انفراجة في السيولة بالسودان وقلق من الحلول المؤقتة

05 سبتمبر 2019
أزمة السيولة تسببت في امتداد الصفوف أمام البنوك(فرانس برس)
+ الخط -

لم يصدق الكثير من السودانيين المتراصين على جنبات الطرقات وأمام الصرّافات الآلية أن تتوفر سيولة نقدية، بعد أن أعلن البنك المركزي، مطلع الأسبوع الجاري، عن ضخ 350 مليون جنيه يومياً، لمقابلة احتياجات المواطنين من النقود في الصرافات الآلية، بينما دخلت أزمة السيولة عامها الثاني من دون أن تنجح المحاولات المتلاحقة في إنهائها وتطل بوجهها من حين إلى آخر.

رصدت "العربي الجديد" توفر السيولة في عدد من الصرافات الآلية، بعد تغذيتها، ولم تشهد اكتظاظا كما في السابق. وظل البنك المركزي يعمل، على فترات متباعدة، على تغذية البنوك والمصارف، كان آخرها قبل شهر رمضان الماضي، الذي حل في الأسبوع الأول من مايو/أيار الماضي، بواقع 200 مليون جنيه، إلا أن الأزمة ظلت مستمرة.

ورغم قيام المركزي بزيادة كميات الضخ النقدي في ماكينات الصراف الآلية، وتفعيل الصرف عبر نوافذ البنوك، لمقابلة احتياجات المواطنين والعملاء، إلا أن كثيرا من المراقبين يرون أن المشكلة ما تزال قائمة، بسبب فقدان الثقة في الجهاز المصرفي.

وتسببت الإجراءات التي اتبعها نظام الرئيس المعزول عمر البشير، في تحجيم السيولة لدى المواطنين، لإيقاف تدهور قيمة الجنيه السوداني أمام الدولار الأميركي، في هروب المدخرات من البنوك ونشطت على العكس السوق السوداء وحدثت أزمة سيولة، لاسيما بعد أن شملت الإجراءات الحكومية تحديد سقف لسحب الودائع وتجفيف ماكينات الصراف الآلية.

وفى استطلاع "العربي الجديد" لبعض من موظفي البنوك التجارية أكدوا ضخ المزيد من النقود في الصرافات والبنوك في الفترة الأخيرة، إلا أنهم أعربوا عن مخاوفهم من تداعيات شح الودائع، مشددين على أن هذا الأمر يمكن أن يشكل عقبة في استمرار توفر السيولة بالبنوك.

وقال الموظف حسن محمدين الذي يعمل في أحد بنوك العاصمة الخرطوم لـ"العربي الجديد" إن تغذية البنوك للصرافات الآلية تتوقف على حسب عدد فروعها في الولاية، وحاجتها للمبالغ التي تغطي كل الماكينات، مضيفا: "نستلم يوميا حصتنا من البنك المركزي للتغذية والتعامل المباشر مع الجمهور، فالسيولة انتظمت وأصبحت يومية من الفئات الجديدة".

وفي محاولة لحل الأزمة بدأ البنك المركزي في الأشهر الماضية طرح فئات كبيرة من العملة بقيمة (100 و200 و500) جنيه، إلا ان المشكلة ظلت مستمرة.

لكن ياسين الطاهر، الموظف المصرفي لـ"العربي الجديد" إن انتظام ضخ السيولة في الفترة الأخيرة قلل من امتداد الصفوف داخل البنك وأمام ماكينات الصراف الآلية، مشيرا إلى أن استمرار التغذية يسهم بشكل كبير في معالجة الأزمة والحد منها. وأشار إلى أن الصرف من داخل البنوك يصل إلى نحو 4 آلاف جنيه، متوقعا صرف الأموال من دون سقف إذا استمر الضخ بذات الكيفية.

وتقلبت السياسات المنظمة للبنك المركزي في الفترة الماضية، بعد فشله في التحكم في أسعار الصرف أو تحقيق احتياطي نقدي لمقابلة ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازية.

وفقد الجنيه السوداني حوالى 70 في المائة من قيمته منذ نهاية 2018 في السوق السوداء، حيث خفض المركزي قيمة العملة المحلية عدة مرات، لكنه فشل في منعه من الانهيار. ويبلغ سعر الدولار في الوقت الحالي 65 جنيهاً في السوق السوداء، مقابل السعر الرسمي البالغ 45 جنيهاً.

وقال بابكر عثمان، الخبير الاقتصادي إن "انفراج أزمة السيولة، ناتج عن زيادة معدل ضخ النقود في البنوك وإلزام البنك المركزي المصارف بتغذية الماكينات الآلية بصورة مستمرة، لكن هذا ليس حلا مستداماً للمشكلة، فإذا لم تعد دورة الكاش كما في السابق وتفعيل توريد العملاء الأموال للبنوك، فتظل الثقة منعدمة، وسيتوقف المركزي عن الضخ إلى حين التوصل إلى حل جذري".

بدوره، قال التجاني حسين، الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد" إن استعادة الثقة بين المصارف والجمهور، تتمثل في توفير النقد في البنوك والصرافات الآلية بالشكل الذي يمكّن المواطنين من السحب من حساباتهم في أي وقت يريدون وبالكيفية التي يرغبونها.

وأضاف حسين: "لابد من اتخاذ خطوات جادة للانتقال إلى مجتمع غير نقدي عبر استخدام وسائل الدفع الإلكتروني المتمثلة في البطاقات المصرفية والمحفظة الإلكترونية والدفع عبر نقاط البيع، باعتبار أن هذه الوسائل تقلل من تداول "الكاش".

وكان معدل النمو الاقتصادي قد تباطأ إلى 3.5 في المائة في 2017 مقارنة مع 4 بالمائة في 2016 و5.3 في المائة خلال 2015، بينما استهدفت ميزانية العام المالي 2018 تحقيق معدل نمو في حدود 4 في المائة.

ورأى الخبير الاقتصادي التجاني حسين، أن اكتناز المواطنين للأموال بعيدا عن القطاع المصرفي بعد سحب جزء كبير من الودائع من البنوك، يعتبر أحد أهم العقبات التي تواجه الاقتصاد السوداني والمصارف التجارية وقطاعات أصحاب الأعمال.

وأوضح أن هذه الحالة أثرت سلباً على جميع قطاعات الأعمال الإنتاجية والتجارية والخدمية، وانعكس على المواطن الذي يقف في الصفوف لساعات عدة يبحث عن نقد من حسابه الخاص ليسدد بعض احتياجات الحياة البسيطة.

المساهمون