منذ السابعة صباحا يطوف محمد خليل (16 عاماً) شوارع العاصمة اليمنية صنعاء على دراجته الهوائية التي حولها إلى عربة لبيع الآيس كريم. يبهج بائعو الآيس كريم صباحات صنعاء بعرباتهم الملونة وبنغمات وأغان ليوم جديد، وأصبحوا أحد أكثر الأشياء المميزة لصباحات المدينة.
وقال خليل لـ "العربي الجديد" إننا نتعامل مع إحدى الشركات الخاصة في بيع الآيس كريم الجاهز، حيث نقوم بحفظه في عربة الآيس كريم المثلجة، ونطوف به شوارع صنعاء.
ويوضح خليل أنهم كان حوالي 70 بائعا، وأن العدد زاد حوالي النصف بسبب الحرب، حيث أدى إغلاق عشرات المطاعم والكافتيريا والمصانع إلى اتجاه الشباب إلى بيع الآيس كريم.
ويوضح أن البيع تراجع في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، مقارنة بالأشهر التي سبقتها، بسبب رحيل الصيف وحالة الناس المعيشية السيئة.
ويقول "إنه خلال فصل الصيف منذ مايو/أيار حتى يوليو/تموز، كنت أبيع بشكل جيد رغم الحرب، وأربح حوالي 1500 ريال(الدولار = 215 ريالاً) يوميا، لكن خلال الشهرين الأخيرين، فإن الربح يتراوح بين 350 – 500 ريال.
ويشير إلى أنه يقسم عمله اليومي إلى جولتين، حيث يرابط في الأولى منذ السابعة والنصف صباحا حتى الثانية ظهرا في دوار تقاطع شارع الزبيري (وسط صنعاء) مع شارع حدة، ثم يذهب إلى الغداء ويبدأ الجولة الثانية منذ الثالثة عصرا داخل الأحياء المجاورة لشارع الزبيري، حيث يستهدف الأطفال بدرجة رئيسية.
يرابط غالباً في دوار تقاطع شارع الزبيري مع شارع حدة حتى فترة العصر، حيث يجوب الشوارع باحثاً عن زبائن.
ويتحسر البائع على ضياع موسم بداية العام الدراسي الجديد في سبتمبر، فالمدارس مغلقة بسبب الحرب، وكان ينتظر هذا الموسم كل عام بصبر، ويعرف أن أرباحه مضمونة، ويحققها في ساعات قليلة يقف فيها أمام مدارس التعليم الأساسي والثانوي.
ويقول "لم أكمل تعليمي، ودرست حتى الصف الثامن الابتدائي، ولا أجيد عملا آخر غير مهنة بيع الآيس كريم، وأغطي من خلالها التزاماتي، كما أرسل مبلغا شهرياً إلى أمي في قريتي بمديرية المراوعة في محافظة الحديدة (غرب اليمن).
ويوضح خليل أن أغلب زبائنه كانوا من الأطفال، واغلبهم ينتظرون مروره داخل الأحياء، حيث يهرعون بالعشرات أولاد وبنات لشراء الآيس كريم، لكن الأطفال لم يعودوا يحصلون على قيمته وأغلبهم يريده مجاناً. ويشير خليل، إلى أن مهنته تأثرت بالتأكيد بفعل الحرب، فكثير من الناس فقدوا أعمالهم وباتوا فقراء.
ويقول "إن الناس لم تعد تمتلك المال حتى لشراء علبة آيس كريم صغيرة بمبلغ 50 ريالا، خلال عملي أجد أطفالا يقتربون من عربتي، ويطلبون من آبائهم بإلحاح شراء الآيس كريم، لكن الآباء يمسكون بيد أطفالهم ويذهبون بعيدا، أعرف من نظراتهم أنهم لا يملكون حتى قيمة الآيس كريم، وكثيرا يحدث أن أمنح الطفل علبة آيس كريم مجانية عندما يبدأ في البكاء".
وفيما لا يزال بائعو الآيس كريم يكافحون لكسب الرزق في العاصمة اليمنية صنعاء، فإن الحرب الداخلية بين الحوثيين والشرعية في مدينتي عدن وتعز (جنوب)، دمرت كل شيء، وفقد الجميع أعمالهم بما في ذلك الباعة المتجولون وباعة الآيس كريم.
وبحسب تقارير حكومية ومنظمات مدنية، فإن أغلب الباعة المتجولون في اليمن من الأطفال، الذين يتركون التعليم ويتجهون إلى سوق العمل تحت ضغط الأوضاع المعيشية المتردية في البلاد.
وبحسب وزارة العمل اليمنية، يوجد مليون وستمائة طفل ما بين الخامسة والسابعة عشرة، يعملون في اليمن من بين إجمالي عدد أطفال اليمن الذي يقدر بنحو سبعة ملايين طفل.
ويبلغ عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاماً 7.7 ملايين نسمة يشكلون 34.3% من إجمالي السكان اليمنيين. ومن بين مجموعة الأطفال هذه، 1.6 مليون طفل أو 21% عاملين.
ويبلغ معدل الأطفال العاملين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً 11% يتوزعون بين 12.3% للفتيات مقارنة بـ 9.8% للذكور، ترتفع هذه النسبة إلى 28.5% بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً وإلى 39.1% لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً.
وأكدت منظمة اليونيسف أن الوضع الاقتصادي في اليمن أصبح على حافة الخطر، إذ يصل عدد من يعانون من الفقر ومن هم تحت خط الفقر قرابة 60% من عدد سكان البلاد". وكانت اليمن قبل الأحداث الأخيرة تصنف وفقاً لتقارير دولية من أفقر بلدان العالم.
اقرأ أيضاً: الحوثيون يوقفون معاشات 1.5 مليون مواطن