بالفيديو: للحرامية سوقهم في الأردن

22 اغسطس 2015
جانب من بسطات السوق (فيسبوك)
+ الخط -

أصحاب السوق والبائعون ليسوا "حرامية"، لكنّها التسمية التي أطلقت على سوقهم، هذا الذي يتوسّط عمان القديمة. كما يطلق على السوق أيضاً اسم "سوق خان الخليلي" تيمناً بالسوق المصري الشهير، و"سوق الجورة"، وذلك لوجوده في منطقة منخفضة عن الطريق العام.

في السوق الذي يحتلّ حيّزاً كبيراً من شارع طلال، القريب من سبيل الحوريات والمسجد الحسيني، أشهر معلمين في وسط البلد - عمان القديمة - يمكن أن تجد أيّ شيء وكلّ شيء، وكل ما يخطر على بالكَ، من إبرة الخياطة حتّى المكيّف، ومن نظارة قديمة مستعملة بلا عدسات، إلى أقدم دواوين شعر الغزل. وقد تجد أيضاً أسطوانات قديمة لأم كلثوم، تخلص منها شباب، بعدما اقتسموا ورثة آبائهم وأجدادهم ولم يجدوا فيها ما ينفعهم.

الباعة في هذا السوق ليسوا أثرياء، بقدر ما دفعتهم الحاجة الماسة إلى بيع الخردوات والأغراض المستعملة. المكان مليء بالبسطات التي تجد فوقها كل شيء: تحف، أوانٍ زجاجية، كتب، نحاسيات، وإكسسوارات... وغيرها من المقتنيات التي قد تخطر في بال المتجول هناك.

قد تسترجع ذاكرتكَ وما فيها من أمثال شعبية، لتخرج بنتيجة صحة المثل الذي يقول: "ما لا يلزمك، قد ينفع غيرك". فمعظم الأغراض المتفرقة والمنتشرة فوق عربات أو بسطات أرضية، تكون قد انتهت مدة صلاحيتها عند صاحبها، فيبادر لبيعها إلى تجّار السوق، الذين يستصلحونها ويعيدون عرضها من جديد، علّها تحظى بمن يقدّر قيمتها أو من هو في أمسّ الحاجة إليها، فيبتاعها بسعر زهيد.

أصل التسمية، شعبية، فالسوق لا يدخله الحرامية ولا يتعامل تجّاره في شراء حاجياته إلا مع أشخاص ذوي ثقة، لكنّ التسمية ردّها بعض العاملين هنا إلى أنّ السوق يحتوي مئات الألوف من الحاجيات التي تلزم أو لا تلزم، ووما خفّ وزنه وغلا ثمنه، ونظراً لسهولة الحصول على ما يضمّه مقابل مبلغ زهيد من المال.

أجمل ما قد يصادفه زائر السوق هو الفوضى. فالأشياء المبعثرة على جانبي الطريق تجذب العين لمحاولة معرفة خباياها. قد تجدُ كتباً ومجلاتٍ وأشرطة فيديو، تحفاً ونحاسياتٍ، وآلات تسجيل قديمة، ساعات، وأشياء تعرفها وأخرى لا تعرفها. وقد تحتاج لوقت طويل في البحث أحيانا عن شيء لا تعرفه، وتارة تجد ما يدفعك لتناول قطعة وقع عليها نظرك للتو... وبالتالي شراؤها دون تفكير.

وهذا الأمر حدث مع رياض محمود، الذي جاء لشراء قفص مستعمل ليضع فيه عصفوراً ابتاعه لطفله. وإذ به يشتري العديد من القطع كالمفكات والبراغي وأشياء أخرى تلزمه في التصليحات المنزلية: "أحتاج إلى ميزانية خاصّة حين آتي إلى هنا، والسبب هو كثرة الأشياء التي قد تجذب انتباهك فترغب في اقتنائها".

اقرأ أيضاً: سارق أوقعت به قطعة آيس كريم.. بعد أربع سنوات

فيما قال الثلاثيني حمزة الأشقر، الذي كان يتجول هو وطفله في السوق المشهور وسط عمان وبين المعروضات، إنه اشترى للتوّ كرة بيسبول لطفله تحمل توقيعاً هو بصدد البحث عن صاحبه. ويضيف مبتسماً: "لعلّنا حصلنا على ثروة، إن كان صاحب التوقيع مهماً".

يرفض معظم تجار السوق التصوير، ويجدون في ذلك ضرراً لهم، فمن وجهة نظر البائع الذي عرّف عن نفسه باسم أحمد (اسم مستعار)، قال: "مش ناقصنا مشاكل خصوصا مع الضريبة". وعند الرغبة في الاستيضاح أكثر، اقتضب حديثه قائلا: "هاي رزقة بسيطة، ولا علاقة لها بالسرقة". مذكّرا بأنّ "سوق الحرامية، تسمية قديمة". فهو وزملاؤه التجار يحصلون اليوم على بضائعهم من بالات أوروبية وأجنبية ويفترشون بها الأرصفة".

وعن الأدوات الكهربائية وحتّى قطع السيارات وغيرها، قال أحمد: "تتنوّع مصادر البضائع من أدوات منزلية وأجهزة كهربائية، ما بين شخص يريد بيع أثاث منزله لحاجة مادية، أو عائلة ميسورة مادياً ترغب في تجديد عفش المنزل"، وزاد: "حتى هناك محلات تبيع هذه المواد بسبب انتهاء موديلها ورغبة في التجديد".

اقرأ أيضاً: مراهق دخل فيلا ليسرق... فاكتشف مخزن أسلحة خفيفة ومتوسّطة

لا يتوقف الزبائن إلا عند البضائع التي تشد انتباههم، فالأربعينية نجوى صالح قالت إنّها اعتادت المجيء إلى هذه الزاوية، تحديداً بسبب ما تجده من أشياء مميزة مثل صحون الطعام وإكسسوارات منزلية وتحف.

وتضيف من خلال مشاهداتها وزياراتها المتكررة أنّ "الغلاء طاول "سوق الحرامية" أيضاً"، مستهجنة أن يستهدف بذلك شريحة من الناس اعتادت ارتياده منذ سنوات طويلة، من ذوي الدخل المنخفض. وتحدّثت عن رغبتها في الحصول حتّى على المستعمل من البضائع والأشياء المعروضة.

ويجد صالح درويش أحد الباعة، أن زبائن السوق غالبيتهم من أرباب الأسر الفقيرة، الذين يبحثون عن منتجات رخيصة الثمن يتدبرون بها أمورهم، مضيفاً: "لكن لا يخلو الأمر من أشخاص ميسورين، هوايتهم جمع الأشياء النادرة، وليس وراءهم عائلة يضطرون لإطعام أفرادها، فتراهم يقضون من يومهم أكثر من خمس ساعات، قد يبحثون خلالها عن ميدالية أو أسطوانة أو صورة فقط لا غير".

والأسواق القديمة التقليدية، ليست بدعة أردنية، فمثل هذه الأسواق منتشرة ومتوفرة في معظم دول العالم، وتبدو ثقافة هذه السوق منتشرة في بلدان مثل السعودية والإمارات والهند وتايلاند، مع الاختلاف في طريقة العرض والبيع والشراء.



اقرأ أيضاً: سوق الطيور المحظور.. أشهر معالم عمان
دلالات
المساهمون