انتفاضة إيران لنصرة السوريين

02 يناير 2018
+ الخط -
تاريخ آذار/ مارس 2011 في سورية، يُعاد بتفاصيله اليوم في إيران. ما يدلل، استنتاجاً، أن المخطط نفسه والمنفذ نفسه، هنا وهناك. وربما بعد قتل المتظاهرين وتعالي صيحات المنتفضين وشتمهم، للإصلاحيين والأصوليين معاً، وحرق صور الرئيس... أن تأتي الخواتيم ذاتها، أو متقاربة على أقل تقدير.

ولعل باستخدام الحكومة الإيرانية لتبريرات، من قبيل وجود مسلحين معهم "بواريد الصيد" وانخراط "المندسين" ضمن المنتفضين، أدلة على ضلوع الإيرانيين ومنذ بداية الثورة السورية، باقتراح الحلول الأمنية، للتصدي لمطالب السوريين المحقة وقتذاك، وربما ليس من الاتهامية بمكان إن قلنا، أن الحل القمعي الذي اعتمده نظام بشار الأسد، وما قيل عن تغيير الخطاب الذي ألقاه بمجلس الشعب مطلع الثورة، إنما هو وصفة إيرانية، تتابعت فصولها عبر التدخل لحماية "المقدسات" ومن ثم لتثبيت النظام وأخيراً لنصرة تيار الممانعة ومكافحة الإرهاب.

أمّا وقد سال دم المنتفضين على أيدي النظام بإيران ـ أكثر من عشرين قتيلاً حتى الآن ـ  فعلى الأرجح، أن تتغير دوافع الاحتجاجات، من اقتصادية نتيجة الفقر والبطالة والتضخم النقدي، وإهمال القضاء ومجلس الشورى الإسلامي للمطالب الشعبية، إلى ثورة تطالب بالقصاص من "القتلة" وإلا، فالسيناريو السوري هو الأرجح، في بلد لا يختلف كثيراً عن سورية، وخاصة لجهة التفقير وكبت الحريات والديكتاتورية وحكم الدولة الأمنية العميقة.


يذكر السوريون بحسرة ربما، بعدما تهدَّم بلدهم وتهجَّر نصف السكان، كيف خيّب نظام الأسد التوقعات، ولم يذهب لمدينة درعا لبلسمة جراح من أساء لهم ابن خالته عاطف نجيب وقتذاك، وسيتذكر الإيرانيون أيضاً، ولو بعد حين، كيف شهد إقليم شمال شرق، مشهد ونيشابور، ومن ثم مدن كرمانشاه وساري والأهواز وقزوين وكرج وأصفهان وقم وزاهدان، انتفاضة محقة، قبل أن تتمدد لأحياء طهران، وكيف رد عليها النظام الإيراني، وبالطريقة السورية نفسها، بإخراج مظاهرات تأييدية وبإطلاق النار على المنتفضين، فأردى أكثر من عشرين منهم حتى اليوم، لتتبدل كل مقدمات التظاهرات وأسبابها، وتدخل إيران بواقع ومستوى جديدين، تبقى خواتيمها مرهونة بتتمة التعاطي مع مطالب شعب يعاني بحجة الثأر للتاريخ ويزيد فقراؤه عن ثلاثين مليوناً.

قصارى القول: ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها الإيرانيون لدوافع معيشية واقتصادية على مبددي ثرواتهم. بل يمكن القول إنه ومنذ 1992، لم تنقطع الاحتجاجات، وإن تقطعت وتباينت أحجامها ومطالبها، وطرائق التعاطي معها.

إذ انتفض الشعب الإيراني في عام 1992 وعلى خلفية إعدام سبعة محتجين بقرار من رئيس السلطة القضائية، محمد يزدي، وعاود في عام 1994 عبر مدن إيرانية عدة، وشيراز بمقدمتها، وكذا عام 2011 وخلال احتجاجات المعلمين الشهيرة وأيضاً انتفاضة عمال المناجم عام 2015.

وطبعاً ما بين كل تلك الاحتجاجات، أو حتى التي لم تخرج أخبارها للخارج، سواء إثر قمع الحريات أو تقييد المعتقدات. نجحت إيران، من قمعها وتسويقها بخروج على القانون، أو حالات تمرد لا تعكس الواقع والحياة العامة بإيران.

بيد أنه اليوم، وبعد رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، وإيغالها بالتدخل بدول الجوار ودعم حالات التشظي والتحريب، باتت الحالة مختلفة وبالمطلق عمّا سبقها، إن لجهة انتشار الانتفاضة أفقياً، عبر مدن وأقاليم ربما غير متوقعة، أو عمودياً وهو الأهم، إثر تبدل مطالب المنتفضين، من معيشية اقتصادية، ثم إلى دعوات لعدم تبديد الأموال عبر التدخل بشؤون الآخرين، بسورية واليمن ولبنان، لتصل وبعد الدم، لتمجيد حكم ما قبل ثورة الخميني "الشاه" ولحرق صور الرئيس الإيراني والاحتجاج على طابع الحكم "الثيوقراطي" الذي غيّر من ملامح بلاد فارس وتاريخها، بل وبات مطيّة يركب عليها كل من يريد الاستبداد بالشعب وتبديد الثروات وسرقة حقوق الإيرانيين.

نهاية القول: بصرف النظر عمّا ستؤول إليه الانتفاضة الإيرانية، ومدى احتمالية نجاح النظام بقمعها أو امتصاص فورة المنتفضين عبر "عطايا اقتصادية" أو وعود وتغييرات سياسية، على اعتبار أن لدى "حكم الملالي" تراكم خبرة ودراية، بالتصعيد أو التراجع، على حسب الظرف والمكاسب. أو تمدد الانتفاضة لتغيّر مع التراكم وإراقة الدم وتصميم الشعب، نظام الحكم وتكف بعد ذاك إيران النكوصية، عن التدخل بالشؤون الداخلية لدول الجوار.

يهمنا هنا الإشارة إلى بعض الأمور؛ ربما أولها، أن الشعب السوري، أو المعارض منه على الأقل، أيّد انتفاضة الشعب الإيراني على مستغليه، بل ويتلقف أخبار نبض الشارع هناك. ربما كما كان مع الثورة السورية ببداياتها، ما يؤكد وبالدليل القاطع، أن ثورة السوريين، ليست إسلامية ولا سنية، كما روّج نظام الأسد وشركاؤه، ليقمعوها، بل هي ثورة حرية وكرامة وعدالة باقتسام الثروات، يتمناها السوريون اليوم للشعب الإيراني، كما تمنوها لأنفسهم عام 2011.

كما يمكن الاستدلال، من خلال تمني السوريين، بمن فيهم قادة المعارضة، السلامة لإيران وعدم السيرورة وفق السيناريو السوري، من قتل وتدمير وتهجير، أن ثورة السوريين إنسانية شمولية، وليست طائفية ضيقة، كما يؤثر نظام الأسد، بل وإيران على تسويقها. بل وجاء الطرح الشعبي السوري العام، بعدم السير على خطى الثورة السورية ومنع أي "عرعور إيراني" من توجيه الشارع، دليل إضافي على تأصل أسباب الثورة الأولى، رغم ما شاب الثورة لاحقاً، ولأسباب كثيرة، من تشويه وانزياح.. بل وتطرف.

وأيضاً من المشاهد التي يمكن تسجيلها عن السوريين، خلال أيام انتفاضة إيران الأولى، تجدد الأمل بالنصر على النظام الوريث، رغم جميع الخيبات والانكسارات، بل وحتى بازارات البيع وإعادة إنتاج الأسد، التي بدأت من الرياض بالسعودية وربما لا تنتهي بسوتشي الروسية.