معدل الانتهاكات بحق الأطفال في مصر ارتفع إلى أرقام قياسية، فقد زادت حدّتها بعد التقلبات السياسية والاجتماعية التي شهدتها البلاد. وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول استهداف الأجيال المقبلة لمصر التي تعاني من أزمات حادة.
يؤكد مراقبون مصريون أنّ شريحة الأطفال باتت هدفاً لمرتكبي الجرائم، خصوصاً من التشكيلات العصابية المنظمة التي تستهدف خطف الأطفال أو الاتجار بأعضائهم البشرية، أو استغلالهم في التسول. يشير المراقبون إلى أنّ غياب القانون وزيادة الانفلات الأمني زادت من حدة الظاهرة، وبات "البلاغ باختفاء طفل" ظاهرة يومية في كلّ المحافظات المصرية.
ارتفعت معدلات انتهاك حقوق الطفل في مصر لتصل إلى أقصى حد لها خلال شهر مايو/ أيار الماضي بـ270 طفلاً تعرضوا لانتهاكات، ما بين قتل وخطف واعتداءات جنسية، وبلغت نسبة الإناث من هذه الانتهاكات 37 في المائة، والذكور 56 في المائة، ولم يذكر نوع 7 في المائة، بحسب تقرير للمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة.
تشير المؤسسة في تقريرها إلى أنّ مصر تعتبر من أعلى الدول في معدلات انتهاكات الأطفال وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، لافتة إلى أنّ المحافظات الريفية هي الأكثر انتهاكاً لحقوق الطفل بنسبة 86 في المائة من الأطفال بينما تنخفض في المناطق الحضرية إلى 23 في المائة.
تضيف المؤسسة أنّ حجم عمالة الأطفال في مصر يبلغ نحو 3 ملايين طفل عامل، يمثلون ثلث الشريحة العمرية الموجودة في التعليم الأساسي، منهم 83 في المائة يعملون في الريف مقابل 16 في المائة في المدن، وأنّ 46 في المائة من إجمالي هؤلاء الأطفال العمال تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، وأنّ 78 في المائة منهم من الذكور و21 في المائة من الإناث، وأنّ عدد ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الأطفال في العمل تتعدى أكثر من 10 ساعات يومياً في المتوسط، وأكثر من ستة أيام في الأسبوع، أي إنّ عدد ساعات العمل بالنسبة للطفل قد يتجاوز عدد ساعات عمل الكبار.
بدورها، تؤكد تقارير أمنية ارتفاع معدل الانتهاكات ضد الأطفال في "سجون الاحداث" داخل عدد من أقسام الشرطة، والتي تحولت إلى زنازين صغيرة فلا تتجاوز مساحة الحجرة 3 أمتار بـ3 أمتار سواء للأطفال الذكور أو الإناث الذين يجري القبض عليهم في الشوارع. تشير تلك التقارير إلى أنّ تلك الحجرات فضلاً عما يحدث فيها من انتهاكات، فهي معرضة لنقل الأمراض بسبب عدم وجود أي أنواع من التهوية داخلها.
يكشف أحد المسؤولين أنّ سجون مباحث الأحداث للأطفال تعد أسوأ من أيّ سجن، مؤكدًا أنّهم يتعرضون لجميع أنواع التعذيب والحرمان، والمعاملة السيئة من إهانة وضرب لا تقوى عليه أجسادهم النحيلة. يشير إلى أنّ من يخرج من تلك السجون يكون أكثر إجراماً بسبب ما يشاهده يومياً، مؤكداً أنّهم كانوا يوقظونهم ﺿﺮﺑاً ﺑﺎلعصي ليلاً. ويوضح أنّ هناك الكثير من حالات الاعتداء الجنسي التي يتعرض لها الأطفال.
تقول التقارير الأمنية إنّ دور الأيتام أيضاً فيها كثير من التجاوزات التي وصلت إلى ذروتها خلال الأيام الأخيرة، بدءاً من تعذيب الأطفال بالكيّ بالنار والضرب والاعتداء الجنسي وصولاً إلى حرمانهم من النوم. تعتبر دور أيتام القاهرة الأكثر انتهاكاً مقارنة ببقية المحافظات، وقد نشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات عدة حول الاعتداء على الأطفال داخل تلك الدور.
من جانبه، أعلن رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث وحقوق الإنسان محمود البدوي أنّه سيتقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي، وضد وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار، بسبب ما يحدث للأطفال داخل سجون الأحداث ودار الرعاية الاجتماعية الخاص بوزارة التضامن.
ومن الانتهاكات التي جرى تسجيلها داخل مراكز الدار في القاهرة، إحالة طفل (9 سنوات) إلى الطبيب بعد إصابته بحالة إعياء، وبالكشف عليه، تبين أنّه جرى الاعتداء عليه جنسياً من قبل شاب نزيل بالدار أيضاً. وتبين أنّها ليست المرة الأولى التي يعتدي فيها على الأطفال. كذلك، عذبت مشرفة في دار أيتام بمنطقة عين شمس بالقاهرة طفلاً يبلغ من العمر أربعة أعوام بلسعِه بالنار، وبررت ذلك بتبوّله على نفسه. وضربت مشرفة أخرى طفلاً (6 سنوات) بخرطوم مياه لفتحه الثلاجة. كذلك، عذب أحد المشرفين في دار آخر طفلاً (10 سنوات) بركله وحرمانه من الأكل، وتبين من التحقيق بعد إصابة الطفل بشرخ في الحوض أنّ السبب في ضرب الطفل هو استمراره في مضايقة أقرانه داخل الدار. أيضاً قصت مشرفة شعر طفلة (7 سنوات) بحجة احتوائه على قمل من الممكن أن ينتقل إلى بقية الأطفال.
في هذا الإطار، انتقد المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر الانتهاكات ضد حقوق الطفل سواء في السجون أو الشوارع. وأكد نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبد الغفار شكر أنّ ما يحدث للأطفال في مصر من انتهاكات يعدّ جريمة كبرى في حق الدولة، ومؤشراً قوياً على ضعف الرقابة، الذي لطالما عانت منه العديد من المؤسسات التي تأوي الأطفال خلال السنوات الماضية. تابع أنّ ما يجري داخل دور الأيتام وفي سجون الأحداث فضلاً عن عمالة الأطفال يجب عدم السكوت عنه. ولفت إلى أنّ أزمات دور الأيتام، ليست وليدة اللحظة، فمنذ زمن طويل ونحن نسمع عن انتهاك حقوق الأطفال داخلها، ومعاملتهم معاملة سيئة للغاية، مشدداً على ضرورة حصول المتسببين في هذه الجرائم الجنسية على أشد العقوبات التي قد تصل إلى الإعدام.
من جهته، تقدم عضو مجلس النواب عن دائرة البساتين، وعضو لجنة حقوق الإنسان، النائب أحمد عبده الجراز ببيان عاجل إلى رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال، موجهاً إلى الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، بشأن ما أثارته وسائل الإعلام حول قضية الاعتداء الجنسي بدور رعاية الأيتام بالمحافظات. وطالب بتغليظ العقوبة على الجناة في الجرائم التي تستهدف الأطفال. وتابع أنّ الأطفال في مصر يتعرضون لكلّ أنواع العنف والقهر والاعتداءات الجسدية والمعنوية، ولا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم لضعف قدرتهم على المقاومة.