باريس تغيّر موقفها من الأسد... ضرورات محاربة "داعش" برّاً

06 ديسمبر 2015
لم يعد فابيوس متمسّكاً برحيل الأسد(باسكال لو سوغروتان/فرانس برس)
+ الخط -
دقّ وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، آخر مسمار في نعش موقف بلاده المُطالِب برحيل الرئيس السوري بشار الأسد قبل المرحلة الانتقالية، حين أكد، أمس السبت في حوار لصحيفة "لو بروغريه دو ليون"، أنّه لم يعد متمسّكاً برحيل الأسد قبل انتقال سياسي في سورية، وأنّ "مكافحة داعش أمر حاسم لكنه لن يكون فعالاً تماماً، إلّا إذا اتحدت كل القوى السورية والإقليمية". جاء هذا التصريح بعد أيام قليلة من تأكيده، على هامش المؤتمر الدولي للمناخ المنعقد في باريس، أنّ "إشراك قوات الأسد في محاربة داعش أمر وارد في إطار عملية انتقال سياسي". إذاً، بات الموقف الفرنسي، الآن، التحالف مع أي كان بهدف تدمير "داعش"، بعدما كان سابقاً، مصرّاً على أنّ رحيل الأسد هو الأولوية وغير قابل للنقاش.   

هذا التحوّل الجوهري في الموقف الفرنسي تبلور غداة اعتداءات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حين راجعت باريس أولوياتها في الملف السوري، وأعلنت الحرب على تنظيم "داعش"، ومسعاها لتشكيل ائتلاف دولي واسع لتدمير التنظيم في سورية والعراق بمشاركة الروس والأميركيين والقوى الإقليمية في المنطقة. هكذا قلبت اعتداءات يوم الجمعة الأسود مسار الدبلوماسية الفرنسية بشأن الحرب السورية، ودفنت المقاربة الفرنسية التقليدية مبدأ "لا داعش ولا بشار"، وأصبحت فرنسا، اليوم، تقول بوضوح، "الجميع ضد داعش وبشار في ما بعد".

في هذا السياق، يرى عدد من المراقبين أنّ كل المؤشرات تعكس تحوّلاً جذرياً في المقاربة الفرنسية للملف السوري، وأنّ مصير الأسد تحوّل بفعل اعتداءات باريس إلى نقطة ثانوية في سلم الأولويات. وعلى الرغم من أنّ فرنسا نجحت في حشد دعم أوروبي واسع مقابل فشلها في تشكيل هذا الائتلاف بسبب التحفظات الأميركية، لا تزال مصمّمة على تحقيق الحد الأدنى من الرد على اعتداءات باريس، أي تدمير تنظيم "داعش" الذي نقل الحرب إلى شوارعها وأذلّ الأجهزة الأمنية الفرنسية في عقر الدار، بحسب مراقبين. ويمرّ هذا الهدف، عبر ضرب المدن التي يسيطر عليها التنظيم في الرقة السورية، حيث معقله، والموصل في العراق، ومدينة سرت (وسط ليبيا) التي سيطر عليها منذ أيام قليلة، قيل إنّه يستعد لتحويلها إلى معقله في حال تمّ تحرير الرقة.

وما يؤكد على أنّ أولويات فرنسا أصبحت محاربة "داعش"، هو وصول الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، أوّل من أمس الجمعة، لتفقد حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" الموجودة في شرق البحر المتوسط، معلناً أمام طاقم الحاملة، أنّ "ديغول ستكون في الخليج خلال بضعة أيام. ستكونون في منطقة انتشار جديدة، ستتولون مسؤوليات قيادية مع حلفائنا في إطار الائتلاف الدولي".

اقرأ أيضاً: فرنسا تتخلى عن التمسك برحيل الأسد قبل المرحلة الانتقالية

تبدو فرنسا مثل حلفائها الغربيين مقتنعة بضرورة تنظيم عمليات عسكرية برية لتدمير معاقل "داعش" بموازاة تكثيف الغارات الجوية التي بدأت فعاليتها تتضح، أخيراً، حين صارت تستهدف مراكز التموين والنفط والبنيات اللوجستية. وهذا ما أكد عليه فابيوس مرة أخرى في حواره، أمس السبت، حين قال إنّ "تجارب العقود الماضية سواء في العراق أو أفغانستان أظهرت أنّ نشر قوات غربية على الأرض يُنظر إليه سريعاً وكأنه قوة احتلال. العمليات ضد داعش يجب أن تقوم بها قوات محلية سورية معتدلة عربية وكردية، وعند الضرورة، بالتنسيق مع الجيش السوري، وهذا غير ممكن من دون عملية انتقالية سياسية".

وبحسب مصادر مطلعة في الخارجية الفرنسية، فإنّ الحرب البريّة والجويّة ضد "داعش"، أصبحت مرتبطة بتحقيق تقدُّم ملموس في الشقّ السياسي المتعلق بالمعارضة السورية. وفي هذا السياق تحديداً، تعمل كل من فرنسا وألمانيا حالياً على مشروع صيغة، يتم من خلالها إشراك فصائل المعارضة السورية العربية والكردية مع قوات نظامية سورية لا تخضع لأوامر الأسد بل لقيادة منبثقة عن الحكومة الانتقالية، وتكون رأس الحربة في المعركة ضد "داعش"، مسنودة بقوات غربية خاصة وبسيل من الغارات الجوية المكثفة. لذلك تعوّل باريس كثيراً على اجتماع المعارضة السورية في الرياض، في الثامن من الشهر الحالي، وتأمل في أن يتمخض عن اتفاق حول ملامح المرحلة الانتقالية سياسياً وعسكرياً وتشكيل وفد يقود عملية التفاوض مع نظام الأسد، وفقاً للمصادر نفسها.   

وبالموازاة مع الجهود الحربية لضرب معاقل تنظيم "داعش" في سورية والعراق، تهتم فرنسا والولايات المتحدة بتطورات الأوضاع في مدينة سرت الليبية التي سيطر عليها الفرع الليبي لـ"داعش"، أخيراً. وتحاول فرنسا استدراك الأخطاء الغربية القاتلة في التعامل مع تمدد "داعش" في سورية والعراق ورسم معالم خطة ناجعة عسكرياً وسياسياً لطرد التنظيم من ليبيا عبر غارات جوية دقيقة ضد قيادات ومراكز التنظيم، ومن خلال تشجيع الجهود لإقامة حكومة وحدة وطنية ليبية تملأ الفراغ السياسي الذي كرّسه التناحر بين الفرقاء السياسيين الليبيين.

وكان لافتاً كشف الرئاسة الفرنسية، أوّل من أمس الجمعة، عن أنّ مقاتلات فرنسية انطلقت من حاملتها "شارل ديغول"، ونفّذت طلعات رصد واستكشاف فوق مدينة سرت في إطار مرحلة أولية من عملية رصد لمواقع التنظيم في المدينة. ويرى مراقبون فرنسيون أنّ هذه الطلعات الاستكشافية في سرت تمهّد لغارات وشيكة على مواقع التنظيم في هذه المدينة وغيرها، لقطع الطريق على "داعش" في ليبيا التي لا تبعد عن السواحل الأوروبية سوى نحو 500 كيلومتر فقط، ما يجعل وجود التنظيم في سرت تهديداً استراتيجياً جدياً على الأمن الأوروبي. ولا تستبعد باريس إشراك قواتها الخاصة المنتشرة في منطقة الساحل الأفريقي في إطار عملية "برخان" (مكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي)، في عمليات عسكرية برية نوعية ضد التنظيم في الأراضي الليبية.

اقرأ أيضاً: حكاية الفشل الفرنسي في تشكيل جبهة دولية لتدمير "داعش"

المساهمون