حسناً. وبحسب مقولة ناس الـ"فيسبوك" الدارجة هذه الأيام، يمكن القول إنه كان عاماً مليئاً بالكوارث التي نزلت على رؤوسنا. كوارث طبيعية واقتصادية ومعيشية لم يعد بوسع الناس تحمّلها، وسيحملون الكثير من تداعياتها المستمرة معهم إلى العام الجديد. كان عاماً مليئاً بالكوارث والانهيارات والألم الذي فاق قدرة الكثيرين على التحمل. ألم وصل إلى مراحل متقدمة مع أناس اختاروا إنهاء حيواتهم بعدما عجزوا عن الحفاظ على أدنى حد من مقومات العيش.
اشتعلت النار، فاحترقنا. أرسلت السماء مطرها، فغرقنا. كان باقياً أن يهبّ الهواء فنطير، على ما تقول النكتة السوداء. ومع ذلك، فقد وقعنا في الحفرة، وفي كل حفرة اعترضت طريقنا. وقعنا في الحفرة مراراً، لأننا لم نردمها. اخترنا في كل مرة أن ندور من حولها أو أن نغطيها بعيدان هشّة ومهترئة لنعبر من فوقها. وهذا اهتراء نتحمل المسؤولية في وجوده. ساعدنا في تراكمه عندما اخترنا دائماً مصلحتنا الخاصة الضيقة، على حساب مصلحتنا العامة، ظناً منا بذلك أننا نصل أولاً وأننا بذلك نحمي أنفسنا. لم نتعلم حتى اليوم الوقوف على شارة السير الحمراء. لم نتعلم عدم جواز رمي أعقاب السجائر في الشارع. لم نتعلم أن سرقة خدمات الدولة ليست شطارة بل جريمة. لم نتعلم تسيير شؤوننا من دون وساطات. لم نتعلم بعد كيف نقوم بواجباتنا قبل أن نطالب بحقوقنا.
قد يسخر البعض مما سبق أو يراه جلداً للذات في غير موقعه، وقد يعتبر أنه ليس أولويةً أو أن اليوميات المدنية تفاصيل يمكن التفكير فيها لاحقاً. كان يجب أن نتنبّه باكراً إلى أن مجموع هذه الممارسات جميعاً، وتراكمها، هو ما يصنع صورتنا كمواطنين يستحقون دولة عادلة. الفساد الذي تسلّل إلى منظومة الدولة بدأ من رؤوسنا، ومن صمتنا على كل ما هو حق وصحيح وعادل. أجّلنا أشياء، وتغاضينا عن أشياء، وتواطأنا على أشياء.
اقــرأ أيضاً
ربما كانت الانتفاضة الشعبية التي أنزلت اللبنانيين إلى الشارع، في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، أفضل ما حدث لنا خلال هذا العام، وفي السنوات الأخيرة أيضاً. ليس لأن إنجازات الانتفاضة كبيرة، وهي ما زالت محدودة على كل حال، بل لأن أبرز ما قامت به هو دفعنا للثورة على أنفسنا وعلى فسادنا بذاته ودفعتنا لتكسير الأصنام التي قدسناها. انتفاضة كهذه لم تكن لتحدث في فترات سابقة لأسباب لا تحصى، لعلّ أبرزها خدر "القناعة" الذي انتشينا به حد الثمالة، فقرّرنا النوم على وسادة موروثاتنا السياسية والاجتماعية الفاسدة.
فالثورة على الموروث الفاسد، قبل أي شيء، هي بداية تطهير العقل، والخطوة الأولى تجاه مستقبل جديد.
اشتعلت النار، فاحترقنا. أرسلت السماء مطرها، فغرقنا. كان باقياً أن يهبّ الهواء فنطير، على ما تقول النكتة السوداء. ومع ذلك، فقد وقعنا في الحفرة، وفي كل حفرة اعترضت طريقنا. وقعنا في الحفرة مراراً، لأننا لم نردمها. اخترنا في كل مرة أن ندور من حولها أو أن نغطيها بعيدان هشّة ومهترئة لنعبر من فوقها. وهذا اهتراء نتحمل المسؤولية في وجوده. ساعدنا في تراكمه عندما اخترنا دائماً مصلحتنا الخاصة الضيقة، على حساب مصلحتنا العامة، ظناً منا بذلك أننا نصل أولاً وأننا بذلك نحمي أنفسنا. لم نتعلم حتى اليوم الوقوف على شارة السير الحمراء. لم نتعلم عدم جواز رمي أعقاب السجائر في الشارع. لم نتعلم أن سرقة خدمات الدولة ليست شطارة بل جريمة. لم نتعلم تسيير شؤوننا من دون وساطات. لم نتعلم بعد كيف نقوم بواجباتنا قبل أن نطالب بحقوقنا.
قد يسخر البعض مما سبق أو يراه جلداً للذات في غير موقعه، وقد يعتبر أنه ليس أولويةً أو أن اليوميات المدنية تفاصيل يمكن التفكير فيها لاحقاً. كان يجب أن نتنبّه باكراً إلى أن مجموع هذه الممارسات جميعاً، وتراكمها، هو ما يصنع صورتنا كمواطنين يستحقون دولة عادلة. الفساد الذي تسلّل إلى منظومة الدولة بدأ من رؤوسنا، ومن صمتنا على كل ما هو حق وصحيح وعادل. أجّلنا أشياء، وتغاضينا عن أشياء، وتواطأنا على أشياء.
ربما كانت الانتفاضة الشعبية التي أنزلت اللبنانيين إلى الشارع، في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول، أفضل ما حدث لنا خلال هذا العام، وفي السنوات الأخيرة أيضاً. ليس لأن إنجازات الانتفاضة كبيرة، وهي ما زالت محدودة على كل حال، بل لأن أبرز ما قامت به هو دفعنا للثورة على أنفسنا وعلى فسادنا بذاته ودفعتنا لتكسير الأصنام التي قدسناها. انتفاضة كهذه لم تكن لتحدث في فترات سابقة لأسباب لا تحصى، لعلّ أبرزها خدر "القناعة" الذي انتشينا به حد الثمالة، فقرّرنا النوم على وسادة موروثاتنا السياسية والاجتماعية الفاسدة.
فالثورة على الموروث الفاسد، قبل أي شيء، هي بداية تطهير العقل، والخطوة الأولى تجاه مستقبل جديد.