تحوّل خبر عدم تمكن اللاجئة الفلسطينية عائشة حسين نايف من دفع تكاليف علاجها في أحد المستشفيات الخاصة في جنوبي لبنان إلى خبر لإعلان وفاتها في نفس المستشفى، وسط اتهامات من منظمات حقوقية وسياسية فلسطينية لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) بتخفيض المساعدات الإغاثية والصحية والتعليمية للاجئين في لبنان. فعمّت التظاهرات عدداً من المخيمات الفلسطينية كالبرج الشمالي والبارد والبص والرشيدية ونهر البارد، في اليومين الماضيين، حيث أغلق اللاجئون مؤسسات الوكالة وأعلنوا التصعيد "حتى التراجع عن هذه التخفيضات".
وخلال الاعتصام في مخيم البرج الشمالي (جنوبي لبنان)، والذي كانت تقيم فيه السيدة المُتوفاة، أقدم أحد الشبان الفلسطينيين على إشعال النار في جسده، بسبب عدم تمكنه من دفع تكاليف علاج مرض التلاسيميا. وكانت السيدة الخمسينية قد دخلت إلى المستشفى قبل أيام، بسبب مضاعفات مرض السرطان الذي تعاني منه، بانتظار تحويلها إلى مستشفى مُتخصص على حساب "الأونروا" كما درجت العادة. لكن الموت عاجلها في المستشفى الخاص الذي فرض على ذويها دفع 20 في المائة من فاتورة الاستشفاء.
يشير منسق العلاقات العامة والإعلام في "المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان" (شاهد)، محمد الشولي، إلى أن "قرارات التخفيض طاولت كافة الخدمات الصحية، الإغاثية، والتعليمية التي تقدمها الوكالة للاجئين في لبنان". ويقول إن "التخفيضات بدأت مع التلويح بإمكانية إلغاء العام الدراسي 2015 ــ 2016 قبل الإعلان عن زيادة عدد التلاميذ في الصف إلى خمسين، في تدمير ممنهج لبنية التعليم". ويحذر الشولي في حديث لـ"العربي الجديد" من "أثر ضعف التحصيل العلمي للاجئين على توجهاتهم الفكرية وسهولة تجنيدهم في مشاريع باطلة لا تخدم القضية الفلسطينية".
على الصعيد الصحي، يؤكد الشولي أن "الوكالة قلّصت كمية الأدوية الموجودة في مستوصفاتها داخل المخيمات، وخفّضت التغطية الصحية في المُستشفيات من 100 في المائة إلى 80 في المائة، مع إلزام المريض بالتوجه إلى أحد مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني الستة المنتشرة في لبنان أولاً، قبل تحويله إلى المستشفيات الخاصة المؤهلة بشكل أفضل". وقد أكد ناشطون فلسطينيون لـ"العربي الجديد" خضوع تحويل المرضى إلى "استنسابية كبيرة من قبل أطباء الوكالة المُلزمين بتقليص عدد الحالات التي يتم تحويلها إلى مستشفيات خاصة".
وعلى صعيد الإغاثة، قلّصت الوكالة المساعدات المادية والعينية التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين المُقيمين في لبنان واللاجئين النازحين من سورية، بعد اندلاع الاشتباكات في مخيم اليرموك للاجئين في العاصمة السورية دمشق.
ويذكر الشولي بـ"تقليص التقديمات المادية للاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية من 66 دولاراً إلى 18 دولاراً شهرياً، وإلغاء بدل الإيواء الذي تم تقديمه لهم لفترة قصيرة".
من جهتها، تأسف المتحدثة الإعلامية باسم "الأونروا" في لبنان، زيزيت دركزلي، لوفاة السيدة الفلسطينية "نتيجة المرض". وتؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ميزانية الوكالة في لبنان لم تشهد تخفيضات كما تروّج أطراف سياسية، إنما شهدت إعادة توزيع للموارد". توضح المتحدثة الأُممية أن "تقليص التغطية الطبية في المستشفيات الخاصة إلى 85 في المائة قابله رفع نسبة ومبلغ التغطية المالية للعمليات الكبيرة، والتي تتجاوز كلفتها في لبنان بقية مناطق عمل الوكالة في الأردن والضفة الغربية من 4200 دولار إلى 5 آلاف دولار"، علماً أن "ميزانية لبنان تبلغ 50 في المائة من الميزانية العامة للوكالة".
وعلى الصعيد التعليمي، تؤكد دركزلي أن "تحديد الحد الأقصى لاستيعاب التلاميذ في صفوف الوكالة بـ50 تلميذاً أتى لضمان إطلاق العام الدراسي الحالي، بعد تسجيل عجز فاق 100 مليون دولار أميركي العام الماضي في الميزانية العامة للوكالة، وعلى أرض الواقع وصلت أعداد التلاميذ إلى 45 تلميذاً في الصف الواحد في مدارس قليلة جداً على صعيد لبنان".
وقد دفعت هذه الإجراءات بممثلي الفصائل الفلسطينية إلى عقد سلسلة اجتماعات مع المدير العام لـ"الأونروا" في لبنان، ماتياس شمالي.
إلى ذلك، يشير المسؤول الإعلامي لـ"حركة المقاومة الإسلامية - حماس" في لبنان، رأفت مرة، لـ"العربي الجديد"، إلى "إصرار الوكالة بشخص مديرها العام على هذه التخفيضات القاسية، بسبب عدم التزام الجهات الدولية المانحة بالتزاماتها، مُقابل موقف موحد وإصرار أكبر من قبل ممثلي الفصائل على رفض هذه الإجراءات".
اقرأ أيضاً: فلسطينيّون مصروفون.. المنظمات الدوليّة تستغني عن خدمات العشرات