ويكشف المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن تركيا تأمل ألا تصمم حكومة إقليم كردستان العراق، على الاستفتاء وأن تلغي الفكرة، لكنه وبإعلان المجلس الأعلى للاستفتاء عن إجرائه في اليوم المحدد، ستضطر تركيا للدفاع عن أمنها القومي وعدم ترك دول الجوار تتفتت، وربما يصل الأمر إلى داخلها، وذلك عبر وسائل وأدوات اقتصادية وغير اقتصادية.
ويعتبر كاتب أوغلو أن مصادقة البرلمان التركي على مذكرة رئاسة الوزراء من أجل تمديد صلاحياتها للقيام بعمليات خارج الحدود في سورية والعراق، مؤشراً لإمكانية استخدام جميع الأوراق التركية الضاغطة، التي تبدأ من الاقتصاد وإغلاق الأجواء وتقييد التجارة وإغلاق الحدود، وتصل إلى التدخل العسكري.
وعن الأدوات الاقتصادية الضاغطة التي تملكها تركيا للحيلولة دون الاستفتاء وانفصال الإقليم، يضيف كاتب أوغلو لـ"العربي الجديد" أنه توجد شركات تركية في الإقليم، وهي من قام بجل عملية البناء والتطوير، فضلاً عن المصانع والمصارف، مشيراً إلى إمكانية تجميد عملها على الأقل خلال الفترة الحالية، كما أن معظم المواد الاستهلاكية في الإقليم تأتي من تركيا وعبرها، حيث وصل حجم التبادل إلى نحو 8 مليارات دولار.
ويلفت إلى أن هذه الوسائل يمكن استخدامها، لكنها غير مجدية، لأن الضرر متبادل، إذ تستورد تركيا النفط والغاز من الإقليم، وإن كانت خسائر الإقليم أضعاف خسائر تركيا من العقوبات الاقتصادية وتراجع الاستثمار والصادرات.
كما يلمح المحلل التركي إلى اتفاق ثلاثي بين حكومة العراق وإيران وتركيا، جرى تأسيسه في نيويورك عبر وزراء خارجية الدول الثلاث، يقوم على إمكانية حصار الإقليم اقتصاديا إن مضى قدما في إجراءات الاستفتاء.
ولا يستبعد المحلل التركي، يلماظ أوكتاي، أن تستخدم بلاده جميع أوراق الضغط، بما فيها الاقتصادية، إن استمر إقليم كردستان العراق بطريقه الذي سيكون بداية للاستقلال عن دولة العراق المركزية، ما يفتح الباب لتقسيم العراق ويدفع بالفوضى المدمرة والضارة بالدول الجارة وفي مقدمتها تركيا.
ويقول المحلل لـ"العربي الجديد" إن الأتراك يشاركون بنحو 70% من اقتصاد الإقليم، عبر أكثر من 1300 شركة تركية أو شراكات مع الأكراد، وفيما لو سحبت تركيا استثماراتها أو أغلقت الحدود وأوقفت تدفق النفط عبر ميناء جهان على البحر المتوسط، فإن اقتصاد الإقليم سينهار.
ويعتبر أن تركيا تكاد تكون المنفذ الوحيد لإقليم الأكراد شمالي العراق، سواء نحو أوروبا أو باتجاه السوق التركية الواسعة التي تمد احتياجات الإقليم بمعظم احتياجاته، وتستقطب الرساميل للاستثمار.
ورغم أن يلماظ يستبعد انفصال كردستان عن العراق، إلا أنه يرى أنه في حال حدوث ذلك فإن تركيا ستوقف التعامل معه ودعمه.
ولم يبتعد المحلل التركي، جهاد آغير مان عن سابقه، وإن لفت إلى أن الأضرار من العقوبات الاقتصادية، ستكون متبادلة، وسيلحق بأنقرة خسائر جراء التصعيد وقطع العلاقات مع الإقليم.
ويقول آغير مان لـ"العربي الجديد" إن الشركات التركية، وبخاصة بعد قانون الاستثمار في إقليم كردستان العراق عام 2006، دخلت بقوة قطاع التعمير والإنشاءات والبنى التحتية، فضلاً عن قطاعي النفط والغاز والقطاع الصحي وحتى المالي والمصرفي، فهناك فروع لأربعة مصارف تركية في الإقليم، آخرها البركة تورك، ما يعني أن الاستثمارات التركية تشغل أكثر من 200 ألف عراقي كردي في إقليم كردستان.
ويستبعد أن تقدم بلاده على سحب الاستثمارات وإغلاق الشركات، لأن ذلك ليس بالأمر السهل أو الممكن تطبيقه بسرعة، كما أن تركيا برأيه، بغنى عن "مشاكل اقتصادية" جديدة، بعد توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وتراجع حجم التبادل التجاري مع المنطقة العربية، بعد الثورة السورية.
ويستدرك آغير مان، أن لدى بلاده أوراق ضغط اقتصادية، غير التفكير بمباشرة وسحب الاستثمارات أو إقفال معبر خابور الرئيس أو معابر ديريجيك وغوليازي وأوزوملو "بمجرد أن توقف تركيا خط نقل النفط الذي يصل مرفأ جهان من كردستان، فهذا يعني تفويت عائدات 300 ألف برميل نفط يومياً على الإقليم، أو تجميد اتفاق بإنشاء خط نقل للغاز من الإقليم إلى ولاية شرناق التركية، وهذا وحده ما لا يمكن أن يتحمله اقتصاد الإقليم الناشئ والذي يعتمد في عائداته على النفط والغاز أولاً.
وتقف تركيا، بحسب محللين، بحزم، في وجه الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان العراق عن دولة العراق، مستشهدين بما قاله الرئيس التركي، أردوغان خلال تحذيره رئيس الإقليم، مسعود البارزاني خلال كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء الفائت "سيخسر الإقليم كل الإمكانات التي يتمتع بها، في حال لم يتراجع عن قرار إقامة استفتاء الانفصال".
ويتوقع المحللون، أن يتخذ مجلس الأمن القومي التركي، خلال جلسته في 22 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، قرارات حازمة، ستتعدى إغلاق القنصلية التركية في إربيل، لتصل إلى عقوبات اقتصادية كبيرة، لكنها لا تصل إلى المواجهة والاصطدام.
ويستبعد المحلل الكردي، أحمد قاسم، أن تلجأ تركيا خلال ضغطها لمنع الاستفتاء، إلى العقوبات الاقتصادية أو التأثير على المستثمرين والشركات التركية في الإقليم، ويكشف لـ"العربي الجديد" أن ثمة ضغطاً من غرف التجارة والصناعة التركية، لعدم زج الاقتصاد في السياسة، لأن الاستثمارات التركية التي تبلغ نحو 52 ملياراً وليس 40 ملياراً كما يقال، ستتأذى وربما أكثر مما سيتأذى الإقليم.
ويضيف قاسم من تركيا أنه لا يمكن إطباق الحصار على الإقليم، كما تروّج تركيا وإيران، لأن الأحداث إذا تصاعدت وفرضت أنقرة وطهران عقوبات وحصارا، فللإقليم نحو ألف كلم من الحدود مع العراق، فضلاً عن سورية، معتبراً أن هذه الفورة الإعلامية والسياسية من صنع إيران.
وعن أوراق القوة الاقتصادية التي يملكها الإقليم، يشير قاسم إلى أن الاستثمارات الكردية في تركيا، من إقليم كردستان فقط، وليس من الأكراد الأتراك، تزيد على 100 مليار دولار، تبلغ حصة رئيس حكومة الإقليم الذي يملك شركة جهان التي لها 12 فرعاً في تركيا، نيجيرفان بارزاني، أكثر من 50 مليار دولار منها، وهي عرضة للتوقف والانسحاب، لو وصل الأمر إلى سحب الاستثمارات التركية وفرض قيود على المعابر وتصدير النفط وإيقاف مشروع خط الغاز.
لكن مصادر تركية رسمية شككت في هذه الأرقام، وقالت لـ"العربي الجديد" إن استثمارات الإقليم في تركيا محدودة، وتتمثل معظمها بإيداعات مصرفية لرجال أعمال ومسؤولين أكراد.
من جهته، يقول الكاتب الكردي، مسعود عكو إن تركيا هي المستثمر الأكبر في الإقليم، بل وتستثمر منذ عام 1991 وزادت استثماراتها وشراكاتها بعد عام 1996، وساهمت ولا أحد ينكر، في تطوير وبناء الإقليم، ولكن ليس من الصعوبة إيجاد بدلاء وشركاء عنها، بواقع الاستثمارات العربية، وخاصة الإماراتية، والجسر الجوي الذي يربط الإقليم بدول أوروبا والولايات المتحدة، عبر مطاراته في أربيل والسليمانية وآخر قيد الانتهاء في دهوك.