تواصل الأحزاب السياسية العراقية نقاشاتها ومباحثاتها الداخلية، في سبيل طرح أسماء مرشحيها لنيل المناصب الوزارية الجديدة، لعرضها على رئيس الحكومة المكلف، عادل عبد المهدي، حيث سيختار من بين خمسة مرشحين شخصية واحدة لشغل حقيبة وزارية. وبالرغم من أن جميع الكتل السياسية اتفقت على إعطاء عبد المهدي الصلاحية والحرية في اختيار الوزراء، إلا أنها منشغلة، في الوقت ذاته، بترتيب صفوفها لاستخراج أسماء غير مستهلكة، في بادرة تعتبر الأحزاب أنها عامل مساعد لعبد المهدي في اختيار الأفضل للوزارات السيادية والخدماتية، فيما يرى سياسيون ومراقبون أنها محاولة للالتفاف على إرادة رئيس الحكومة المكلف والضغط عليه.
وأوضحت قيادات سياسية عراقية في بغداد والأنبار وتكريت، أمس الأحد، أن مؤشرات الفساد الأولى في الحكومة الجديدة انطلقت من القوى العربية السنية التي ستناط بها مبدئياً خمس وزارات، إضافة الى منصب نائب رئيس الوزراء، إذ إن الحديث عن تعهدات يقدمها المرشحون للحقيبة الوزارية هذه أو تلك في حال فوزهم بها باتت مؤكدة، وبعضهم وقّع على نفسه وصولات أمانة بمبالغ مالية ضخمة لضمان عدم تنصّله من تعهداته. وبحسب مسؤول عراقي رفيع المستوى تحدّث لـ"العربي الجديد"، عبر الهاتف من بغداد، فإن "قوى وأحزابا سياسية تتفاوض في ما بينها على المرشحين الذين سيتم تقديمهم لرئيس الوزراء المكلف"، موضحاً أن "صفقات ومصالح تحكم اختيار الأسماء التي سيتم تقديمها لرئيس الوزراء الجديد، والذي سيختار واحداً منها فقط". وأشار إلى وجود خلافات حادة بين القوى السنية، ضمن جناحي "البناء" المقرب من إيران، وأبرز رموز هذا الجناح خميس الخنجر والحزب الإسلامي العراقي وجمال الكربولي، من جهة، وأسامة النجيفي وصالح المطلك، من جهة ثانية، واللذين اختارا التحالف مع تحالف "الإصلاح"، الذي يمثله زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس حكومة تصريف الأعمال حيدر العبادي.
وفي المقابل، قال عضو في اللجنة التفاوضية لتحالف "الفتح" مع عبد المهدي، إن "كتلة بدر التابعة لهادي العامري، ما تزال تريد الاحتفاظ بوزارة الداخلية عبر الوزير الحالي قاسم الأعرجي، بالإضافة إلى عدد من الأسماء الأخرى المرشحة لنفس المنصب، في حين أن كتلة صادقون التي يتزعمها قيس الخزعلي تحاول الحصول على وزارة النقل، من خلال مجموعة من الأسماء، وأبرزها نعيم العبودي، بالإضافة إلى وزارة الثقافة، وإعطائها للنائب الجديد عن الكتلة وجيه عباس". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "أطرافاً سنية ممثلة بالحزب الإسلامي توصلت حتى الآن إلى اسمين من خارج البرلمان لطرحهما على عادل عبد المهدي، ليختار واحداً منهما لمنصب وزير الدفاع، في حين يسعى حزب الفضيلة إلى الحصول على وزارة العدل، عبر ثلاثة مرشحين للمنصب. وفي حال لم يتمكن من الحصول على وزارة العدل، فإنه سيسعى للحصول على وزارة الإعمار والإسكان".
في غضون ذلك، استبق زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، عملية اختيار الوزراء بواسطة عبد المهدي، بالإيعاز لأعضاء تحالفه "سائرون" بعدم تقديم مرشحين لأي وزارات ضمن تشكيل الحكومة الجديدة. ودعا، في تغريدة عبر "تويتر" نشرها الأسبوع الماضي، "عبد المهدي إلى تشكيل حكومته من دون ضغوط حزبية، أو محاصصة طائفية أو عرقية، مع الحفاظ على الفسيفساء العراقية الجميلة، وعدم ترشيح أي وزير لأي وزارة من جهتنا (سائرون) مهما كان". وكشف النائب العراقي محمد اللكاش، لـ"العربي الجديد"، عن "عدم رضا الحزب الشيوعي العراقي، وهو أحد أعضاء تحالف سائرون، عن تغريدة الصدر، بشأن عدم المشاركة في الحكومة الجديدة، وأنه (الشيوعي) قد ينسحب من سائرون، لأنه يريد الحصول على وزارة تتناسب مع استحقاقه الانتخابي". وأشار إلى أن "هناك ضغوطا واضحة على عبد المهدي، ويبدو أن الأحزاب لا تريد أن تتخلى عن طريقة المحاصصة الحزبية في إدارة الدولة، وقد نشهد حكومة لا تختلف عن الحكومات العراقية السابقة، من جراء عدم إعطاء الحرية الكاملة لعبد المهدي في اختيار تشكيلته الوزارية"، موضحاً أنه "سيواجه صعوبة في فتح ملفات الفساد التي تورطت فيها أحزاب عراقية كثيرة. وحتى ملف حصر السلاح بيد الدولة، سيكون صعباً عليه، بالإضافة إلى معالجة الترهل الوظيفي في الكثير من المؤسسات والوزارات".
إلى ذلك، رأى رئيس كتلة "كفى"، رحيم الدراجي، أن "الأحزاب العراقية في المرحلة الجديدة، لن تتخلى عن استحقاقاتها الانتخابية، وهذا الأمر أصبح عرفاً سياسياً ومن خلاله تم تدمير الدولة العراقية ونهب أموالها"، موضحاً أن "الخطوة التي اتخذها مقتدى الصدر إن فُعلت بشكل صحيح وحقيقي، فمعناه أننا ذاهبون لشيء من الإصلاح وبناء بعض مؤسسات الدولة، مع أن تبني الصدر وحده لهذه الخطوة ليس كافياً". وقال الدراجي، لـ"العربي الجديد"، إن "عبد المهدي لن يتجاوز التوقيت الدستوري بتشكيل الحكومة، لكنه سيواجه صعوبات كثيرة، أبرزها المشاكل التي تتعلق بأدائه شخصياً بعد تشكيل الحكومة، وهو ما قد لا ينسجم مع مزاج الكتل السياسية التي اعتادت على نمطية معينة في التعاطي مع الحياة السياسية. في الحقيقة، إن اتفاق الكتل على إعطاء عبد المهدي الحرية الكافية في اختيار وزرائه أمر لا يعدو كونه حركة إعلامية لإعادة تدوير وجوه حزبية ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة. ومثال على ذلك، أن الأحزاب منشغلة حالياً بتجهيز أسماء جديدة للوزارات، وليس بصناعة برامج وزارية لإدارة هذه الوزارات".
كردياً، أكدت القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني، أشواق الجاف، أن "الحزب متمسك باستحقاقه الانتخابي، ولا بد من أخذ هذه الحقوق من الحكومة الجديدة. كل الكتل السياسية تفكر بنفس هذا المنطق، ولكن هناك من يكابر ويحاول التملص من هذا المنطق في العلن وممارسته في الخفاء. ونحن الأكراد لدينا استحقاقات أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ونحاول من خلالها تطبيق الدستور العراقي". وأشارت، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحزب الديمقراطي حتى الآن لم يختر أيا من الوزارات التي تناسب استحقاقه الانتخابي، لأن هذا الأمر يعتمد على التوافقات السياسية بين الحزب ورئيس الحكومة المكلف عادل عبد المهدي، لكننا نعمل على أن تكون المصلحة العامة هي الأهم في تقديم مرشحينا للوزارات ووفقاً للسياقات القانونية، وعدد المقاعد التي أفرزتها الانتخابات". وعن منصب محافظ كركوك، الذي يشهد صراعاً بين الحزب الديمقراطي والحزب الثاني في إقليم كردستان "الاتحاد الوطني"، بيَّنت الجاف، أن "المكتب السياسي للحزب الديمقراطي ما يزال يناقش قضية منصب محافظ كركوك مع الاتحاد الوطني، وحتى الآن لم نصل إلى نتيجة يمكن الإعلان عنها".
بدوره، أوضح المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي، لـ"العربي الجديد"، أن "الخطورة في الوضع السياسي الحالي تكمن في أن كل الكيانات السياسية تطالب بوزارات ومناصب، وهي نفسها ادعت قبل الانتخابات أنها ضد المحاصصة الحزبية والطائفية. وبمطالبتها بوزارات عبر ترشيح أسماء متفرقة تمثل انقلاباً على وعودها السابقة ورأي المرجعية الدينية في مدينة النجف، بالإضافة إلى رأي المجتمع العراقي الرافض لنظام الحكم بطريقة التوافقات وتقاسم المناصب بين الأحزاب". ولفت إلى أن "حكومة التكنوقراط التي طالب بها الشعب لا يمكن أن تتكون عبر هذه الأحزاب الطامعة في السلطة، وما يجري الآن من مبادرة تقديم أسماء لشغل مناصب الوزارات عبر الأحزاب، حدَث في الحكومة الثانية لنوري المالكي، ولم تخلّف وراءها سوى الخراب، وفي حكومة حيدر العبادي أيضاً، ولم تسفر سوى عن تراجع أداء الوزارات حتى انتهت بثورة الشعب ضد الطبقة السياسية برمتها". وقال الشريفي "سيكون الاتفاق بين قيادة الأحزاب والأسماء المرشحة للمناصب أن تكون موارد الوزارة لصالح الحزب، وامتيازات المنصب الوزاري للوزير، وبالتالي فإن الأحزاب هي التي تدير شؤون الوزارات وليس الوزراء، وهذا ما تسبب في فشل كل الحكومات العراقية عقب الاحتلال الأميركي في 2003"، مؤكداً أن "الأحزاب منحت الثقة لعادل عبد المهدي في تشكيل الحكومة الجديدة، لأنها تعرف مدى ضعفه وقبوله بإملاءاتها. حتى أن إيعاز مقتدى الصدر بعدم تقديم مرشحين من سائرون لشغل مناصب وزارية دعوة ليست جادة، لأن أعضاءه ما يزالون يفاوضون الأحزاب الباقية على كيفية إدارة الحكومة وكيفية تقسيمها، وقد يكون الصدر لا يعلم ما يفعله أعضاؤه في الخفاء، وقد يكون على علم به، لأن حقيقة الأمر في العراق، أن النقاء في الشعارات غير متوفر على أرض الواقع وبعيد عن مستوى التنفيذ".