ووصف أمين عام المبادرة الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، لـ"العربي الجديد"، زيارة الوفد بـ"المسخرة"، وقال: "توقعنا أن ترسل المحكمة أو مكتب المدعية العامة وفدا حقيقيا يفحص المعلومات، وللأسف هذا لم يحدث".
وعبّر البرغوثي عن استيائه من الزيارة ومجرياتها قائلا: "هذه زيارة تقنية يقوم بها وفد من مكتب المدعية العامة إلى جميع الدول الموقعة على اتفاق روما، ولا علاقة لها بالتحقيق أو بالفحص الأولي، ونحن كمستوى سياسي رفضنا أن نلتقي بهم".
وأضاف: "للأسف، الوفد لم يقم بزيارة قطاع غزة، ورضخوا لضغوط حتى لا يزوروا الخليل والقدس وجامعة القدس بذريعة وجود أمور أمنية تحول دون زيارتهم".
وحسب البرغوثي، فإن: "كل ما جرى يؤكد ضرورة تنفيذ قرار اللجنة الوطنية العليا بإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية، وعدم الانتظار لأن الوقت طال كثيرا"، مؤكدا: "حتى الآن لم نرفع قضية أي إحالة، وكل ما قمنا به هو تقديم بلاغات للمحكمة الجنائية، وكان هناك خبراء قانونيون أجمعوا على أهمية تقديم الإحالة في أسرع وقت ممكن، وعدم الاكتفاء بالبلاغات التي قدمناها كفلسطينيين".
ذات الموقف عبّر عنه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد مجدلاني، في تصريحات لـ"صوت فلسطين" اليوم، مؤكدا أن: "طبيعة مهمة وفد الجنائية هي زيارة تثقيفية فقط، معربا عن خشيته أن تكون أميركا وإسرائيل قد ضغطتا على هذا الوفد لتكون زيارته شكلية".
لكن نائب مساعد وزير الخارجية للقطاع متعدد الأطراف، السفير عمار حجازي، أكد لـ"العربي الجديد"، أن "اللجنة الوطنية هي من قررت تشكيل لجنة فنية مصغرة مهمتها لقاء الوفد الزائر، ولكن التعبير عن الاستياء وإدخال المواقف السياسية فيما نقوم به من عمل فني، هو تعبير غير دقيق".
وتابع حجازي: "رغم أن الزيارة ليست ما نبتغيه كفلسطينيين، إلا أنها كانت ناجحة بكل المقاييس".
وأوضح: "بالطبع، نريد أن تقوم المحكمة الجنائية بفتح تحقيق في أسرع وقت ممكن، لردع دولة الاحتلال الإسرائيلي المستمرة في جرائمها، ومحاسبتها على الجرائم التي ارتكبتها ضد الشعب الفلسطيني".
وقال "بسبب طول الاحتلال وكثرة الجرائم، نرى أن مكتب المدعية العامة لديه قرائن كافية لإنجاز الفحص الأولي والذهاب نحو التحقيق".
وحول ما يتردد عن عدم تقديم الجانب الفلسطيني إحالة في القضايا لدى المحكمة الجنائية الدولية، أوضح حجازي: "ما نسمعه من تصريحات ومطالبات بأن نستخدم واحدة من صلاحياتنا كدولة طرف ونحيل الموضوع للمحكمة التي تنظر بها، رغم أننا قدمنا بلاغات للمحكمة سابقا، إلا أن الإحالة لن تمنع مسألة الدراسة الأولية التي يقوم بها مكتب المدعية العامة".
وأوضح حجازي: "الإحالة حق لنا أن نستخدمه كطرف، ولا نريد إهدار ورقة الضغط هذه الآن في إطار الفحص الأولي، وكأننا نقول إننا لا نصدق المدعية العامة في موضوع الفحص الأولي، بل على العكس نحن ندعم جهود المدعية العامة، وسنواصل التعاون مع المحكمة، ونواصل إرفادها بكل ما من شأنه أن يعزز فتح تحقيق في أقرب فرصة ممكنة".
وتابع قائلا: "في حال قررت المدعية العامة ألا تفتح تحقيقا في أي من البلاغات التي قدمتها دولة فلسطين، بما فيها الاستيطان والأسرى وجرائم غزة، يبقى لدينا خيار وهو الإحالة يمكن استخدامه في جريمة الاستيطان لأنها مستمرة، ولا يوجد مجال للقضاء الإسرائيلي بأن يحاسب قادته على الاستيطان، عكس قضايا أخرى".
والإحالة هي تقديم شكوى حول قضية محددة للمحكمة الجنائية بكافة أركانها، للتحقيق فيها، بينما ما تم تقديمه حتى الآن هو بلاغ من الجانب الفلسطيني مضمونه قبول اختصاص المحكمة، وبناء عليه فتحت المحكمة بمبادرة منها فحصا أوليا، حسب ما أوضح الخبير في القانون الدولي، رزق شقير، لـ"العربي الجديد".
وكان الاحتلال الإسرائيلي قد أعلن، أكثر من مرة، أنه سيقوم بفتح تحقيق حول إمكانية حدوث جرائم في قطاع غزة، فضلا عن فتحه تحقيقا ومحاكمة قتلة الفتى محمد أبوخضير، وحرق عائلة دوابشة، حتى يتسنى له التملص من أي محاسبة مستقبلية من المحكمة الجنائية الدولية، حيث يمنع فتح تحقيق وطني من قبل الدولة التي قامت بالجرائم، تدخل المحكمة الجنائية لاحقا.
واستبقت دولة الاحتلال الأحداث، وأعلنت عن فتحها تحقيقات ومحاكمات في بعض هذه الجرائم، بشكل صوري، كما تؤكد عائلات الضحايا، ومنهم عائلة دوابشة لـ"العربي الجديد"، لتنفيس غضب الرأي العام الدولي، والادعاء بأن هناك قانونا لدى دولة الاحتلال يعاقب الجناة.
المحاكمات الصورية تجعل هامش رفضها من الفلسطينيين يعتمد على قدرتهم على إثبات أن القضاء غير نزيه ولم يقم بعملية عقاب تخلق ردعا حقيقيا، وهذا يحتاج إلى سنوات طويلة لإثباته.
وفي المقابل، تعتبر جريمة الاستيطان، الجريمة التي يمتلك الفلسطينيون قدرات أكبر على إثباتها، بسبب كونها مستمرة من جهة، وبسبب استحالة قيام قضاء الاحتلال بمحاسبة قادته على جريمة الاستيطان.
وأوضح حجازي: "إذا قررت المحكمة أن تفتح تحقيقا في قضايا مثلا خاصة بالجرائم في قطاع غزة، ساعتها تكون ورقة الإحالة ما زالت ورقة ضغط قوية في يد الجانب الفلسطيني نستخدمها في موضوع الاستيطان على سبيل المثال، لذلك هناك اجتهاد قانوني بعدم التفريط في هذه الورقة الآن، لأنها لن تقدم ولن تؤخر في إنجاز الفحص الأولي الذي تقوم به المدعية العامة في الوقت الراهن".