لم يتوقف العشريني الغزي هشام العمور، عن السعال لمدة 15 دقيقة، بعدما غطت سحابة من الدخان الأبيض الكثيف، والروائح الكريهة المنطقة التي يقطن فيها جنوبي قطاع غزة، بعد اشتعال أكوام النفايات الصلبة، التي تتجمع في أكبر مكبات قطاع غزة، وتحديداً في منطقة الفخاري شرقي مدينة خان يونس. تستمر معاناة العمور وأبناء منطقته حتى ساعات الصباح، إلى أن يتغير اتجاه الرياح، وتحمل الدخان إلى الجهة المعاكسة.
قرية النفايات
يبدو المشهد صادماً فيما بات يعرف محلياً في قطاع غزة بـ"قرية النفايات"، أو بلدة الفخاري، التي تحوي منازل متناثرة هنا وهناك، ويصل عدد سكانها إلى ألفي نسمة، يقطنون إلى جوار جبال من النفايات الصلبة، زاد ارتفاعها في بعض المناطق على 15 مترا. وتسببت تلك النفايات التي بدأت توضع في المكب منذ نحو 20 عاما، في تلويث البيئة المحيطة، حتى كيلومتر مربع في محيط المكب كما رصد معد التحقيق.
ويؤكد العمور أن معاناته وسكان المنطقة، بلغت حدا لا يمكن احتماله من جراء وجود المكب قرب مساكنهم. ويقول لـ "العربي الجديد": المشكلة الأكبر في اشتعال النيران في المكب، فالنفايات تصل بعد تجميعها من مراكز المدن وتكون أحياناً مشتعلة، وعند المساء يتحول اتجاه الرياح، فيغطي الدخان الأبيض المنطقة، جالباً معه روائح كريهة. ولفت إلى أن العصارات السائلة التي تنتج عن النفايات تشكل بركا في محيط المكب يتوالد فيها البعوض، الذي يؤذي بلدغاته المواطنين، ويسهم في زيادة انتشار الأوبئة والأمراض.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل
القوت الملوث
بين ثنايا المكب، كان بعض الفتية ينبشون النفايات بحثاً عن البلاستيك والمعدن، لبيعه للمصانع، من بينهم إبراهيم موسى، الذي يساعد والده في تدبير قوت العائلة. اعتاد موسى على الرائحة، على الرغم من معاناته من طفح جلدي وسعال أصيب بهما بسبب العمل في المكب، لكنه لا ينوى التوقف عما يسميه بمصدر رزق العائلة، كما قال لـ "العربي الجديد".
تشكل الحيوانات والكلاب الضالة أكبر تهديد للسكان من جيران المكب، وفق مما أكده المواطن الخمسيني عبد الله شراب، إذ تهاجم المنازل ليلاً، وتفترس الطيور الداجنة، وأحياناً تهاجم الماشية الصغيرة، متسببة في وقوع أضرار فادحة لدى السكان المحليين الريفيين الذي يعتمدون على تربية الدواجن والمواشي لتوفير قوت عائلاتهم.
كوارث صحية وبيئية
يؤكد الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، أستاذ العلوم البيئية المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية بغزة، أن النفايات الصلبة في القطاع تشكل ثاني أكبر تهديد بيئي بعد معضلة المياه العادمة، بسبب المساحة الجغرافية الضيقة للقطاع، والتي لا تزيد على 365 كيلومتراً مربعاً، والازدحام السكاني الكبير، الذي شارف حالياً على مليوني نسمة.
وبيّن أن قطاع غزة ينتج 1500 طن من النفايات الصلبة يومياً، ترحل إلى ثلاثة مكبات مركزية للنفايات تقع شرق قطاع غزة، وممتلئة عن آخرها، فضلاً عن عشرات المكبات العشوائية أو المؤقتة المنتشرة في قلب المناطق السكنية. وأوضح أن النفايات الصلبة تتنوع ما بين مخلفات منازل ومصانع، بالإضافة إلى مخلفات زراعية وأخرى طبية خطرة، لاحتوائها على مسببات العدوى، وغالباً لا يتم فصل النفايات تبعا لخطورتها، فجميعها تلقى في المكبات نفسها.
وأكد عبد ربه لـ العربي الجديد"، أن مخاطر النفايات الصلبة في قطاع غزة كثيرة ومتعددة، تبدأ بإقامة المكبات العشوائية في قلب المناطق السكنية، التي تتحول مع مرور الوقت إلى دائمة، كما أن العصارات الخطرة التي تنتج عن النفايات تتسرب إلى باطن الأرض وتصل إلى المخزون الجوفي للمياه، وتلوثه، ولا سيما أن هذه العصارات تحوي مواد سامة وخطرة.
ويحذر الخبير البيئي، من سرعة تحلل النفايات، خاصة في أجواء الصيف والرطوبة العالية، ما يسهم في انتشار غازات سامة وخطرة في الأجواء، يتم استنشاقها من المارة والسكان، وأكد أن من أخطر مشاكل النفايات الصلبة عمليات الإحراق، التي تنتج عنها غازات ومركبات سامة، مثل: أول وثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، والديوكسين، والفيوران، والجسيمات العالقة، وأدخنة ضارة. وتتسبب الملوثات بأمراض تنفسية وجلدية ومعوية وأحيانا سرطانية، عند التعرض بكثرة لمركبات الديوكسين المسرطنة. كما تتسبب النفايات الصلبة في انتشار الآفات المزعجة والحشرات الضارة والجرذان والفئران والكلاب، التي تعتبر من أهم عوامل نقل الأوبئة والأمراض للبشر.
وحذر عبد ربه الذي أجرى دراسة معمقة حول مخاطر النفايات الصلبة في قطاع غزة، من انتشار ظاهرة "النباشين" للبحث عما يمكن الاستفادة منه من مواد معدنية وبلاستيكية، "لكنهم معرضون لأمراض تنفسية وجلدية، والإصابة بأدوات حادة، ومخلفات طبية مثل الحقن والمشارط التي تستخدم في العمليات الجراحية، ما يسبب انتقال الأمراض" على حد قوله.
اقرأ أيضا: إسرائيل تبتز مرضى في غزة: العمالة مقابل العلاج
إجراءات وقائية
لا يخفي المهندس أسامة أبو نقيرة، مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية رفح الفلسطينية، المخاطر الكبيرة التي تسببها النفايات الصلبة، مؤكدا أن البلدية تعمل على مدار الأسبوع ودون توقف لترحيل النفايات أولا بأول إلى مكب "صوفاه"، قائلا لـ"العربي الجديد"، تم القضاء نهائياً على ظاهرة حاويات التجميع، موضحاً أن بعض المناطق مثل محيط السوق ومراكز المدن يتم الترحيل فيها على مدار الساعة.
أما في ما يخص العمال، فقد تمكنت البلدية مؤخراً من تطعيم وتحصين عمال النظافة ضد مجموعة من الأمراض الخطرة، من بينها التهاب الكبد الوبائي، كما تصرف لهم ملابس وأحذية وأغطية يد خاصة لحمايتهم من المخاطر. ولفت إلى أن مشاكل المكب القديم كثيرة، والبلدية تحاول التعامل معها، خاصة في ما يتعلق باشتعال النيران، وتقوم بإطفاء الحرائق أولا بأول، وتتحرك وفق شكاوى يقدمها المواطنون.
حلول مستقبلية
يعتبر الدكتور علي برهوم استشاري ومدير تنفيذي مجلس إدارة النفايات الصلبة، إن هناك وعيا وإدراكا من قبل المسؤولين في كافة الهيئات والوزارات والبلديات لهذه المشكلة المتفاقمة، وبناء على ذلك تم اتخاذ عدة خطوات لإيجاد حلول جذرية لمشكلة النفايات في القطاع.
وبين أن من أهم الخطوات الانتهاء من إعداد دراسة تفصيلية تتضمن أفضل الطرق لإدارة النفايات الصلبة في القطاع خلال السنوات الـ25 القادمة. وبين أن الحلول تتركز على قاعدتين هامتين، الأولى إنشاء محطات فرز وتدوير لإعادة الاستخدام، إذ أثبتت الدراسات أنه يمكن الاستفادة من نحو 70% من النفايات الصلبة التي ينتجها قطاع غزة وتبلغ حوالي 1500 طن يومياً، إضافة إلى إقامة مكبين رئيسيين في قطاع غزة، لاستيعاب هذا الكم الهائل من النفايات.
وأوضح برهوم لـ"العربي الجديد"، أن هناك مشروعا لتوسعة المكبين رصد له ما يقارب 37 مليون دولار من عدة جهات مانحة، وتم استملاك قطعة من الأرض في منطقة "الفخاري"، تبلغ حوالي 215 دونما، لتحويلها إلى مكب جديد، بعد استكمال إغلاق مكب "صوفاه" الممتلئ، وهذا المكب الجديد من المفترض أن يخدم نصف قطاع غزة. وشدد برهوم على أهمية إنشاء محطات فرز وإعادة تدوير، على غرار مشروع أقيم في مدينة رفح قبل عدة سنوات. ولفت إلى أن العقبات التي واجهت المشروع، هي صعوبة تسويق المنتجات التي تم إعادة فرزها وتدويرها بسبب الحصار وعدم وجود قطاع صناعي قادر على استيعابها.
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
أفكار إبداعية
برزت مبادرات شبابية خلاقة، لاستغلال الكميات المهولة من النفايات الصلبة في مشروعات لها فوائد مزدوجة لأهل القطاع كما رصد معد التحقيق، إذ قدمت الناشطة البيئية وفاء الكردي مبادرة فريدة لإنتاج الغاز الحيوي (البيوغاز)، من مخلفات النفايات الصلبة، لتوفير بديل لغاز الطهي، الذي يعاني قطاع غزة أزمة وشحا كبيرا فيه منذ شهور، ويمكن استخدامه كوقود للمركبات، وأيضا لتوليد الكهرباء.
وقالت الكردي في حديثها لـ"العربي الجديد"، "المبادرة لها مزايا عديدة، وهي اقتصادية لقلة تكاليفها وبساطة إنتاجها، كذلك توفر طاقة متجددة لن تنضب بمرور الزمن، وهي أيضا صديقة للبيئة، إذ يتم هدم المادة العضوية بمعزل عن الهواء، مما يؤدي إلى توفير الأوكسجين، والمحافظة على عدم تلوث الهواء، وتقضي هذه الطريقة على البكتيريا والجراثيم الضارة، لأنها تموت في وضع التخمر".
وأوضحت الكردي أن الغاز المنتج هو عبارة عن خليط من الغازات القابلة للاحتراق التي تنتجها الكائنات الدقيقة، ويتم خلطها بروث الماشية والنفايات البيولوجية الأخرى وإحداث حالة تخمر بمعزل عن الهواء في حاويات مغلقة.
تشعر الكردي بالصدمة، كما تقول، إذ تجاهل المعنيون مشروعها الذي قدمته بشكل مفصل، وناضلت من أجل إيصال الفكرة إلى كل شخص أو مؤسسة يمكن أن تسهم في تبنيها وإنجاحها، وتقول "توجهت إلى مكاتب بعض المسؤولين، وخضت جلسات نقاش عاصفة، لكن في كل مرة كانوا يعاملون المبادرة بفتور، ويتصنعون الحجج والذرائع من أجل إحباطي، وإظهار صعوبة التطبيق". تؤكد الناشطة البيئية، استمرارها في تسويق فكرتها التي لا تسعى من ورائها إلى الربح، حتى يتم قبولها والبدء بتطبيقها ولو على مستوى التجارب الأولية، ما يقلل من معاناة أهل القطاع المتفاقمة.
قرية النفايات
يبدو المشهد صادماً فيما بات يعرف محلياً في قطاع غزة بـ"قرية النفايات"، أو بلدة الفخاري، التي تحوي منازل متناثرة هنا وهناك، ويصل عدد سكانها إلى ألفي نسمة، يقطنون إلى جوار جبال من النفايات الصلبة، زاد ارتفاعها في بعض المناطق على 15 مترا. وتسببت تلك النفايات التي بدأت توضع في المكب منذ نحو 20 عاما، في تلويث البيئة المحيطة، حتى كيلومتر مربع في محيط المكب كما رصد معد التحقيق.
ويؤكد العمور أن معاناته وسكان المنطقة، بلغت حدا لا يمكن احتماله من جراء وجود المكب قرب مساكنهم. ويقول لـ "العربي الجديد": المشكلة الأكبر في اشتعال النيران في المكب، فالنفايات تصل بعد تجميعها من مراكز المدن وتكون أحياناً مشتعلة، وعند المساء يتحول اتجاه الرياح، فيغطي الدخان الأبيض المنطقة، جالباً معه روائح كريهة. ولفت إلى أن العصارات السائلة التي تنتج عن النفايات تشكل بركا في محيط المكب يتوالد فيها البعوض، الذي يؤذي بلدغاته المواطنين، ويسهم في زيادة انتشار الأوبئة والأمراض.
اقرأ أيضا: بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل
القوت الملوث
بين ثنايا المكب، كان بعض الفتية ينبشون النفايات بحثاً عن البلاستيك والمعدن، لبيعه للمصانع، من بينهم إبراهيم موسى، الذي يساعد والده في تدبير قوت العائلة. اعتاد موسى على الرائحة، على الرغم من معاناته من طفح جلدي وسعال أصيب بهما بسبب العمل في المكب، لكنه لا ينوى التوقف عما يسميه بمصدر رزق العائلة، كما قال لـ "العربي الجديد".
تشكل الحيوانات والكلاب الضالة أكبر تهديد للسكان من جيران المكب، وفق مما أكده المواطن الخمسيني عبد الله شراب، إذ تهاجم المنازل ليلاً، وتفترس الطيور الداجنة، وأحياناً تهاجم الماشية الصغيرة، متسببة في وقوع أضرار فادحة لدى السكان المحليين الريفيين الذي يعتمدون على تربية الدواجن والمواشي لتوفير قوت عائلاتهم.
كوارث صحية وبيئية
يؤكد الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، أستاذ العلوم البيئية المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية بغزة، أن النفايات الصلبة في القطاع تشكل ثاني أكبر تهديد بيئي بعد معضلة المياه العادمة، بسبب المساحة الجغرافية الضيقة للقطاع، والتي لا تزيد على 365 كيلومتراً مربعاً، والازدحام السكاني الكبير، الذي شارف حالياً على مليوني نسمة.
وبيّن أن قطاع غزة ينتج 1500 طن من النفايات الصلبة يومياً، ترحل إلى ثلاثة مكبات مركزية للنفايات تقع شرق قطاع غزة، وممتلئة عن آخرها، فضلاً عن عشرات المكبات العشوائية أو المؤقتة المنتشرة في قلب المناطق السكنية. وأوضح أن النفايات الصلبة تتنوع ما بين مخلفات منازل ومصانع، بالإضافة إلى مخلفات زراعية وأخرى طبية خطرة، لاحتوائها على مسببات العدوى، وغالباً لا يتم فصل النفايات تبعا لخطورتها، فجميعها تلقى في المكبات نفسها.
وأكد عبد ربه لـ العربي الجديد"، أن مخاطر النفايات الصلبة في قطاع غزة كثيرة ومتعددة، تبدأ بإقامة المكبات العشوائية في قلب المناطق السكنية، التي تتحول مع مرور الوقت إلى دائمة، كما أن العصارات الخطرة التي تنتج عن النفايات تتسرب إلى باطن الأرض وتصل إلى المخزون الجوفي للمياه، وتلوثه، ولا سيما أن هذه العصارات تحوي مواد سامة وخطرة.
ويحذر الخبير البيئي، من سرعة تحلل النفايات، خاصة في أجواء الصيف والرطوبة العالية، ما يسهم في انتشار غازات سامة وخطرة في الأجواء، يتم استنشاقها من المارة والسكان، وأكد أن من أخطر مشاكل النفايات الصلبة عمليات الإحراق، التي تنتج عنها غازات ومركبات سامة، مثل: أول وثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان، والديوكسين، والفيوران، والجسيمات العالقة، وأدخنة ضارة. وتتسبب الملوثات بأمراض تنفسية وجلدية ومعوية وأحيانا سرطانية، عند التعرض بكثرة لمركبات الديوكسين المسرطنة. كما تتسبب النفايات الصلبة في انتشار الآفات المزعجة والحشرات الضارة والجرذان والفئران والكلاب، التي تعتبر من أهم عوامل نقل الأوبئة والأمراض للبشر.
وحذر عبد ربه الذي أجرى دراسة معمقة حول مخاطر النفايات الصلبة في قطاع غزة، من انتشار ظاهرة "النباشين" للبحث عما يمكن الاستفادة منه من مواد معدنية وبلاستيكية، "لكنهم معرضون لأمراض تنفسية وجلدية، والإصابة بأدوات حادة، ومخلفات طبية مثل الحقن والمشارط التي تستخدم في العمليات الجراحية، ما يسبب انتقال الأمراض" على حد قوله.
اقرأ أيضا: إسرائيل تبتز مرضى في غزة: العمالة مقابل العلاج
إجراءات وقائية
لا يخفي المهندس أسامة أبو نقيرة، مدير دائرة الصحة والبيئة في بلدية رفح الفلسطينية، المخاطر الكبيرة التي تسببها النفايات الصلبة، مؤكدا أن البلدية تعمل على مدار الأسبوع ودون توقف لترحيل النفايات أولا بأول إلى مكب "صوفاه"، قائلا لـ"العربي الجديد"، تم القضاء نهائياً على ظاهرة حاويات التجميع، موضحاً أن بعض المناطق مثل محيط السوق ومراكز المدن يتم الترحيل فيها على مدار الساعة.
أما في ما يخص العمال، فقد تمكنت البلدية مؤخراً من تطعيم وتحصين عمال النظافة ضد مجموعة من الأمراض الخطرة، من بينها التهاب الكبد الوبائي، كما تصرف لهم ملابس وأحذية وأغطية يد خاصة لحمايتهم من المخاطر. ولفت إلى أن مشاكل المكب القديم كثيرة، والبلدية تحاول التعامل معها، خاصة في ما يتعلق باشتعال النيران، وتقوم بإطفاء الحرائق أولا بأول، وتتحرك وفق شكاوى يقدمها المواطنون.
حلول مستقبلية
يعتبر الدكتور علي برهوم استشاري ومدير تنفيذي مجلس إدارة النفايات الصلبة، إن هناك وعيا وإدراكا من قبل المسؤولين في كافة الهيئات والوزارات والبلديات لهذه المشكلة المتفاقمة، وبناء على ذلك تم اتخاذ عدة خطوات لإيجاد حلول جذرية لمشكلة النفايات في القطاع.
وبين أن من أهم الخطوات الانتهاء من إعداد دراسة تفصيلية تتضمن أفضل الطرق لإدارة النفايات الصلبة في القطاع خلال السنوات الـ25 القادمة. وبين أن الحلول تتركز على قاعدتين هامتين، الأولى إنشاء محطات فرز وتدوير لإعادة الاستخدام، إذ أثبتت الدراسات أنه يمكن الاستفادة من نحو 70% من النفايات الصلبة التي ينتجها قطاع غزة وتبلغ حوالي 1500 طن يومياً، إضافة إلى إقامة مكبين رئيسيين في قطاع غزة، لاستيعاب هذا الكم الهائل من النفايات.
وأوضح برهوم لـ"العربي الجديد"، أن هناك مشروعا لتوسعة المكبين رصد له ما يقارب 37 مليون دولار من عدة جهات مانحة، وتم استملاك قطعة من الأرض في منطقة "الفخاري"، تبلغ حوالي 215 دونما، لتحويلها إلى مكب جديد، بعد استكمال إغلاق مكب "صوفاه" الممتلئ، وهذا المكب الجديد من المفترض أن يخدم نصف قطاع غزة. وشدد برهوم على أهمية إنشاء محطات فرز وإعادة تدوير، على غرار مشروع أقيم في مدينة رفح قبل عدة سنوات. ولفت إلى أن العقبات التي واجهت المشروع، هي صعوبة تسويق المنتجات التي تم إعادة فرزها وتدويرها بسبب الحصار وعدم وجود قطاع صناعي قادر على استيعابها.
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
أفكار إبداعية
برزت مبادرات شبابية خلاقة، لاستغلال الكميات المهولة من النفايات الصلبة في مشروعات لها فوائد مزدوجة لأهل القطاع كما رصد معد التحقيق، إذ قدمت الناشطة البيئية وفاء الكردي مبادرة فريدة لإنتاج الغاز الحيوي (البيوغاز)، من مخلفات النفايات الصلبة، لتوفير بديل لغاز الطهي، الذي يعاني قطاع غزة أزمة وشحا كبيرا فيه منذ شهور، ويمكن استخدامه كوقود للمركبات، وأيضا لتوليد الكهرباء.
وقالت الكردي في حديثها لـ"العربي الجديد"، "المبادرة لها مزايا عديدة، وهي اقتصادية لقلة تكاليفها وبساطة إنتاجها، كذلك توفر طاقة متجددة لن تنضب بمرور الزمن، وهي أيضا صديقة للبيئة، إذ يتم هدم المادة العضوية بمعزل عن الهواء، مما يؤدي إلى توفير الأوكسجين، والمحافظة على عدم تلوث الهواء، وتقضي هذه الطريقة على البكتيريا والجراثيم الضارة، لأنها تموت في وضع التخمر".
وأوضحت الكردي أن الغاز المنتج هو عبارة عن خليط من الغازات القابلة للاحتراق التي تنتجها الكائنات الدقيقة، ويتم خلطها بروث الماشية والنفايات البيولوجية الأخرى وإحداث حالة تخمر بمعزل عن الهواء في حاويات مغلقة.
تشعر الكردي بالصدمة، كما تقول، إذ تجاهل المعنيون مشروعها الذي قدمته بشكل مفصل، وناضلت من أجل إيصال الفكرة إلى كل شخص أو مؤسسة يمكن أن تسهم في تبنيها وإنجاحها، وتقول "توجهت إلى مكاتب بعض المسؤولين، وخضت جلسات نقاش عاصفة، لكن في كل مرة كانوا يعاملون المبادرة بفتور، ويتصنعون الحجج والذرائع من أجل إحباطي، وإظهار صعوبة التطبيق". تؤكد الناشطة البيئية، استمرارها في تسويق فكرتها التي لا تسعى من ورائها إلى الربح، حتى يتم قبولها والبدء بتطبيقها ولو على مستوى التجارب الأولية، ما يقلل من معاناة أهل القطاع المتفاقمة.