطال واحد)، فهذا الحال جعلني غير قادرة على شراء قطعة ثياب جديدة منذ ثلاث سنوات".
يعتقد الباحث الاقتصادي، رياض سرحان، في حديث مع "العربي الجديد" أن أحد أهم أسباب الارتفاع الكبير في أسعار الملابس هو انهيار صناعة النسيج والملابس في سورية بعد الحرب، وهجرة رجال الأعمال والصناعيين السوريين نحو مصر بشكل خاص. ويقول: "يوجد حالياً في مصر المئات من مصانع وورش النسيج، التي أسسها ويديرها سوريون، وتنتج تلك المصانع ملايين القطع من الملابس بشكل شهري، وهو ما كان يتم إنتاجه في سورية قبل الحرب ليجري تصديره لاحقاً إلى دول الجوار".
تراجع متوسط الإنفاق
والحال أن المعاناة الاقتصادية التي تشتد عاماً بعد آخر باتت تحيط بالغالبية الساحقة من السوريين. وكان التقرير الأخير للمركز السوري لبحوث السياسات قد وصف مستوى تراجع متوسط الإنفاق في سورية، مع نهاية عام 2015، بأنه "غير مسبوق"، ويعكس المعاناة الشديدة للأسر السورية في جميع أنحاء البلاد، وذلك بعد أن انكمش الاستهلاك الخاص خلال عام 2015 بنسبة 10.8 في المائة. وقد ترافق ذلك الانكماش مع ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك بنحو 45 في المائة خلال عام 2015.
كما ارتفع معدل البطالة من نحو 15 في المائة في عام 2011 إلى 53 في المائة في نهاية عام 2015، ليبلغ بذلك عدد العاطلين عن العمل 2.9 مليونَي شخص، منهم 2.7 مليونان فقدوا عملهم خلال الثورة وهو ما أثر على معيشة نحو 14 مليون شخص. وبحسب التقرير فإن معدل الفقر العام يقدر في عام 2015 بنحو 85 في المائة، فيما بلغت نسبة من يعيشون في فقر شديد نحو 70 في المائة من السكان، وهؤلاء غير قادرين على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية.
كما سلط التقرير الأخير لمنظمة "الإسكوا" الضوء على تدهور الأوضاع الاقتصادية للسوريين في ظل ارتفاع تكلفة السلة الغذائية التقليدية منذ عام 2010 بنحو ثلاثة أضعاف، غطت زيادة الأجور والرواتب 15 إلى 20 في المائة منها فقط. وفي حين شكلت الرواتب والأجور من القطاع المنظم وغير المنظم الدخل الرئيسي لنحو 58 في المائة من السوريين في عام 2015، كانت تشكل 63 في المائة في عام 2013. ويعود ذلك إلى إغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية خلال سنوات الثورة وهو ما أدى إلى زيادة عدد السكان المصنفين كـ "أصحاب عمل" من 26 في المائة إلى 33.7 في المائة. ورصد التقرير أن عائلة من كل ثلاث عائلات قامت بالاستدانة من أجل تغطية نفقات الغذاء والسكن والصحة، كما اضطرت الضغوط الاقتصادية إلى دفع نحو 17 في المائة من العائلات السورية إلى بيع بعض ممتلكاتها، وذلك من أجل تغطية نفقات الغذاء والحاجات الأساسية، فيما أجبرت 10 في المائة من العائلات السورية على بيع سلع إنتاجية مثل سيارة، آلات زراعية أو نسيجية، قطيع...إلخ، كانت تستخدم في توليد الدخل.
هكذا أفسدت الأوضاع الاقتصادية القاسية فرحة الأطفال السوريين بالعيد، مع تراجع قدرة أُسرهم على الإنفاق وتركز الإنفاق على الغذاء وعلى الحاجات الضرورية. وقد وضع ذلك الأطفال في موقف خطير يتدهور فيه وضعهم باستمرار.
من يتحمل المسؤولية؟
بالتأكيد تلعب الحرب دوراً رئيسياً في تدهور الظروف المعيشية لمعظم السوريين، إذ تسببت بانهيار الاقتصاد وفقدان فرص العمل وتراجع سعر صرف العملة المحلية، مما أضعف القوة الشرائية بصورة خطيرة. ولكن السياسات الاقتصادية للحكومة السورية لعبت دوراً كبيراً في تفاقم معدلات الفقر والبطالة، وفي استمرار ارتفاع الأسعار وهو ما زاد من وطأة الضغوط على السوريين وفق الباحثة الاقتصادية، لمياء الخليل. وليس أدل على ذلك من قرار الحكومة السورية مؤخراً رفع أسعار المحروقات مع نهاية شهر رمضان، إذ رفعت سعر لتر البنزين بأكثر من 40 في المائة، وسعر لتر المازوت بنحو 33 في المائة، وسعر أسطوانة الغاز المنزلي 38 في المائة. واستقبل السوريون في مناطق سيطرة النظام القرار بغضب شديد كما يقول أبو حسام لـ "العربي الجديد": "آخر ما كنا ننتظره هو رفع أسعار المحروقات بهذه النسبة الكبيرة إذ كان الجميع يعلمون أن ذلك القرار سوف يتسبب بمضاعفة أسعار كل السلع والخدمات، التي تميل أصلاً للارتفاع في شهر رمضان ومع اقتراب عيد الفطر، حتى دون الحاجة إلى محفزات إضافية من الحكومة". وقد تسبب القرار بالفعل بارتفاع كبير في أسعار مختلف السلع الغذائية، وفي ارتفاع تكلفة النقل في اليوم التالي لإعلانه، وهو ما أدى بدوره إلى تصاعد الغضب ليشمل الموالين للنظام هذه المرة، إذ أقاموا اعتصاماً أمام مجلس الشعب السوري في العاصمة دمشق احتجاجاً على قرار الحكومة مطالبين بالتراجع عنه.
السياسات الحكومية
يعتبر الباحث الاقتصادي، رياض سرحان، أن سياسة رفع أسعار المشتقات النفطية شكلت دوماً أحد أهم محفزات الارتفاع المتواصل في الأسعار، وذلك إلى جانب السبب الرئيسي الآخر وهو تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية. ويقول سرحان:" ستتواصل تلك السياسات لعدة أسباب، أولها الحرب الطاحنة والتي تكلف خزينة النظام السوري أموالاً طائلة، وثانياً سياسة الحكومة القائمة على تمويل العجز باستهداف جيوب الموظفين وأصحاب الأجور بصورة عامة، بدلاً من التوجه لأصحاب رؤوس الأموال الذين يواصلون التهرب من الضرائب من دون عناء أو خوف من الملاحقة، وأخيراً توقف إنتاج النفط والمشتقات النفطية في سورية، والاتجاه نحو الاستيراد بالعملة الأجنبية التي تواصل اكتساب مزيد من القوة أمام الليرة السورية المتداعية".
أما الحكومة فقد بررت رفع أسعار المحروقات عن طريق تذكير المعترضين بأنها لا تقوم بإنتاج المشتقات النفطية، وإنما بشرائها بالقطع الأجنبي وهو ما يجعل قرارها "صائباً ومدروساً ولصالح المواطن، وإن لم يكن شعبياً، كما صرح وائل الحلقي، رئيس الحكومة السورية قبل أن تتم إقالته.
ولكن قرار حكومة الحلقي بحسب سرحان "غير صائب وغير مدروس ولا يصب في مصلحة المواطن بكل تأكيد". ويشرح: "بصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع سياسة تسعير المشتقات النفطية، فإن أقل نقد يمكن أن يوجه هنا هو أن توقيت ذلك القرار كان سيئاً جداً، إذ جاء بعد ثلاث موجات قاسية جداً من الارتفاع في الأسعار، بدأت مع انهيار سعر صرف الليرة السورية، وتواصلت مع قدوم شهر رمضان، وتصاعدت أخيراً مع اقتراب عيد الفطر، ثم جاءت حكومة الحلقي لتطلق الموجة الرابعة من ارتفاع الأسعار".