انقلاب العسكر على الحضارة

09 يونيو 2014
+ الخط -
في الخامس والعشرين من يناير، قامت ثورة كبرى في مصر على حكم استبدادي سلطوي ظالم، فهزّته وزلزلت أركانه، وأسقطت رأسه، وهذا لم يكن إلا إيماناً من الشعب بضرورة بناء مصر الحديثة القوية. مصر كانت سبّاقة في التاريخ القديم كأمة نمت في نفسها عناصر الأمة، بمعناها المكتمل الصحيح، وبعدها كانت من أوائل الدول التي تظهر على مسرح العالم القديم بالمعنى السياسي. كذلك بشأن حضارتها التي حيّرت أذهان أهل العلم، بفنونها وعلومها المتعددة.
بعد ثورة يناير، ظل الشعب المصري يناضل لتأسيس مؤسسات الدولة المصرية الحديثة، عبر استحقاقات انتخابية عدة، أسفرت عن سحق القوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية منافسيها من التيارات السياسية، ذات التوجهات المختلفة، ما يدل على أن للدين أثر كبير في إثراء الثقافة المصرية، وأصالة جذورها في نسيج الشخصية المصرية. تبلور ذلك في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2012، عندما تولى أول رئيس مدني منتخب في التاريخ الحديث من القوى السياسية الإسلامية منصب رئيس الجمهورية، ثم تكالبت عليه كل التيارات السياسية المختلفة، من يسارها إلى يمينها، بتحالفها مع الدولة العميقة، مستخدمين كل السبل لإسقاط المشروع الإسلامي في الحكم، الذي أتى على مصر بعد عقود من حكم العسكر.
على طول فترة الحكم العسكري، كان الاعتماد يقوم على قضاء فاسد، جائر، ظالم، وإعلام رسمي وشبه رسمي مضلّل، يلجأ دائماً إلى تأسيس خطاب خداعي تمويهي، مخادع ومراوغ للجمهور. وجاء الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ تموز، والمدعوم من قوى إقليمية وغربية، ما ساعد قيادات الانقلاب العسكري الفاشي على شنّ حرب إبادة ضد كل ما هو إسلامي، مستخدمين شتى الطرق والوسائل، متجاهلين طابع الهوية والثقافة الاسلاميتين وارتباطهما بواقع الأمن القومي للمجتمع. لهذا، فإن أي مساس بالهوية الدينية والثقافية يعتبر حرباً على الحضارة المصرية، قديماً وحديثاً، وعطاء الإنسان المصري في بناء حضارته كان تجسيداً واضحاً لعلاقات قوية بين قيم الإيمان والوعي بمسؤوليات الذات المصرية تجاه الوطن والتاريخ. ومن ثم، فإن أيه محاولة لتجنّب تجسيد الجانب الديني في بناء حضارة مصر المعاصرة إنما يعني خللاً في منظومة الثقافة والقيم التي شكلت وجدان الذات المصرية وعاشت بها.
يجدر الاعتراف ممّن يتعاطى الشأن المصري، ومَن يدخل معمعان السياسة في مصر، بأن مصر معمّرة في تاريخ الديانات، بل إن لشخصية مصر عظيم العطاء في قبول الديانات ومعايشتها، وزيادة الفهم والوعي للسلوك بمقتضي تعاليمها. بل وكانت مصر، منذ عهدها القديم، مصدراً للإشعاع الديني، كما تمثَّلَ ذلك في عبادات المصري القديم، "الفراعنة". وكذلك وجد فيها الأنبياء والرسل، وكل صاحب فكر، الأرض الخصبة لنشر دعوته. لذا، فإن القيم الدينية كانت، وما زالت وستظل، العمود الذي يبني عليه المصريون حضارتهم، ومكانة هذا الدين في الثقافة المصرية هي الركيزة الأساسية للأمن القومي المصري. ومن الدروس المستفادة من تاريخ مصر أن هذه القوة، مهما اكتملت عناصرها ومتونها من التاريخ والاقتصاد الجيد، لا بد أن تستكمل بقوة الإيمان تلك القوة التي تحدد وجهة مصر، في الوفاء بمسؤوليتها العربية والإسلامية والدولية، فأفيقوا يرحمكم الله.
 
دلالات
avata
avata
عبد الناصر عبد الرحمن (مصر)
عبد الناصر عبد الرحمن (مصر)