يرحب رمضان سعيد شاكر، عمدة بلدة "إسلامفيل" التابعة لولاية كارولاينا الجنوبية، بزائري بلدته الصغيرة، الذين بدأت أعدادهم بالتزايد أخيرا، بعد ارتفاع وتيرة تحريض وسائل إعلام يمينية زعمت أن البلدة الهادئة تحتضن "معسكرات للتدريب على القتال".
تقع "إسلامفيل" في مقاطعة يورك، ولا تبعد سوى 12 ميلا فقط عن الحدود الفاصلة بين ولايتي كارولاينا الجنوبية والشمالية. "إنها لا تشكل تجمعا سكانيا جذابا للأجانب. لا توجد هنا محلات تجارية كبرى ولا شركات"، كما يقول عمدة البلدة، بينما يقف أمام بوابة معدنية خضراء تقول "لا للتعدي على ممتلكات الغير"، غير بعيد تلوح سيارات مصطفة في متنزّه بينما تتناثر لعب الأطفال أمام منازل أهالي البلدة.
اقرأ أيضا: "ظاهرة ترامب".. هؤلاء يدفعون إمبراطور العقار إلى "البيت الأبيض"
مقاومة ترامب
عندما كان المرشح الجمهوري الأبرز دونالد ترامب يقود حملته في ولاية كارولاينا الجنوبية، أطلق بعض سكان "إسلامفيل" حملة مضادة تصف ترامب بـ"العجوز البهلواني، الذي يجهل التاريخ الأميركي". يقول شاكر لـ"العربي الجديد": "طبعا لا نشعر بالأمان، بسبب ترامب ومن هم على شاكلته. إنها الإسلاموفوبيا".
اقرأ أيضا: حملات عنصرية تستهدف مسلمي أميركا.. ممنوع اقتناء السلاح
قصة "إسلامفيل"
أسس "إسلامفيل" الشيخ مبارك علي الجيلاني في العام 1983. يعتقد أهل هذه البلدة أن الشيخ يتحدّر مباشرة من سلالة الرسول محمد، وحفيد الإمام الصوفي والفقيه الحنبلي عبد القادر الجيلاني (مؤسس الطريقة القادرية في بغداد عام 1077 ميلادية). ورغم أن الشيخ مبارك علي الجيلاني يتحدر من باكستان، إلا أن أغلب أتباعه في البلدة التي كانت تسمى "مدينة الإسلام المقدسة"، من أصول أفريقية.
وكان الجيلاني قد أسس أيضا بلدة "إسلامبيرغ"، شمال ولاية نيويورك. وواجهت "إسلامبيرغ"، وهي بلدة أميركية صغيرة، اتهامات بالإرهاب، من قبل شبكة "فوكس نيوز" الأميركية التي وصفتها بأنها تأسست على يد شخص متهم بالإرهاب.
العمدة سعيد شاكر، (36 عاما)، يقطن في البلدة منذ تأسيسها قبل 34 عاما، يقول "معظم سكان إسلامفيل لا يعرفون وطنا آخر غير أميركا. تقريبا 80 في المئة من السكان من أصول أفريقية". ويرحب السكان باستمرار بالغرباء من جميع الجنسيات، غير أن القليل من العرب الأميركيين مروا في البلدة منذ تأسيسها. كما يقول عبد الرحمان، أحد أقدم سكان البلدة، موضحا أن "السبب هو العزلة. البلدة تقريبا منقطعة عن العالم الخارجي، والعرب يأتون إلى أميركا بحثا عن فرص الشغل وجمع المال".
ويعتقد الشاب أحمد، من أبناء البلدة، أن بعض الأميركيين لا يفرقون بين العرب والمسلمين. "كلنا بالنسبة إليهم عرب"، كما يقول، متابعا "بعض العرب الذين مروا من هنا درّسوا اللغة العربية للأطفال في البلدة، وآخرون كانوا يؤمّون المصلين". ويضيف "يعيش هنا 300 شخص كلهم مسلمون. نعرف بعضنا البعض، ونعيش المناسبات الدينية كعائلة كبيرة". "مرحبا بك في بلدتنا".
اقرأ أيضا: بالوثائق.. هكذا روّج السيسي نظامه في "كي ستريت"
انتعاش الإسلاموفوبيا
حينما كان دونالد ترامب يلقي خطابه المتشدد ضد المسلمين في كارولاينا الجنوبية، كان النائب اليميني عن الحزب الجمهوري مايك مولفاني يزور بلدة "إسلامفيل". يقول العمدة شاكر ساخرا: "إنه يريد أن يتأكد من تقارير إعلام اليمين، الذي يزعم أننا نحتضن معسكرات القتال".
النائب الجمهوري مايك مولفاني (Getty) |
وقد انطلقت موجة من الاتهامات، في مواقع اليمين المتشدد، بعد أحداث سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، التي راح ضحيتها 14 قتيلا وأصيب 17 آخرون، والتي اتُّهم فيها المسلمان الأميركيان سيد فاروق وتاشفين مالك، وروجت تلك الاتهامات أن مسلمي أميركا يستعدون لخوض حرب ضد الأميركيين. وتوجهت أصابع الاتهام إلى البلدات المسلمة على الأراضي الأميركية. ويقول العمدة شاكر عن زيارة النائب الجمهوري "أنا سعيد بزيارته، فهو نائب عن ولاية كارولاينا الجنوبية. إنه يمثلنا كما يمثل بقية المقاطعات والبلدات في هذه الولاية".
نقيب الشرطة بروس براينت، يعرف المسلمين في هذه البلدة منذ 25 عاما. ويتعهد بأن يحميهم، قائلا "أشجع المسؤولين المنتخبين الذين يسمعون الإشاعات ويصدقونها أن يزوروا بلدة إسلامفيل".
أما النائب الجمهوري، فقد قال لوسائل إعلام محلية بعد نهاية زيارته: "الآن يمكن أن أذهب إلى الناس وأقول لهم: لا، لقد كنت هناك ولم أر أي معسكرات للإرهابيين، أو أي تهديد لمقاطعة يورك". وأضاف: "كل ما في الأمر أن هؤلاء أشخاص مختلفون دينيا. يمارسون عقائدهم، ويلتزمون بالقانون"، مشددا على أن "بعضهم من المحاربين القدامى، خدموا في الجيش الأميركي".
عداء متزايد
بحسب تصريحات ترامب، فإنه يرغب في منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة الأميركية مؤقتا، و"إجبارهم على حمل بطاقات تعريف خاصة، تتضح فيها دياناتهم"، لكن المرشح الجمهوري الأبرز، ليس وحيدا في تلك الرؤية العنصرية، فحسب استطلاع للرأي بولاية كارولاينا الجنوبية "هناك 80% من الأميركيين الداعمين لترامب في الولاية يريدون منع المسلمين من دخول الأراضي الأميركية، بينما يؤيد 60% وضع قاعدة بيانات تراقب المسلمين".
لكن المفاجئ أكثر هو أن 44% فقط من المؤيدين لترامب يتفقون مع السماح للمسلمين بممارسة عقيدتهم في أميركا، و33% مع المنع الكلي للعقيدة الإسلامية.
يقول أحمد، وهو إمام في مسجد إسلامفيل، "إنه لأمر محزن جدا أن واحدا من المرشحين للرئاسة يحمل نوايا سيئة عن الإسلام ويغذي الإسلاموفوبيا بين الناس"، مضيفا "الإعلام أيضا مسؤول عن نشر الكراهية ضد المسلمين بسبب توفير منبر للمتعصبين مثل ترامب".
ويشير إلى أن إمبراطور العقار الأميركي لا يختلف عن جندي المارينز السابق عضو كوكلوكس كلان، جون ريتزيمر، المعتقل على خلفية احتلاله، مع مسلحين معارضين، محمية فيدرالية في ولاية أوريغون.
وقد دعا ريتزيمر، مرارا، إلى مظاهرات مسلحة لمهاجمة المسلمين في أكثر من 20 مدينة أميركية دفاعا عن "الدستور الأميركي ضد الدخلاء المسلمين". وجون ريتزيمر من المؤيدين لترامب، إذ انخرط في حملته منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي في ولاية أريزونا، حيث ظهر في فيديو وهو يكيل السباب والشتائم للمسلمين الأميركيين.
آخرون من أهالي البلدة عبّروا لـ"العربي الجديد"، عن قلقهم من ازدياد العداء تجاه المسلمين في ولاية كارولاينا الجنوبية. يقول بلال، وهو من سكان البلدة: "تصاعدت الكراهية ضدنا في الآونة الأخيرة"، مضيفا "لم أعد أغضب عندما أسمع همهمات ضدي وسخرية من لحيتي، وحتى استفزازي بحركة الإصبع البذيئة".
اقرأ أيضا: 8 مرشحين لخلافة أوباما.. كيف يرون قضايا العرب والمسلمين؟
شكوك حول مؤسس البلدة
عندما تغادر إسلامفيل في اتجاه شمال ولاية كارولاينا الجنوبية، تشاهد عشرات الكنائس، تنتمي إلى الطوائف المعمدانية والمشيخية والميثودية واللوثرية، كما يقول براين كونتراس، وهو من سكان مقاطعة يورك، متابعا "سبب الاتهامات بالإرهاب هو أننا سمعنا أن مؤسس البلدة مبارك علي الجيلاني هو متشدد باكستاني كان وراء جماعة الفقراء الإرهابية".
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد وضعت "جماعة الفقراء" ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية في 1999، بينما أشارت في تقرير لها، آنذاك، إلى أن التنظيم كان وراء اغتيال شخصية "أحمدية" بارزة في أميركا، وأنه يضم 3000 عضو.
وبعد استجوابه، أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) أن الجيلاني لا علاقة له بأي جماعة إرهابية، وخاصة "جماعة الفقراء".
وتستغل وسائل إعلام يمينية فيديو قديماً ظهر فيه الجيلاني يدعو المسلمين إلى تعلّم طرق الدفاع عن أنفسهم. ونسبت إحدى القنوات المحلية للجيلاني تصريحات قال فيها "أوجدنا معسكرات للقتال في كارولاينا الجنوبية ومن يريد الانضمام إليها فهو مرحب به"، غير أن السلطات القانونية في أميركا تنفي باستمرار هذه التقارير، وتؤكد أن "الدستور الأميركي يكفل للمسلمين حق ممارسة شعائرهم بكل حرية".
وتسلطت الأضواء على جيلاني مرة أخرى بعد اغتيال دانييل بيرل، الصحافي بجريدة وول ستريت جورنال، عام 2002 بينما كان عاكفا على كتابة موضوع عن ريتشارد ريد، الذي حاول تفجير طائرة بمواد ناسفة مخبأة في حذائه. تعرّض بيرل للخطف بينما كان متجها للقاء جيلاني، كما روّج اليمين، لكن القضاء الأميركي برأ ساحة جيلاني من التورط مع ريد أو مع قَتَلَة بيرل.
يقول عمدة إسلامفيل: "الناس تصدق كل ما يقوله الإعلام. ليس لديهم الوقت للبحث عن الحقيقة. نحن أشخاص مسالمون نمارس شعائرنا من دون التعدي على حريات الآخرين".
ويضيف: "يسألونني أحيانا كيف ترى داعش"، أقول لهم: "هم عصابة مسلحة وليسوا مسلمين. ثم يفاجأون". ويختم ساخرا: "هل يصدقون فعلا أننا نبني معسكرات القتال في هذه الأدغال؟".