انشقاقات الأحزاب التونسية منذ الثورة: تحالفات من ورق

17 يناير 2016
هل صبت الانشقاقات في صالح الشعب التونسي؟
+ الخط -
تعيش الساحة السياسية في هذه الفترة على وقع انقسام حزب "نداء تونس" الفائز في الانتخابات التشريعية والرئاسية إلى كتلتين، وتجميد عدد هام من قيادييه لعضويتهم.

ويتابع التونسيون بترقب تبعات هذا الانشقاق، خصوصاً بعد أن فقد الحزب تفوقه العددي في البرلمان لصالح "حركة النهضة".

منذ بداية تشكل الأحزاب السياسية بعيد ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، كان التفكك والتلاشي من أبرز سمات المشهد السياسي التونسي، مع تنامي حدة الصراع على الحكم، وقيادة الأحزاب. وقد شهدت تونس منذ الثورة، تعاقب خمس حكومات مختلفة التوجهات الحزبية، نتيجة "الفوضى الاقتصادية والأمنية والسياسية".

اقرأ أيضاً: ندوة "المركز العربي" حول مستقبل الثورات من منظور الشباب

أحزاب من ورق تحركها الحسابات الانتخابية

تعتبر انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أول تجربة انتخابية ديمقراطية في تونس. أفرزت حينها تحالفاً ثلاثياً جمع "حركة النهضة" بحزبي "المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل من أجل العمل والحريات". ولئن حافظت "حركة النهضة" على تماسك أعضائها، فقد أنهكت الاستقالات والانشقاقات حليفيها في الحكم، ما أدى إلى انهيارهما سياسياً.

اتّسم أداء حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" منذ تولي مؤسسه المنصف المرزوقي منصب رئاسة الجمهورية بالاضطراب، ليستقيل أغلب قيادييه وممثليه بالمجلس التأسيسي. وقام المستقيلون بتأسيس حزبين هما "حركة وفاء" و"التيار الديمقراطي". حزب المؤتمر والحزبين المنبثقين عنه، عرفوا فشلاً ذريعاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ما أثبت سلبية قرار الانفصال حسب متتبعين، وأثره الكارثي على الأطراف الثلاثة.

ورأى المرزوقي أخيراً في تغيير اسم الحزب إلى "حراك تونس الإرادة"، إمكانية طمس ملامح هذا الفشل، والعودة لاستمالة القواعد، إعداداً لاستحقاقات انتخابية قادمة.

وتعود أسباب انقسام حزب المؤتمر، حسب تصريح القيادية في "حزب التيار الديمقراطي" سامية عبو، لـ"العربي الجديد"، تعود إلى "غياب الانسجام بين قياديي الحزب، وما يتعلق خصوصاً بالتبعية المبالغ فيها لـ"حركة النهضة"، ضماناً لبقاء المرزوقي في الرئاسة، وفشل كل محاولات الإصلاح من الداخل، ما أدى إلى الانهيار".

وعرف حزب "التكتل من أجل العمل والحريات"، حليف "حركة النهضة" الثاني، أيضاً، تصدعاً نتج عنه التحاق عدد هام من قيادييه بأحزاب أخرى، وتأسيس آخرين لحزب "الخيار الثالث".

اقرأ أيضاً: فرصة أخيرة لإنقاذ "النداء": إبعاد السبسي الابن وقيادة مؤقتة

ولم يحظ كلاهما بأي مقعد نيابي خلال الانتخابات الأخيرة. القيادي المستقيل من التكتل صالح شعيب، قال لـ"لعربي الجديد"، إن "انفراد رئيس الحزب مصطفى بن جعفر برأيه، وانشغاله بمنصبه كرئيس للمجلس التأسيسي الذي منحته له حركة "النهضة"، أبرز الأسباب التي سرّعت بانتهاء الحزب سياسيا وفقدانه لقواعده".

وكان انفراد مؤسس "الحزب الجمهوري" نجيب الشابي وعائلته بالقرار، حسب تصريحات قيادييه المنسحبين، السبب الرئيسي وراء استقالة مجموعة هامة من ممثليه بالمجلس التأسيسي، وتأسيسهم لحزب "التحالف الديمقراطي".

وقالت القيادية بالحزب نجلاء بوريال، لـ"العربي الجديد"، حول نتائج هذا الانقسام السلبية على الحزبين في الانتخابات الأخيرة، إن "النتائج الجيدة تتطلب عملاً متواصلاً يمكن أن يدوم لسنوات، وهو أفضل من التمسك بعضوية أحزاب لا تستجيب لمتطلبات المرحلة، وتفضّل المصالح العائلية والمناصب السياسية على خدمة المجموعة والصالح العام".

في سياق آخِر مظاهر الانشقاقات الحزبية في تونس، دفع المنسحبون من حزب "نداء تونس"، برفض "توريث الحزب".

ليخسر بذلك حزب الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ثلث ممثليه بالبرلمان، بعد أن قدم مجموعة من النواب استقالتهم.



اقرأ أيضاً: ارتدادات أزمة "النداء" تصيب اليسار التونسي

وقاد الأمين العام السابق لـ"نداء تونس"، محسن مرزوق، الكتلة المنشقة تحت تسمية "المشروع".

وسوّق مرزوق خلال اجتماع شعبي نظمه أخيراً، التفاف عدد هام من القواعد حول مبادرته. واتهم خلال اللقاء مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي بـ"الدفع نحو توريث الحزب لابنه حافظ السبسي، ما يتنافى مع أبسط قواعد الديمقراطية والعمل التشاركي"، حسب قوله.

ودفعت هذه الخطوة الرئيس التونسي السبسي، لإطلاق مبادرة، مضمونها: "تحييد ابنه عن المشهد الداخلي لنداء تونس، حتى انعقاد مؤتمره القادم". خطوة يرى فيها المتتبعون "طوق نجاة أخير لإنقاذ الحزب الحاكم من التفتت".

اقرأ أيضاً: تونس: سياسيون ومدنيون "نحن أقوى من الإرهاب"

سوق السياسيين: "المال والمناصب لإغراء المنشقّين"

واعتبر حزب "تيار المحبة" أو ما كان يطلق عليه "حزب العريضة الشعبية"، من أهم مزودي الأحزاب بنواب داخل المجلس التأسيسي حينها.

فحسب معطيات تناقلتها وسائل إعلام تونسية، شهدت سنة 2013 تقزيم التمثيلية النيابية الهامة للحزب الأخير، بعد أن شهد موج ترحال سياسي نحو أحزاب يتزعمها ثلاثة رجال أعمال، هم سليم الرياحي والبحري الجلاصي والعياشي العجرودي.

وقام المجلس التأسيسي آنذاك بتشكيل لجنة للتحقيق، للتحري في "تورط عدد من الملتحقين بهذه الأحزاب، في الحصول على أموال وسيارات". وما دفع إلى فتح تحقيق في الموضوع حينها، إعلان السياسي ورجل الأعمال البحري الجلاصي، عن "تعرضه للتنصب من طرف ثلاثة نواب، بعد حصولهم على مبالغ مالية مقابل الانضمام لحزبه، دون إتمامهم لعملية الانتقال".

وأكمل أعضاء حزب "تيار المحبة" "هواية الترحال السياسي"، بعد أن قرر عدد من نوابه الانضمام إلى حزب "نداء تونس"، قبل الانتخابات التشريعية الفارطة، ليعبروا إثر ذلك عن ندمهم واستيائهم بسبب رفض قياديي الحزب ترشيحهم ضمن القائمات الانتخابية. ولم تسعفهم الاستقالة من حزب "النداء" والترشح ضمن قائمات مستقلة من ضمان مقعد نيابي.

اقرأ أيضاً: الاستقالة بصفوف "الوطني الحر" رفضاً للانصهار مع "نداء تونس"

النهضة والجبهة الشعبية في مأمن من الانقسامات

رغم الأزمة التي عرفتها "حركة النهضة" خلال شهر مارس/ آذار الفارط، وأدت إلى استقالة أمينها العام السابق حمادي الجبالي، إلا أن الحزب حافظ على تماسكه ونجح في الحصول على المرتبة الثانية خلال الانتخابات البرلمانية الفارطة.

أسباب الأزمة تمثلت، حسب محللين سياسيين، في "تنامي حدة الصراع داخل الحركة، بين الجناح المعتدل الذي يقوده راشد الغنوشي والجناح المتشدد الذي يقوده حمادي الجبالي، حول عدد من القرارات السياسية". أما أسباب صمود الحركة، رغم انهيار حليفيها في الحكم، فيعود إلى الانضباط الحزبي الذي يتميز به قياديو الحركة، وخاصة ممثلوها في البرلمان.

وتجلى هذا الانضباط في التصويت الموحّد على عدد من فصول الدستور والقوانين المخالفة لمبادئ الحزب المعلنة، كتصويتهم مع رفض تجريم التطبيع، والقبول بدسترة حرية الضمير، ورفض قانون إقصاء التجمعيين من النشاط السياسي، وغيرها من الإشكالات التي أثارت حفيظة قواعد الحزب.

وحولت أحزاب اليسار فشلها في انتخابات المجلس التأسيسي إلى قوة، من خلال تجميع قواها ضمن ما سمته "الجبهة الشعبية"، التي تم تأسيسها في شهر أكتوبر من سنة 2012.

وتشكلت "الجبهة" من أحزاب "العمال"، و"الوطنيين الديمقراطيين"، و"حركة البعث"، بل انصهرت فعلاً للعمل داخل المجموعة، ودفعت إلى توحيد مبادئها وأهدافها، وقد نجحت في الحصول على خمسة عشر مقعداً نيابياً خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ورغم ضعفها عددياً، اعتمدت كتلة "الجبهة الشعبية" في البرلمان على وزن ممثليها السياسي، وأغلبهم من المعارضين السابقين لنظام بن علي، من أجل القيام بدور الكتلة المعارضة للحكومة.

وأثبت نجاح "الجبهة الشعبية" أهمية العمل ضمن كتلة موحدة، تمثل خطاً سياسياً وأيديولوجيا معيناً.

اقرأ أيضاً: مبادرة السبسي لإنهاء الصراع: تحييد الابن حتى عقد المؤتمر

حصيلة الانشقاقات بالأرقام

عرف حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" انشقاق عبد الرؤوف العيادي عن الحزب وتأسيسه لـ"حركة وفاء"، ثم انشقاق محمد عبو عن الحزب عام 2013 وتأسيسه لحزب "التيار الديمقراطي".

وحصل الحزب خلال انتخابات المجلس التأسيسي على 29 مقعداً، ووصل عدد المستقيلين من المؤتمر بالمجلس التأسيسي إلى 15 مستقيلاً، 9 منهم التحقوا بحزب "حركة الوفاء"، وخمسة بـ"التيار الديمقراطي"، ليبقى في الحزب إلى نهاية فترة المجلس 14 عضواً.

أما في الانتخابات التشريعية الأخيرة، فحصل حزب "المؤتمر" على 4 مقاعد، وحزب "التحالف الديمقراطي" المنشق على 3 مقاعد، فيما لم يحصل "الوفاء" على أي مقد نيابي.

وشهد حزب "التكتل من أجل العمل والحريات" بدوره تصدعات أدت لخروج حزب "الخيار الثالث" عام 2012.

حصل التكتل على 20 مقعداً في انتخابات المجلس التأسيسي، ثم انسحب منه 8 نواب، وكانت نتيجة الانتخابات التشريعية بالنسبة للطرفية صفر مقعد.

بدوره، عرف "الحزب الجمهوري" (الحزب الديمقراطي التقدمي سابقا)، انشقاقاً قاده محمد الحامدي وعدد من أعضائه، قاموا حينها بتأسيس حزب "التحالف الديمقراطي". حصل الحزب الأم على 16 مقعداً في انتخابات المجلس التأسيسي، وبعد التصدع، انسحب منه 9 نواب لصالح الحزب الجديد.

أما حزب "نداء تونس"، الذي عرف أخيراً نزيفاً حاداً في كتلته النيابية، بسبب إعلان أمينه العام السابق مرزوق الانشقاق برفقة عدد من القياديين.

ورغم أنه لم يشارك في انتخابات 2011، لكنه تمكن من تكوين كتلة نيابية بالمجلس التأسيسي ضمت 11 عضواً من مستقلين ومنشقين عن أحزاب أخرى.

وفي انتخابات 2014، حصل الحزب على 89 مقعداً، ليمثل بذلك أول قوة نيابية داخل البرلمان التونسي، لكن لم يتبقَّ له غير 67 نائباً بالبرلمان، ويفقد بذلك المرتبة الأولى لصالح "حركة النهضة" التي حافظت على عدد نوابها الـ69.

أخيرا "حزب حركة الشعب"، الذي تأسس في 2 مارس/ آذار 2013، ليشهد بعد أشهر فقط من تأسيسه، استقالة الشهيد محمد البراهمي، الذي أسس خلال حياته حزب "التيار الشعبي"، قبل أن ينضم الحزبان لـ"تحالف الحركة الشعبية".

اقرأ أيضاً: المرزوقي: الثورة بحاجة إلى الزمن لتحقق أهدافها