أعاد إدريس الكنبوري، الباحث في المسألة الدينية والجماعات الإسلامية، أسباب تصنيف المغاربة ضمن الشعوب الخمسة الأولى الأكثر تديناً في العالم، إلى كون المغرب لا يوجد فيه تعدد مذهبي، مضيفاً أن المغاربة يحددون هويتهم في ارتباطهم بالإسلام قبل الهوية الوطنية. في المقابل، احتلت كل من بريطانيا وهولندا المرتبة الثانية عالمياً كأعلى نسبة للملحدين من إجمالي السكان، فيما احتلت الصين المرتبة الأولى عالمياً بنسبة 90 في المائة.
وجاء حديث الباحث المغربي في المسائل الدينية، لـ"العربي الجديد"، على ضوء الدراسة التي صدرت أخيراً عن معهد غالوب الدولي والتي تبوأ المغرب بنتيجتها المرتبة الخامسة، بين الدول الأكثر تديناً، على اعتبار أن 93 في المائة من المغاربة يتبعون ديناً معيناً، فيما تأتي تايلاند في المرتبة الأولى، ثم بنغلاديش ثانية، وأرمينيا ثالثة، وجورجيا في المركز الرابع.
ويشرح الكنبوري أن "التعدد المذهبي يؤدي في الغالب إلى النقاش حول المسألة الدينية، والانقسام حول الدين نفسه"، مبرزاً أن "هذه خصوصية مغربية، لأنه حتى في مرحلة انتشار الفكر القومي في المشرق، والجدل حول الإسلامية والقومية، لم تطرح هذه المسألة في المغرب".
وأوضح الباحث أن "المغاربة يحددون هويتهم في ارتباطهم بالإسلام بالدرجة الأولى، قبل الهوية الوطنية، أما نسبة 1 في المائة ممن أعلنوا أنهم ملحدون، فهي تُظهر أن السجال حول الهوية والعلمانية، الذي يفتحه البعض في المغرب، لا محل له".
وقد أفادت دراسة معهد غالوب بأن عدد الملحدين في المغرب لا يتجاوز نسبة 1 في المائة، وعدد غير المتدينين يصل إلى نسبة 4 في المائة، غير أن 2 في المائة فضلوا الامتناع عن تحديد جواب يخص دينهم.
ولفت الكنبوري إلى ملاحظتين بخصوص الدراسة، "الأولى أنها تتحدث عن التدين، وليس عن طبيعة التدين، مما قد يوقع الناس في الخلط، فالمعروف أن هناك أشكالا مختلفة من التدين، وفهماً معيناً للتدين، لأن بعضهم قد يتوهم أن التدين هنا بمعنى التشدد".
وتابع المتحدث بأن "هناك من يمارسون إسلاماً ليبرالياً، إذا جاز القول، ويعتبرون أنفسهم متدينين، على عكس ما يفهم آخرون"، مشيراً إلى أن "التدين يعتبر مسألة نسبية تختلف بحسب الثقافة، والانتماء الاجتماعي، وحتى المزاج الشخصي".
أما الملاحظة الثانية، يضيف الكنبوري، فهي "تتعلق بمفهوم المغاربة أنفسهم للتدين، لأن هناك عدداً من اليهود وأقلية ممن تحولوا إلى المسيحية، على سبيل المثال، وهؤلاء أيضاً يندرجون في الخانة التي يتحدث عنها الاستطلاع ضمنا أو علانية" وفق تعبيره.
ومقارنة مع دراسة سابقة للمعهد الدولي للبحث وقياس الرأي، تعود إلى سنة 2009، فإن تراجعاً طال نسبة المغاربة الذين يتبعون "ديناً ما"، فقد أعرب حينها 98 في المائة من المغاربة عن أنهم يعتنقون ديناً معيناً، فيما ارتفعت بشكل طفيف نسبة "غير المتدينين" في المغرب.
66 في المائة من البريطانيين ملحدون
وأظهر المسح، الذي أجراه معهد"غالوب" و"شبكة دبليو إي" لأبحاث السوق، أن المملكة المتحدة وهولندا تتقدمان دول أوروبا الغربية بنسبة 66 في المائة تليهما ألمانيا وسويسرا وإسبانيا والنمسا، في حين لا تتجاوز نسبة الملحدين في فرنسا 53 في المائة ، على الرغم من أنها تعتبر مهد العلمانية الغربية.
وكشف المسح، الذي شارك فيه ما يقارب 64 ألف مشارك من 65 بلداً، عن أن الصين تتصدر قائمة أقل الدول الدينية في العالم، على الرغم من أن المجتمع الصيني لديه تقاليد دينية عميقة، لكن يبدو أن عقوداً طويلة من الحكم الشيوعي المنتشرة على نطاق واسع كان لها التأثير الأقوى على علاقة الصينيين بالأديان. وأظهرت نتائج الاستطلاع أن 65 في المائة من الإسرائيليين لا يعتبرون أنفسهم متدينين أو يعتبرون أنفسهم ملحدين. أما في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد بلغت نسبة اللادينيين 19 في المائة فقط.
ومن النتائج المثيرة، التي كشف عنها المسح، أن الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 34 سنة أكثر ميلاً للتدين من المستطلعين الأكبر سناً. وتتطابق نتائج المسح مع نتائج سابقة جاءت بها دراسة سابقة أجراها مركز "بيو للأبحاث"، وأظهرت علاقة عكسية بشكل وثيق بين الناتج المحلي الإجمالي لدولة ما ودرجة تدين الأفراد الواحد، فكلما زاد ثراء الدولة ورفاه الفرد، كان المواطنون أقل تديناً من نظرائهم في الدول الأفقر. وكان الاستثناء في ذلك الصين والولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً:التبرّع بالأعضاء ثقافة تغيب في المغرب