وتولت القوات المسلحة مهمة إبعاد عنان عن طريق السيسي بإصدارها بياناً شديد اللهجة دانت فيه ترشحه للرئاسة وتصريحاته أثناء إعلان ذلك، وأعلنت إحالته للتحقيق أمام القضاء العسكري، قاطعة بذلك الطريق أمام استمراره في المنافسة على الانتخابات الرئاسية، فيما تحدث مدير مكتب عنان، مصطفى الشال، عن اختطاف رئيس الأركان السابق من سيارته قبل الإعلان رسمياً عن اعتقاله.
وبذلك يكون السيسي قد تخلص من أبرز منافسين له ينتميان للجيش وتربطهما علاقة بأجهزة الدولة المصرية، هما عنان وشفيق، ولم يعد في ساحة الترشح "المحتمل" للانتخابات إلا المحامي الحقوقي خالد علي، الذي لم يكمل التوكيلات الشعبية المطلوبة ويرجح انسحابه، والنائب البرلماني المؤيد للسيسي، مرتضى منصور، الذي تزداد فرص ترشحه لاستكمال "الديكور الانتخابي" مستفيداً من تأييد 20 على الأقل من زملائه النواب وفقاً لقانون انتخابات الرئاسة.
ورجحت مصادر سياسية مصرية اتخاذ خالد علي قراراً بالتراجع عن ترشحه للانتخابات الرئاسية وإعلانه مقاطعة العملية الانتخابية برمتها، بناءً على ضغوط من حملته، في مؤتمر صحافي، غداً الخميس، تزامناً مع الذكرى السابعة لثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011. وعزت المصادر قرار علي إلى المحاولات المستمرة من السلطة الحاكمة للدفع بالرئيس عبد الفتاح السيسي كمرشح وحيد في المعترك الرئاسي، في ضوء التضييق الأمني الذي تواجهه حملات منافسيه في أغلب المحافظات، مستشهدة بسرقة المئات من التوكيلات الشعبية المُحررة لعلي بمحافظتي القاهرة والمنوفية، من قبل مواطنين انتحلوا صفة "عضويتهم بالحملة". وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن اعتقال رئيس أركان الجيش الأسبق، سامي عنان، عقب صدور بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة، الثلاثاء، يتهمه بارتكاب جريمة التزوير في محررات رسمية، لمجرد إعلان ترشحه للرئاسة، أرسل إشارات سلبية إلى حملة علي بشأن غياب ضمانات التنافسية، أو نزاهة الانتخابات الرئاسية، التي تضعها "شرطاً أساسياً" للاستمرار فيها.
إقصاء عنان
ونفذ السيسي ما تعهد به ضمناً أمام أنصاره، يوم الجمعة الماضي، بمنع عنان من الترشح للرئاسة. ليس هذا فحسب، بل إن وزير الدفاع صدقي صبحي، شريك السيسي في الحكم وأداته الرئيسية للتحكم في الجيش، نسب إلى عنان ارتكاب جريمة تزوير إنهاء خدمته العسكرية، وإدراج نفسه في كشوف الناخبين من دون وجه حق، والمبادرة لإعلان ترشحه قبل استئذان الوزير في وقف استدعائه باعتباره عضواً سابقاً بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر بين 25 يناير 2011 و30 يونيو/ حزيران 2012.
وأشار البيان شديد اللهجة إلى أنه "إعلاءً لمبدأ سيادة القانون باعتباره أساس الحكم للدولة، يتعين اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال ما ورد من مخالفات وجرائم تستدعي مثوله أمام جهات التحقيق المختصة"، ما يرجح التحقيق مع عنان أمام النيابة العسكرية ثم إحالته للمحاكمة على غرار محاكمة العقيد أحمد قنصوة، الذي أعلن رغبته في الترشح للرئاسة نهاية العام الماضي وهو في الخدمة، وصدر ضده حكم عسكري ابتدائي بالسجن 6 سنوات.
وجاء التصعيد السياسي - العسكري الذي أغلق طريق المنافسة أمام عنان نهائياً، بعد ساعات قليلة من ظهور مدير سابق لإدارة شؤون الضباط بالجيش في برنامج الإعلامي عمرو أديب، المقرب من دائرة السيسي، معلناً أن مجرد إعلان عنان رغبته في الترشح يعتبر مخالفة للقوانين العسكرية، لأنه لم يحصل على إذن وقف استدعائه، بموجب قرار أصدره المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة سابقاً، عام 2011، يقضي باستمرار اعتبار أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضباطاً تحت الاستدعاء في أي لحظة، باعتبارهم خبرات يمكن الاستفادة منها، وهو قرار كان يهدف في حقيقته لإضفاء حماية قانونية على أعضاء المجلس العسكري من أي محاسبة مستقبلية أمام القضاء العادي، ومن ثم إحالة كل المساءلات الممكنة ضدهم إلى القضاء العسكري.
ووفقاً لهذا القرار الساري على عنان، كان لا بد من حصوله على إذن بالترشح لمنصب عام من إدارة شؤون الضباط بوزارة الدفاع، أو من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يسيطر السيسي ووزير دفاعه صدقي صبحي عليهما بالكامل حالياً، بعد الإطاحة بجميع القادة الأكبر من السيسي سناً بحلول العام الماضي، عدا رئيس الأركان الحالي محمد فريد حجازي الموالي للسيسي. وكان آخر من تمت الإطاحة بهم الفريق عبد المنعم التراس خليفة عنان في سلاح الدفاع الجوي.
وتبين من سير الأحداث أن عنان لم يتقدم للجيش بهذا الطلب حتى الآن، على عكس ما زعم المتحدث الرسمي باسمه حازم حسني في وقت سابق، وذلك لأن عنان إذا كان قد تقدم بهذا الطلب فعلاً فكان لا بد عليه الانتظار بعده لفترة لا تزيد على 60 يوماً لحين البت فيه، بموجب قانون الخدمة والترقية للقوات المسلحة، الذي ينص على أن الاستقالة تكون مقبولة بعد 60 يوماً من تاريخ تقديمها لوزير الدفاع، وهو ما ينطبق أيضاً على طلب وقف الاستدعاء.
سياسة تدفيع الثمن
وسبق هذه الخطوة الحاسمة من قبل السلطة بساعات تصعيد غير مسبوق للحملة الأمنية ضد عنان وأذرعه متواضعة العدد في المحافظات، إذ تم إلقاء القبض على عدد من جامعي التوكيلات الشعبية لترشيحه للرئاسة، كما تم منع أنصاره من عمل التوكيلات في محافظات بني سويف والمنيا والدقهلية والإسكندرية. وكان من المقرر أن يصدر عنان بياناً يندد بذلك، أمس، لكن سرعة تحرك السيسي وصدقي صبحي لم تسمح له بذلك.
وقالت مصادر حكومية مطلعة إن النظام الحاكم لن يكتفي بتحريك دعوى مخالفة القواعد العسكرية ضد عنان، بل إن هناك استعدادات لتحريك بلاغات ضد عنان تتهمه بالضلوع في التنسيق والتعاون وتلقي الأموال من منظمة إرهابية وفق القوانين المصرية، هي جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذه البلاغات ستتم إحالتها للقضاء العسكري مباشرة باعتبار عنان ضابطاً تحت الاستدعاء، وبالتالي سيتم التحقيق فيها بصورة سرية ومسيطر عليها بالكامل من قبل وزير الدفاع.
وأضافت المصادر أنه ليس من الوارد حالياً تحريك قضايا الفساد المالي التي تهدد عنان خشية التعريض بقيادات أخرى سابقة وحالية بالجيش وعلى رأسهم المشير طنطاوي، لكن ستستمر هذه القضايا بمثابة تهديدات يلوح بها الإعلاميون التابعون للسلطة، ترديداً لتصريحات السيسي المبطنة، الجمعة الماضي، عن أنه سيمنع الفاسدين من تولي الرئاسة، والتي كان يقصد بها عنان، بحسب معظم المراقبين.
وأمام القضاء العسكري بالفعل بلاغات قديمة ضد عنان منذ كان عضواً بالمجلس العسكري بشأن وقائع فساد مالي واتجار في أراضي الدولة وتربح من عمليات تسقيع وبيع أراض مميزة كانت قد خصصت له بصفته الوظيفية.
وبحسب المصادر، فإن "بعض هذه البلاغات قدمت ضد عنان وهو في الخدمة وأحيلت جميعها للقضاء العسكري، كما تم تقديم بلاغات للنيابة العامة وجهاز الكسب غير المشروع بعد عزله من منصبه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أحيلت أيضاً للقضاء العسكري.
وأكدت المصادر أن عنان "سيدفع ثمن نيته منافسة السيسي فعلياً، وإجرائه اتصالات بأجهزة ودوائر حكومية وأمنية وكذلك ببعض الأحزاب لجس نبضها واستطلاع رأيها في ترشحه، قبل اتخاذ أي خطوة إجرائية للترشح، فضلاً عن تعاونه مع أجنحة قوية داخل جهاز الاستخبارات العامة والاستخبارات الحربية، وتواصله مع مسؤولين أميركيين وسعوديين لتأمينه". وأشارت المصادر إلى أن "إضفاء صورة الضبط والربط العسكري على التنكيل بعنان كان مقصوداً لإبعاد الرئاسة والأجهزة المدنية عن الواجهة، وبالتالي تصوير الأمر للخارج باعتباره مشكلة داخلية لها خصوصية عسكرية".
وتوقعت المصادر أن يكون كل من الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات، المستشار هشام جنينة، والكاتب الأكاديمي حازم حسني، فضلاً عن القيادات الاستخباراتية السابقة والحالية التي تعاونت مع عنان، أهدافاً للسلطة في المرحلة المقبلة، خصوصاً حسني الذي انتقد السيسي أكثر من مرة في تصريحاته الإعلامية أخيراً، ما يرفع احتمالات تحريك بلاغات ضده بالسب والقذف وإهانة رئيس الجمهورية.
وكان عنان قد حصل حتى أمس على أقل من 5 آلاف توكيل شعبي من واقع 25 ألفاً من الضروري تأمينها لخوض انتخابات الرئاسة، وذلك في ظل تحذيرات وجهتها مديريات الأمن والرقابة الإدارية بالمحافظات لنواب الأكثرية والعمد وشيوخ القبائل بعدم التعاون مع أي ضباط استخبارات أو من جهات أمنية أخرى أو قيادات حزبية تزعم حصولها على ضوء أخضر لتجميع التوكيلات لعنان، كما وجهت باستمرار النواب التابعين لها والعمد وشيوخ العائلات والقبائل المتعاونين معها في حشد المواطنين بكثافة إلى مكاتب الشهر العقاري بمختلف المراكز والضواحي، للاستمرار في عمل التوكيلات الشعبية الجماعية المؤيدة لترشح السيسي رغم تعديها 800 ألف توكيل حتى الآن، وذلك لإبقاء المكاتب مزدحمة بالمواطنين، وقطع الطريق أمام مؤيدي عنان.