انقسام حول صورة أتاتورك في ذكراه

12 نوفمبر 2014
ينتج كل تيار صورة مختلفة لأتاتورك (آدم ألتان/فرانس برس)
+ الخط -
مرّت الجمهوريّة التركيّة، منذ تأسيسها عام 1923 بالكثير من المراحل، لكن الثابت فيها يبقى الزعيم المؤسس والرمز الذي تُرفع صوره في كل مكان في البلاد، مصطفى كمال أتاتورك، الذي صادفت، يوم الاثنين الماضي، الذكرى 76 لوفاته.

تختلف النظرة إلى أتاتورك بين مختلف التيّارات السياسيّة التركية. يراه العلمانيون، من السنّة، والعلويون محرر الجمهورية وقائد حرب الإنقاذ، ورمزاً لبدء عصر تحديث وتطوير جديد، ألحق تركيا بالغرب وفصل الدين عن الدولة، واستبدل الأحرف العربيّة باللاتينية، ومنح العلويين حقوقاً متساوية في المواطنة، وهو ما كانوا يحلمون به تحت سلطة آل عثمان. ينظر هؤلاء إلى أتاتورك على أنّه أسطورة، ولا تخلو جامعة من جمعيّة تعمل على نشر الفكر الأتاتوركي.

في المقابل، يعتبر المحافظون والمتدينون أتاتورك رمزاً للفاشية وعميلاً يهوديّاً لبريطانيا، أسقط دولة الخلافة بكل ما كانت تحمله من معانٍ، بما حرم الأتراك من أيّ نفوذ في العالم الإسلامي. وفي الإطار ذاته، يراه الأكراد خائناً، غدر بقياداتهم التي ساعدته في حرب الإنقاذ، فانقلب عليها وأعدمها، ناكثاً وعوده باللامركزيّة والتعددّية الثقافيّة التي كان قد وعدهم بها، بانياً الدولة القوميّة الشوفينيّة التركيّة.

يرتبط أتاتورك شخصاً ورمزاً، ارتباطاً وثيقاً بالجمهوريّة التركيّة. اتخذ "حماية الكماليّة والعلمانيّة" شعاراً لشرعنة الانقلابات كافة التي قام بها العسكر، بدءاً من انقلاب عام 1960 ضد رئيس الوزراء التركي عدنان مندريس، وإعادة حزب "الشعب الجمهوري" بقيادة رفيق أتاتورك عصمت إينونو إلى الحكم مرة أخرى، مروراً بمحاربة التيّارات اليساريّة والشيوعيّة التركيّة واعتقال وتعذيب قياداتها، وانتهاءً بانقلاب عام 1997 ضدّ حكومة حزب "الرفاه" الإسلامي بقيادة رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان.

واللافت أنّ كلّ تيار سياسي، وهو ما أشار إليه رئيس الجمهوريّة التركيّة، رجب طيب أردوغان، "قام، بعد وفاة أتاتورك عام 1938، بتفسير فكر أتاتورك بما يتناسب مع أيديولوجيته الخاصة ورؤيته العالم". ويضيف أردوغان، خلال خطبة ألقاها في العاصمة أنقرة بمناسبة الذكرى 76 لوفاة أتاتورك، الاثنين الماضي: "للأسف إن نظرنا إلى التاريخ، فقد قام الانقلابيون ممن خرّبوا ديمقراطيتنا باستخدام أتاتورك كوسيلة لمنح وجودهم الشرعيّة، وبعد أن كان هناك أتاتورك واحد، تمّ إنتاج العديد من شخصيّات أتاتورك".

في السنوات الأخيرة، وبسبب التراكمات الثقافيّة الرسميّة التي ربطت أتاتورك على مدى 90 عاماً ربطاً مصيرياً بالجمهوريّة التركيّة، بدأ حزب "العدالة والتنمية" هو الآخر في طرح رؤيته لهذه الشخصيّة بما يتماشى بشكل أكبر مع الإسلام الليبرالي، الذي يطرح نفسه حامياً له. وبدا الأمر أكثر وضوحاً في خطبة أردوغان ذاتها حين قال إنّه "لطالما بقيت شخصية أتاتورك، الضابط العثماني الذي حافظ على إرادة الأمة في المقاعد الخلفيّة، لذلك سيتمّ إنقاذ هذه الشخصيّة من بين التابوهات التي تمّ رسمها لها، وسيجري العمل على التعلّم منه وتعليمه بكل بساطته، وبذلك ستعود هذه الشخصية لتظهر بحجمها الحقيقي".

وتعيد الصورة التي يطرحها "العدالة والتنمية"، إحياء أتاتورك، الضابط العثماني، الذي كان جزءاً من جمعية "الاتّحاد والترقي"، والتي شكّلت امتداداً لحركة "الشباب العثماني". وضمّت حينها قيادات ألبانيّة وعربيّة وكرديّة، وقادت ثورة عام 1908 ضد السلطان العثماني، عبد الحميد الثاني، لتحويل السلطنة من الحكم المطلق إلى سلطنة دستوريّة، توحّد الأمة العثمانيّة، المكوّنة من الأتراك والعرب والأرمن والأكراد واليهود، في مسعى إلى تحديث السلطنة وتعزيز قوّة الرجل الضعيف.

ويتناسى القوميون الأتراك تاريخ "الاتّحاد والترقّي"، ما قبل صعود التيّار القومي، إثر هزيمة الحرب العالمية الأولى، كردة فعل على ما يُطلق عليه المؤرخون الأتراك "خيانة" كلّ من الشريف حسين وتعاونه مع بريطانيا، وثورة الألبان، ومن ثم تعاون الأرمن مع روسيا واليونانيين العثمانيين مع اليونان، ويركزون على أتاتورك الذي خلع زيّ الضابط العثماني وألغى الطربوش وارتدى الزي الأوروبي والقبعة الفرنسيّة.

بطبيعة الحال، لم تقتصر هذه الرؤية على "العدالة والتنمية"، لكنّها وتحت وطأة صعود التيّار المحافظ الذي أصبح يشكل أغلبيّة ساحقة في الأصوات، دفعت حزب "الشعب الجمهوري" العلماني المتشدّد، الذي أسسه أتاتورك، إلى إقامة قراءة مولد نبوي لروح "باني العلمانيّة والقاضي على الخلافة" في ذكرى وفاته في اثنين من أكبر مساجد إسطنبول، ما استدعى الكثير من السخريّة في الأوساط الثقافيّة التركيّة.

المساهمون