انسحاب روسيا... هزيمة أم انتصار؟

20 مارس 2016
+ الخط -
تتسارع الأحداث في سورية، وستشهد تغيرات كبيرة على الصعيد السياسي والعسكري، وخصوصاً بعد القرار الروسي بالانسحاب من الأراضي السورية، بعد أن ساهم، وبشكل ملحوظ في تغيير المعادلة العسكرية على الأرض السورية. هذا التغيير الذي لم يكن ليحصل، إلا بالضربات الجوية التي نفذها سلاح الجو الروسي، ومن خلال تأمينه غطاءً جوياً كان نتيجته تقدم قوات النظام السوري المدعوم من مرتزقة جاءوا من الخارج لدعمه، والوقوف إلى جانبه خوفاً عليه من السقوط.
كانت أهداف روسيا مغايرة للأهداف التي ادعت أنها تدخلت في سورية للقيام بها، حيث كان الهدف، على حد قول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، محاربة داعش والتنظيمات المتشددة والعمل على إيجاد جو سياسي، قادر على إخراج سورية من الحرب الدائرة فيها. ولكن، سرعان ما تغيرت هذه الأهداف، لتتحول من حربٍ على الإرهاب إلى حربٍ للحفاظ على النظام السوري، وشن هجمات على كتائب الجيش الحر التي توصف بالمعتدلة، وضرب الحاضنة الشعبية لهذه الكتائب، والتي أسفرت عن مجازر بحق المدنيين العزل.
لم يكن للتدخل الروسي أي تأثير على المناطق الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش الإرهابي، بل كانت متركزة على مناطق إستراتيجية، خاضعة لسيطرة كتائب المعارضة، والتي كان النظام يستميت لاستعادتها من أجل تحقيق حلم الدويلة الطائفية التي يسعى لها، ولما تملكه هذه المناطق من أهمية في قيام هذه الدويلة.
أدلى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 14 مارس/ آذار الجاري، بتصريح أحدث صدمة على مستوى العالم، مفاده بأن الوضع في سورية أصبح مناسباً لحل سياسي، وطلب من وزير الدفاع الروسي الانسحاب العسكري من سورية، على عكس تصريحات سابقة لشخصيات روسية بارزة، ربطوا فيها نجاح الحل السياسي في سورية بهزيمة داعش والتنظيمات المتشددة. تخرج القوات الروسية، هذه الأيام، من الأراضي السورية، من دون تحقيق أي هدف على صعيد محاربة تنظيم داعش الذي يتغنى الغرب بمحاربته منذ زمن، من دون إحراز أي تقدم على الأرض. ويبين هذا الخروج عدم نية روسيا أو عزمها تأمين إجراءات مناسبة لحل سياسي في سورية.
وأصبح واضحاً أن دول الغرب غير جادة في الحديث عن إنهاء الحرب في سورية، بل تعمل على إحداث توازن قوى على الأرض السورية، والحيلولة دون انتصار أي طرف من أطراف النزاع على الآخر. جاء التدخل الروسي، بعد إحراج بعض القوى الإقليمية نظام الأسد، للرضوخ لحل سياسي وتقديم التنازلات، مرة بالقوة عن طريق تقديم الدعم اللوجستي والعسكري لكتائب المعارضة التي تساعدها على التقدم على الأرض، بشن هجمات على نقاط تابعة للنظام، ومرة عبر اللجوء إلى المحافل الدولية عن طريق الإضاءة على المجازر والانتهاكات التي يقوم بها النظام السوري ضد الشعب السوري، ما أجبر روسيا على التدخل المفاجئ في سورية، لخلط الأوراق من جديد، ومساندة النظام السوري عسكرياً، من أجل تغيير موازين القوى على الأرض، من أجل فرض شروط على طاولة المفاوضات السياسية، تكون لصالح النظام. لكن التوجهات الروسية أحدثت قلقاً عند الولايات المتحدة الأميركية، وبعض القوى الدولية في المحور الآخر، والتي تبحث أيضاً عن مصالحها الإقليمية في المنطقة.
وجهت هذه القوى تهديدات غير مباشرة لروسيا عن طريق حلفائها لقطع الطريق أمام طموحاتها التوسعية في المنطقة، كان أولها إسقاط الطائرة الروسية عن طريق الدفاعات الجوية التركية، وآخرها كان إسقاط الطائرة الروسية في ريف حماة بواسطة صاروخ حراري، والذي مُنع الجيش السوري الحر من امتلاكه خلال خمسة أعوام من الصراع مع النظام. يبدو أن القوى في المحور الممانع للنفوذ الروسي في سورية وجهت رسالة لروسيا مفادها إما الذهاب إلى حل سياسي أو رفع الحظر عن امتلاك الجيش الحر هذا النوع من الأسلحة.
CC54BAF0-40B6-4D45-BED3-88A50246096D
CC54BAF0-40B6-4D45-BED3-88A50246096D
محمد جهاد نيعو (سورية)
محمد جهاد نيعو (سورية)