أفلت قطاع العقارات التركي من سجن كورونا وتقييد الحركة والسفر والتحوط من المجازفة بالسيولة والمدخرات، فكان لتراجع أسعار الشقق السكنية والليرة التركية، الأثر الذي كسر قاعدة الركود العالمي، لتأتي قرارات تركية، بمقدمتها القروض المصرفية الميسرة بنسبة فائدة منخفضة وفترة سداد طويلة، فتزيد من الإقبال، خاصة من الأتراك، على شراء العقارات التي زادت بحسب وزارة البيئة والتخطيط العمراني، بنسبة 32% مقارنة بالنصف الأول من عام 2019 بعدد شقق مباعة وصل لنحو 281 ألف منزل، كان لمدينة إسطنبول الحصة الأوفر ببيع أكثر من 95 ألف شقة سكنية، تلتها العاصمة أنقرة بأكثر من 64 ألف شقة وجاءت إزمير ثالثة.
وجاء انتعاش قطاع العقارات التركي خلال النصف الأول من عام 2020، امتداداً للربع الأول الذي زادت خلاله مبيعات العقارات للأجانب بنسبة 14% بعدد شقق اقترب من 11 ألف شقة بحسب أرقام هيئة الإحصاء التركية، تصدرت إسطنبول أيضاً، قائمة المدن البائعة للعقارات بأكثر من 5.2 آلاف شقة، تلتها أنطاليا بـ2.15 ألف شقة والتي غابت عن المراكز الأولى ببيع العقارات خلال النصف الأول من العام الجاري.
ويقول صاحب شركة بيع وتأجير العقارات بمنطقة درامان في إسطنبول، إينو كوسيو أوغلو، لـ"العربي الجديد": "مر قطاع العقارات هذا العام بمراحل ذبذبة وتفاوت، فالمتوقع قبل انتشار فيروس كورونا، أن يكون هذا القطاع أهم محرضات النمو، نظراً للمهن التي يشغلها وعدد العمال وما سيدره من سيولة، لكن تفشي الوباء بتركيا مطلع العام، أثر على المبيع وربما تم تثبيت الشقق المباعة خلال الموسم السياحي الماضي أو البيع القليل عبر شبكة الإنترنت".
وقال: "رأينا الربع الأول مقبولاً نظراً للبيع بشهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط قليلاً قبل أن تغلق تركيا حدودها وتوقف الرحلات الجوية، لكن، جاءت أشهر مارس/آذار وإبريل/نيسان ومايو/أيار، ليتوقف البيع تقريباً، عدا بعض المساكن من شركات أعلنت عن كسر كبير للأسعار، ليعود النشاط للقطاع خلال يونيو/حزيران، ببيع نحو 190 ألف وحدة سكنية وبنسبة زيادة أكثر من 200% عن الشهر السابق، وذلك مع بداية الانفتاح والرحلات الجوية، والأهم، القروض العقارية التي قدمتها المصارف، فمن يتابع المبيع سيجد أن معظمه للأتراك، بل وللأسر متوسطة الدخل التي حصلت على قرض.
وكانت أكبر 3 مصارف في تركيا، "زراعات" و"وقف" و"هالك"، إضافة إلى مصارف تشاركية أخرى، قد أعلنت الشهر الماضي، عن 4 حزم من القروض، جاء العقاري بمقدمتها، عبر نسب فائدة منخفضة 0.64% وفترة سداد طويلة تمتد حتى 15 عاماً، فضلاً على مهلة سداد لمدة عام وتطبيق معدل السداد المنخفض الذي يبدأ من 10% على استخدام التمويل.
ويؤكد مواطن تركي يُدعى مسعود لـ"العربي الجديد" أن "المصارف تقدم القرض العقاري بشكل سريع وميسّر وبضمانة العقار فقط" مبيناً أن مبلغ تمويل شراء المنزل يصل إلى 750 ألف ليرة تركية (الدولار 6.85 ليرات) في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير، وينخفض المبلغ إلى 500 ألف ليرة بباقي الولايات، لأن أسعار الشقق هناك أقل من أسعارها بالمدن الرئيسية.
ويلفت المواطن التركي أنه لم يحصل سوى على 450 ألف ليرة رغم أنه اشترى شقة بإسطنبول، لأن عمره أكثر من 60 عاماً، لكن هذا المبلغ برأيه، يكفي لشراء شقة جاهزة في مناطق توسع إسطنبول "وهي ما أطمح إليه لأن الهواء هناك نقي والجو هادئ والإطلالات ساحرة".
وانعكست التسهيلات والقروض المصرفية، بحسب مختصين بالقطاع العقاري على زيادة الطلب بنحو 50% منذ شهر حتى اليوم، ما أعاد الانتعاش للقطاع ورفع "الأسعار قليلاً" وأعاد الدفعة المقدمة التي غابت خلال الأشهر الماضية وكانت من طرق الجذب والتشجيع على الشراء.
ويرى اقتصاديون، أن التسهيلات التي أعلنتها المصارف أخيراً بعد ارتفاع الفائدة المصرفية والرهون العقارية بالسابق، كسرت الجمود عن أهم قطاع وحققت عائدات للخزينة بلغت بحسب وزارة التخطيط العمراني نحو 7.8 مليارات ليرة خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، فضلاً عن تشغيل أموال المصارف، المودعة أو رأس المال التأسيسي، لأن خطوات المصرف المركزي بتخفيض الفائدة المصرفية من 24% العام الماضي إلى 8.25% اليوم، يدفع المصارف لتقديم سلع جديدة لتحرّك موجوداتها.
وفي حين عولت تركيا على المستثمرين والسياح لتنشيط القطاع العقاري، فمنحت، على سبيل المثال، الجنسية لمن يشتري عقاراً بأكثر من 500 ألف دولار، إلا أن الأتراك، هم قاطرة تحريك هذا القطاع اليوم.
ويتوقع مدير العلاقات العامة بشركة امتلاك العقارية بإسطنبول، بدر الدين مارديني أن المستثمرين والأجانب سيبدؤون الآن، بعد عودة الطيران والسياحة، بالتوجه إلى قطاع العقارات، متوقعاً خلال تصريح لـ"العربي الجديد" أن تزيد مبيعات العقارات "كثيراً" حتى نهاية العام.
ويبيّن المتخصص مارديني، أن المبيعات لم تتوقف أبداً، حتى خلال ذروة تفشي وباء كورونا، وذلك عبر البيع عن بعد "عبر الإنترنت وتطبيقات "فيستايم وزووم وسكايب وواتساب" فكان الراغب بشراء عقار يرى الشقة ومساحتها ومواصفاتها وإطلالتها، ويوكل محاميا للدفع وتسجيل المنزل باسمه، ولكن تلك الطرق لم تكن ناجعة كثيراً، لأن المخاوف من المجهول وقتذاك وعدم مقابلة الزبون وحضوره فيزيائياً، أثرا على حجم المبيع.
وما يتعلق بعودة الأسعار أخيراً للارتفاع، يوضح مدير العلاقات العامة بالشركة العقارية، أن المسألة باختصار، عرض وطلب، وخاصة ببعض المناطق والمجمعات السكنية، ولكن رغم ما يقال عن ارتفاع الأسعار، لم تزل مشجعة وجاذبة، مشيراً إلى أن لكل منطقة سعرا بل ولكل بناء وشقة، وذلك يتعلق بعوامل كثيرة، منها المساحة والتوزع والإطلالة والإكساء، وربما الأهم، اسم الشركة المنفذة والثقة بها، "لكن الأسعار حتى الآن تعتبر رخيصة لمدينة كبرى وواعدة كإسطنبول" إذ لا يزيد سعر المنزل بالأحياء المتوسطة "3 +1" عن 500 ألف ليرة تركية.
وتبدأ الأسعار بالمجمعات الحديثة والراقية مثل"بهشة كايا" بإسطنبول، من 61 ألف دولار لمنزل غرفتين، وتصل إلى 180 ألف دولار لـ"4+1" وتعد منطقة "شيشلي" الأعلى أسعارا بإسطنبول، إذ إن سعر المتر عند 4 آلاف دولار.
وبحسب مصادر متخصصة، لم يزل العراقيون يتصدرون قائمة شراة العقارات لدول جوار تركيا يليهم الإيرانيون والليبيون، ليأتي الروس والبريطانيون بالمراتب الأولى على الصعيد العالمي.