ووقعت على وثيقة الاتفاق النهائي بالأحرف الأولى كلٌ من حكومة جنوب السودان، ومجموعة من الأحزاب الأخرى التي يُعتقد أنها لا تملك ثقلاً في معادلة الحرب الأهلية التي اندلعت في الدولة الوليدة بعد تمرد نائب الرئيس، رياك مشار.
وانطلقت في الخرطوم المفاوضات بين حكومة جنوب السودان والمتمردين وفصائل أخرى، في 25 يونيو/حزيران الماضي، ونجحت في التوصل إلى جملة من الاتفاقات، أبرزها إعلان مبادئ واتفاق على وقف إطلاق النار، والترتيبات الأمنية، وقسمة السلطة، وترتيبات الحكم، فيما ظلت قضيتان تعرقلان طوال الأسابيع الماضية خطوات التوصل إلى اتفاق نهائي، الأولى تتعلق بصلاحية مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء وآلية اتخاذ القرار فيهما، أما الثانية فبعدد ولايات دولة جنوب السودان وإعادة ترسيم حدودها.
وأعلنت الوساطة السودانية تعليق التفاوض في الخرطوم على أن ترفع مسودة الاتفاق النهائي لمنظمة "إيغاد" لإجازته، وبعدها تُتاح الفرصة للأطراف للتوقيع عليه نهائياً.
وشكل رفض مشار التوقيع على الاتفاقية مفاجأة لم تكن تخطر ببال الوساطة السودانية، حيث فشلت كل المحاولات التي استمرت لساعاتٍ طوال في إقناعه عن العدول عن موقفه، وشارك في تلك المحاولات مسؤولون سودانيون رفيعو المستوى، بمن فيهم مسؤولون في مؤسسة الرئاسة السودانية.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن مشار بدا متحفظاً جداً على الصلاحيات التي تمنحها له الاتفاقية من خلال منصب النائب الأول الذي سيمنح له بموجب الاتفاقية نفسها، وهو يخشى أكثر من هيمنة خصمه الرئيس سلفاكير ميادريت على القرارات عبر المجلس الرئاسي الذي سيضمه وأربعة نواب آخرين للرئيس. وفيما اقترحت الوساطة أن يكون القرار داخل المؤسسة الرئاسية بأغلبية الثلثين، على أن يكون صوت الرئيس أو نائبه الأول، ضمن أصوات الثلثين، رفض مشار هذا المقترح، داعياً إلى أن تصدر القرارات بصورة توافقية.
كما اقترح زعيم المتمردين، رياك مشار، على الوساطة، أن يكون القرار داخل مجلس الوزراء بأغلبية الثلثين، وليس بالأغلبية الميكانيكية، وهذا ما رفضته الحكومة والوساطة السودانية في آن.
أما نقطة الاعتراض الثالثة، فتتعلق بطريقة تشكيل لجنة قومية لصياغة دستور جنوب السودان، حيث يطالب مشار بمؤتمر قومي دستوري، بينما قالت الوساطة بإمكانية إنشاء اللجنة مع إحالة مقترحها للمؤتمر الدستوري المقترح، كما رفض المتمردون البنود الواردة في الاتفاقية النهائية المتعلقة بتحديد عدد الولايات.
وأبدى وزير الخارجية السوداني، الوسيط الرئيسي في المفاوضات، الدرديري محمد أحمد، أسفه الشديد لموقف مجموعة رياك مشار وتحالف المعارضة الجنوبية، قائلاً في تصريحات صحافية إن المواضيع التي أثارتها حركة مشار لم تكن ضمن أجندة التفاوض، ولم تتفق الأطراف على مناقشتها، ولم تحلها منظمة "إيغاد" للسودان لمناقشتها، مشيراً إلى أنه "وحتى الساعات الأولى من مساء أمس الإثنين، كانت جميع الأطراف متفقة تماماً على التوقيع، وهم تفاجأوا بالتحول الأخير في مواقف الحركة الشعبية المعارضة".
وأوضح الدرديري أن السودان سعيدٌ بما أنجزه عبر وساطته من اتفاقيات وقعت عليها كل الأطراف، مشيراً إلى أن الاتفاقية برمتها ستحال إلى قمة منظمة "إيغاد" ومن ثم طرحها للتوقيع النهائي، معرباً عن تفاؤله بلحاق جميع الأطراف التي امتنعت عن التوقيع، بالاتفاقية في أي وقت.
من جهته، قال رئيس وفد حكومة جنوب السودان، مايكل مكوي، إن الأسباب التي دفعت مجموعة رياك مشار وتحالف المعارضة، لعدم توقيع الاتفاقية، غير معروفة بالنسبة لهم في الوفد الحكومي، خاصة بعد اتفاقهم على كل شيء ليلة أمس. وأضاف، إن رفض المعارضين للتوقيع يؤكد عدم جديتهم في التوصل إلى اتفاق سلام، واتهم أيادي خفية، لم يسمها، بالتدخل وعرقلة سلام جنوب السودان.
من جهته، قال مناوا بيتر، المتحدث الرسمي باسم الحركة الشعبية المعارض بقيادة مشار، إن رفضهم للاتفاق بصورته الحالية جاء بقناعة تامة وبأسباب معلومة أوضحتها الحركة للوساطة، منوهاً إلى أنه لا يمكن أن تُمنح الحكومة أغلبية ميكانيكية في الجهازين التنفيذي والتشريعي لتمرير كل أجندتها، بما في ذلك تعديل اتفاق السلام، كما شدد على ضرورة الإقرار داخل الاتفاقية بالمؤتمر الدستوري، ومن مهامه إجازة دستور تتوافق عليه كافة الأطراف.
وأبان مناوا أن الخلاف حول عدد الولايات هو السبب الرئيسي لنشوب الحرب في المرات السابقة، ولا يمكن تكرار الخطأ ذاته، من خلال تبرير دستوري لقرار خاطئ اتخذته الحكومة بتقسيم جنوب السودان لـ32 ولاية.
وأضاف أنه "من السهل جداً اقتسام السلطة بيننا، عبر أي اتفاق، لكن من الصعب الوصول إلى اتفاق سلام لا يعيد جنوب السودان إلى مربع الحرب"، وأكد مناوا بيتر التزامهم بوقف إطلاق النار المتفق عليه مع الحكومة، والتزامهم كذلك بالسماح بفتح ممرات إنسانية لعبور الإغاثة للمتضررين، كما أعلن استعدادهم للعودة لطاولة التفاوض متى ما اقتنعت الحكومة والوساطة بتضمين ملاحظاتهم على الوثيقة النهائية للاتفاق.
أما لام أكول، القيادي في تحالف المعارضة، الذي رفض التوقيع، فقال في تصريحات صحافية إن الفرصة لا تزال مواتية لاستمرار مفاوضات السلام، وأنهم في انتظار قمة "إيغاد" لتقرر في التزام سابق لها ووعد منها لتحالف أحزاب المعارضة، بتضمين بند خاص بعدد ولايات جنوب السودان، بعد رفض تضمينه من جانب الحكومة والوساطة.
وأضاف أكول أن حكومة جنوب السودان تحاول فرض مواقفها على الآخرين في قضايا مهمة وحساسة، لم يتم حسمها بعد، مشيراً إلى أنه ما كان أمامهم كتحالف معارض من خيار، غير رفض التوقيع على الاتفاقية الناقصة.