بالرقص لا تحيا الأمم

09 اغسطس 2015
+ الخط -
يعد الرقص في كل العالم طقساً فلكوريا يعبر عن البهجة والفرح، أو فعلاً رومانسياً يمارسه المحبون بأسلوب راق، إلا في مصر، فإنه مرتبط بالغرائز الجنسية، وجزء منه يستخدم للكيد من الآخرين، فيما يعرف بسلوك العوالم أو الراقصات.
يدعو أنصار السيسي إلى الاحتفال بتفريعة قناة السويس الجديدة بإطلاق الزغاريد والرقص فى الشوارع، كيداً للإخوان المسلمين ومعارضي السلطة وإجرامها، ولا يجد ذكور كثيرون عيباً في إطلاق دعوات مثل هذه، تعبيراً عن فرحهم بالحلم المستحيل الذي حققه القائد الهمام في عام واحد، وهو حفر تفريعة تنضم لتفريعات أخرى، قام بها حسني مبارك نفسه، لكن من دون رقص أو صخب.
لا يجد القائمون على هذه الأفعال المشينة عيباً في أن يبتذلوا المرأة المصرية، ويوظفوها بأسلوب مبتذل ورخيص للحشد الدعائي والسياسي والكيد الإنساني، المنطوي على سرائر منحطة وغير أخلاقية، ففي محافل وأد الديمقراطية، أو عمليات النصب والتزوير التى سميت استفتاءات وانتخابات أجريت بعد الانقلاب العسكري، كان رقص النساء، ومعظمهمن محجبات، أمام اللجان الانتخابية أمرا مقززا ومهينا للمرأة والرجل سواء، وكان نشر تلك المقاطع وتداولها من المؤيدين للإجرام العسكري، ينطوي على رغبة فى حشد مزيد من الذكور، للتصوير فى طوابير انتخابية، قاطعها وبالأدلة أغلبية المصريين، ما دفع السلطة إلى مد التصويت يوماً ثالثاً، وتقوم بالتدليل عليه لحشد مزيد من الرؤوس، لإنقاذ الموقف الفاضح.
وفي كل فعاليات ما سميت جبهة الانقاذ قبل الانقلاب الدموي، وما تلاه من فعاليات لأنصار "30 يونيو"، كانت تقع حوادث تحرش واغتصاب مريع لفتيات وسيدات، وثقت عدداً منها منظمات حقوقية، وتعرّضت لها صحفيات أجانب، نقلن فيما بعد، صورة الحوادث الرهيبة لمثل هذه الفعاليات غير الأخلاقية المؤيدة لسلطة تقوم على القتل والاغتصاب.
وحدها الفعاليات التي كان يشارك فيها التيار الإسلامي، تظل نظيفة وخالية من التحرش، وتقترب من صورة المدينة الفاضلة، تسير فيها المرأة والفتاة بكل حرية ويسر، وتفتح لها الصفوف لتمر من دون أن يمس جسدها شيء، أو ترمش لها عين، كان هذا فى ميدان التحرير منذ 25 يناير، وما تلاه من فعاليات مليونية، شارك فيها هذا التيار، وحتى اعتصامي ميداني رابعة والنهضة، اللذين أطلق إعلام النظام شائعات لا تندرج إلا تحت باب قذف المحصنات، أن المعتصمات يمارسن جهاد النكاح. وأخيراً، كانت فضيحة مدوية لأحد القضاة، شارك في حسابه في "فيسبوك" فى نشر هذه الشائعة اللاأخلاقية، وأجبر على الاستقالة من منصبه، بعد أن طلب رشوة جنسية من سيدة للحكم لصالحها.
تحتشد دولة، رسمية، غاب عنها العلم والأخلاق والضمير للاحتفاء بتفريعة لن تضيف عائداً أو دخلاً مادياً كبيراً للمصريين. وإذا كان دخل القناة الرسمي يدخل خزينة الدولة من الأساس، وإذا كان الحدث بمثابة الفتح المبين، فلماذا لا يسأل هؤلاء المحتفلون أنفسهم عن 40 مليار دولار، وفي روايات أخرى 60 مليار، حصل عليها الانقلاب العسكري من كفلائه في الخليج خلال عامين، وهو ما يعادل دخل القناة بعد المتوقع من التفريعة الجديدة ثماني سنوات. أين ذهبت هذه الأموال وأين أنفقت وفى حساب من دخلت؟
تجيش الدولة لحفلة تزييف وعي ماجنة، بينما يجلس فى هذا الطقس الحار نحو 60 ألف من الأبرياء، معظمهم من الشباب والشيوخ والبنات، في معتقلات "30 يونيو" ومقابرها، يموت منهم كثيرون، قبل أن يصلوا إلى الموت بقرارات قضاة القتل في مصر.
لم يعلن رجب طيب أردوغان أن تركيا بتفرح عندما انتشلها من ارهاب العسكر والعلمانيين واليساريين هناك، ولم يقل إن تركيا بتفرح، عندما جعل تركيا من الاقتصادات الأقوى في العالم، وسدد ديونها، وطور اقتصادها بصورة مذهلة، لم يطلب من التركيات الرقص فى الشوارع، لجذب الذكور لمهرجاناته الانتخابية، عندما حقق العدالة والحريات للأمة التركية التي نكبت بحكم عسكري فاشي، معاد للقيم والثقافة هناك. ولم يقل إن إنشاء خط مترو تحت البحر لربط قارة آسيا بأوروبا فى اسطنبول سيجعل من تركيا أد الدنيا، ولا أن تطوير الصناعات العسكرية والاعتماد على النفس سيجعلها كذل. في كل مرة، كان يطالب فيها الشعب بالعمل والانحياز للحق، لم يطلب منهم الرقص أبداً، أو دعم الفساد والإجرام. ومع ذلك، كانت أعلى نسب يحصل عليها أردوغان وحزبه تدور حول نصف الناخبين، وليست 98% من أبناء شعبه.
D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
D0014942-4C8E-4480-8BCE-3609F1487805
أحمد القاعود (مصر)
أحمد القاعود (مصر)