وتنتشر 6 مخيمات كبيرة في الأنبار ونينوى وصلاح الدين، تحتجز فيها قوات الأمن من تطلق عليهم عائلات "داعش"، وتمنع عنهم الخروج منها كإقامة جبرية، ولا يحظون برعاية طبية ولا تعليم للأطفال الموجودين في تلك المخيمات منذ قرابة العامين.
ويعد احتجاز هؤلاء مخالفاً للدستور العراقي الذي نص على "عدم الأخذ بجريرة الغير، وأن الجريمة يحاسب عليها فاعلها فقط ولا تترتب على أسرته أي تبعات قانونية، كما أنها تخالف القانون الذي ينص على حق العراقي في الإقامة والتنقل ومنع تقييد حركته في أي مكان داخل العراق، وفقاً للمادة 73 والمادة 111 من القانون العراقي النافذ بالبلاد".
ووفقاً لمصادر حقوقية ومحلية بحكومة نينوى شمال العراق، فإن القوات العراقية تحتجز المئات ممن يطلق عليهم "عائلات داعش" في مخيمات وتفرض عليهم إقامة جبرية.
وقال عضو في مجلس محافظة نينوى (الحكومة المحلية)، إن العائلات هم أشقاء وشقيقات وأقرباء الدرجة الأولى من أفراد عراقيين تورطوا بأعمال إرهابية مع تنظيم "داعش"، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد" أنهم يمرون بظروف سيئة، ويؤكد أغلبهم أنهم لا يمكن أن يتحملوا ذنب شخص آخر راشد.
ولفت إلى أن "تلك المخيمات تشهد انتهاكات خطيرة بحق تلك العائلات من أفراد الأمن وقوات عشائرية ومليشيات، وهي انتهاكات لا يمكن لصاحب غيرة ونخوة عربية قبولها"، وفقاً لقوله.
وتحدث ضابط في جهاز الشرطة بمدينة الموصل لـ"العربي الجديد"، شريطة عدم الكشف عن اسمه، عن أن من يطلق عليهم "عائلات داعش"، يعيشون وضعاً مأساوياً للغاية في المخيمات، بخاصة في عدد من المحافظات، مؤكداً أنّ "تلك المخيمات كانت عامة لكل النازحين، لكن اليوم اقتصرت على الأسر التي يتهم أبناؤها أو أحد أفرادها بأنهم عملوا لصالح "داعش""،
مؤكداً أن هناك "تعاملاً غير إنساني، وعرقلة لدخول المواد الغذائية والأدوية وحرمان الأطفال من التعليم ومن كل حق طبيعي".
وبيّن أنّ "تلك العوائل تتعرض لانتهاكات خطيرة من مليشيات الحشد الشعبي، وبعض عناصر القوات الأمنية التي تقوم بابتزازها، وفصائل تتبع عشائر سنية في نينوى"، مشدداً على أنّ "الانتهاكات وصلت إلى حالات لا يمكن تخيلها، وتقارير رفعت للعبادي ولم يتحرك حيالها".
وأشار إلى أنّ "نقل واحتجاز تلك العوائل في المخيمات المذكورة تم وفقاً لتبليغات المخبر السري"، مؤكداً أنّ "الشرطة غير مسؤولة عن حماية تلك العوائل، بل الحشود العشائرية والمليشياوية وقوات الجيش الموجودة في المنطقة هي التي تتابع ملفها".
وأوضح المواطن محمد خالد (25 عاماً)، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ "الحال لا تطاق في المخيم، بسبب التعذيب النفسي الذي نعيشه على يد الحشود والعناصر الأمنية"، مؤكداً أنه "ليس لدينا غذاء أو دواء، وحتى طبيب لا يوجد، ولا توجد أي مستلزمات في المخيم".
وأضاف: "نتعرض للضرب والشتائم والكلمات البذيئة يومياً، ونتعرض حتى إلى التحرش الجنسي الذي يطاول النساء وحتى الشباب، ونقدم شكاوى ولا أحد يسمع لنا".
وتابع: "لقد احتجزونا في المخيم لا لذنب اقترفناه، بل بسبب انتماء أخي إلى تنظيم "داعش""، ويقول: "والدي طرد أخي من المنزل ومنعه من دخوله، ونحن لا نؤمن بفكر "داعش" الإرهابي، لكن لا سيطرة لدينا على أخي، ولم نستطع منعه، فهل نعاقب كلنا على ذنبه؟".
ودعا الحكومة إلى "النظر بحالنا، فنحن غير راضين على تصرف أبنائنا، ولا يجوز أن نؤخذ بذنبهم ونعاقب بالعيش في هذه الظروف الصعبة".
وكانت نائبة مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة "هيومن رايتس ووتش" دعت في تقرير سابق السلطات العراقية إلى "عدم معاقبة أسر بأكملها بسبب أفعال أقاربها، وهي جرائم حرب تخرب الجهود الرامية إلى تعزيز المصالحة في المناطق التي استُعيدت من "داعش"".
بدوره، قال عضو لجنة المهجرين والمرحلين النائب ماجد شنكالي لـ"العربي الجديد": "إذا كان هناك عوائل انتمى أبناؤها أو أقاربها إلى "داعش"، فتلك العناصر ستحاسب حسب القانون"، معرباً عن رفضه "لهذه الانتهاكات وهذه المساومات وهذا الابتزاز الذي يحدث لعوائلهم غير المذنبة، فلا يجوز أن تعاقب عائلة كاملة لمجرد انتماء طفل أو شاب منها إلى "داعش""، وشدد على أنّ "اغتصاب النساء في تلك المخيمات فعل يجب أن يعاقب عليه القانون".
ومضى إلى القول: "تردنا أحاديث كثيرة عن تلك الانتهاكات، بخاصة في الإعلام، ويتكلم أهالي تلك المخيمات بأسماء غير أسمائهم الحقيقية، بسبب ما يتعرضون له في مناطق المخيمات التي كانت موجودة في بعض مناطق محافظة الأنبار أو صلاح الدين، أو في جنوب الموصل"، داعياً المنظمات الإنسانية والمفوضية العليا للحقوق المستقلة وحقوق الإنسان في العراق، إلى "التأكد من هذه الاتهامات ومعاقبة الجهات المسؤولة عن هذه المخيمات".
كما دعا الجهات التنفيذية لـ"متابعة هذا الملف، ومتابعة هذه الاتهامات وهذه الشكاوى للوقف عليها ومحاسبة من يقوم بأفعال كهذه، وانتهاكات خطيرة كتلك".
وقال عضو مجلس المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق فاضل الغراوي، في تصريحات صحافية نقلتها وسائل إعلام عراقية، إن "المفوضية تجري سلسلة متواصلة لزيارة العديد من المخيمات للوقوف على الواقع الإنساني"، مبيناً أن "المفوضية شخصت العديد من المشاكل الإنسانية في المخيمات، وخصوصاً النقص الحاد في المساحات، وغياب التنسيق بين المؤسسات المحلية والدولية".
وأضاف أن "المخيمات تعاني ديمومة الحياة والنقص في الدواء وحليب الأطفال واللقاحات وانتشار العديد من الأوبئة وأمراضاً جلدية والصدمات النفسية"، لافتاً إلى أن "المفوضية، وخلال زيارتها لمخيمات النازحين في كركوك، شخّصت انتشار مرض الفايروس الكبدي، وعدم وجود تعاون مديرية صحة كركوك مع المخيمات لتلافي الإشكالات الصحية".
وأوضح الغراوي أن "هناك العديد من التحديات التي تواجه النازحين، ومنها التي تتعلق ببيئة العودة الطوعية. العديد من المواطنين يرغبون بالعودة، ولا توجد أي مساعدات تقدم من الحكومة ومؤسساتها لتسهيل عودتهم".
وشدد على ضرورة "المعالجة السريعة من الحكومة وسلطاتها المحلية والتعاون مع وكالات الأمم المتحدة لاستكمال العودة الطوعية"، مؤكداً أن "المخيمات لا تصلح لعيش مواطن يحمل الجنسية العراقية".
وتابع الغراوي أن "المفوضية أصدرت تقريراً رسمياً عن النازحين في العراق، وهناك العديد من التوصيات موجهة إلى المؤسسات المحلية والوزارات المختصة، إضافة إلى السلطات المحلية ووكالات الأمم المتحدة، وهذه التوصيات سوف تقدم إلى مجلس حقوق الإنسان، وهناك لقاءات للمفوضية مع الحكومة الاتحادية لتقديم التوصيات".
وتساءل عضو مفوضية حقوق الإنسان: "لماذا دُعم الكثير من النازحين في فترة النزوح، والآن نشهد تراجعاً كبيراً في إدارة الدولة؟ وكأنما المؤسسات الحكومية رفعت الراية البيضاء واستسلمت، وبقي النازحون يواجهون مصيرهم أمام التحديات".
ودعا الغراوي المسؤولين في الدولة العراقية إلى "إجراء معايشة ميدانية في المخيمات، ولو لمدة ساعة واحدة في خيمة نازح، ومشاهدة المعاناة الإنسانية التي تواجههم".