ويعتبر برنامج شبكة الرعاية الاجتماعية من البرامج الأكثر فسادا في العراق، حيث تم شمول أشخاص غير مستحقين للإعانات به، من بينهم أبناء وأقرباء مسؤولين وسياسيين، في حين تم حرمان المستحقين الحقيقيين منه.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن القرارات الحكومية الجديدة المرتقبة ستشمل أيضا إحالة ملفات فساد إلى القضاء، عدا عن وقف فوري لعمليات هدم المنازل العشوائية، وإصلاح نظام البطاقة الغذائية، الذي يعاني هو الآخر من فساد كبير، إضافة إلى تعويضات مالية لذوي القتلى والجرحى الذين سقطوا في التظاهرات، بينما لا زالت المعلومات متضاربة بشأن إمكانية إعادة شبكة الإنترنت، مساء غد الثلاثاء، للعمل بعد قطعها في عموم مدن العراق (باستثناء إقليم كردستان) منذ خمسة أيام، حيث تعارض مستشارية الأمن الوطني ذلك، وتعتبر أن إعادتها تعطي دفعة قوية لاستمرار التظاهرات.
وأطلقت الحكومة العراقية حتى الآن 23 وعدا، مثل توفير فرص العمل، وإعادة المفسوخة عقودهم مع الوزارات الأمنية والخدمية، وتقديم قطع أرض سكنية، وبناء وحدات سكنية أخرى، ومنح قروض وتخصيص مرتبات شهرية لكل أسرة، وصدرت هذه الوعود عن خلية أزمة، داخل مكتب رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، تم تشكيلها الأسبوع الماضي، على وقع تصاعد الاحتجاجات في البلاد.
وتبدو الوعود التي أطلقتها حكومة عبد المهدي منسجمة مع ما أعلنه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، من قبيل توفير مليون فرصة عمل، وتشغيل 50 ألف مصنع في العراق.
ووجهت انتقادات لرئيس البرلمان العراقي لجهة أن لا صلاحيات له لإعلان تلك القرارات، كونها من اختصاص رئيس الوزراء، فضلا عن أن ما صرّح به اعتبر "وعودا خيالية"، فيما يعمل رئيس الجمهورية برهم صالح على قرارات "أكثر هدوءا"، عبر التعهد بفتح تحقيق بالعنف والاعتداءات على المتظاهرين، والتعهد بفتح ملف الفساد و"التصدي له".
ميدانيا، عادت إلى بغداد حواجز التفتيش ومشاهد أفراد الأمن وهم يقطعون الطرقات الرئيسة بشكل مفاجئ، للتدقيق بالهويات وتفتيش السيارات في مشهد تلاشى منذ نجاح القوات العراقية في كسر شوكة تنظيم "داعش" الإرهابي، وإعلانها النصر الكامل نهاية عام 2017، بتحرير كافة الأراضي العراقية من سيطرته.
وتنتشر قوات الأمن العراقية في مناطق بغداد الفقيرة تحديدا أكثر من غيرها، كونها معقل التظاهرات، في وقت يبدو الحال مشابها في الناصرية والديوانية والسماوة وأطراف النجف، كحي التنك والحواسم والحسين وحي الأرامل، وهي التسمية الشعبية لإحدى أكبر البقع فقرا في الجنوب العراقي، ولا تبرز للإعلام إلا عند الانتخابات في زيارات السياسيين والمسؤولين لها، لجمع الأصوات التي عادة ما تنتشر معها صور توزيع المواد الغذائية أو الملابس والبطانيات.
ووفقا لمصادر أمنية عراقية في بغداد، فإن الانتشار الأمني الحالي هو الأكبر بسبب المخاوف من تجدد تظاهرات أوسع في مدينة الصدر هذه الليلة، بفعل مقتل 11 متظاهرا من منطقة واحدة في مدينة الصدر، وتوعد أطلق خلال التشييع بالتظاهر.
وأضافت المصادر أن الجيش انسحب من المدينة وسلمت للشرطة الاتحادية، فيما تجري وساطات مع وجوه وزعامات اجتماعية لعدم الخروج هذه الليلة للتظاهر، ولكن لم تحسم حتى الآن، مضيفا أن التيار الصدري ورموزه رفضوا الدخول على خط الوساطة بين الأهالي الغاضبين بسبب قتل أبنائهم، وبين القوات الأمنية، رغم توسطات للمجلس المحلي في مدينة الصدر.
في المقابل، تبدو ساحات التحرير والطيران والخلاني، وسط بغداد، عبارة عن كرات كبيرة من الأسلاك الشائكة التي وضعت قربها، مع استمرار تواجد قوات الأمن التي منعت بدورها أي تجمع يزيد عن 5 أشخاص في الأزقة المقابلة لساحتي الطيران والتحرير ضمن منطقة البتاويين، أو في محلة الشيخ قرب ساحة الخلاني.
في السياق نفسه، أكدت مصادر طبية عراقية وصول توجيهات أمنية مشددة بعدم التصريح لوسائل الإعلام أو الحقوقيين بحصيلة ما لديهم من ضحايا.
وقال طبيب في مستشفى الجملة العصبية ببغداد، لـ"العربي الجديد": "في العادة نحن غير مسؤولين عن احتساب عدد الضحايا أو التحدث لوسائل الإعلام، وهناك جانب إداري يتولى المهمة، لكن تم منعهم الآن"، متابعا: "أغلب الضحايا تم تسلمهم من قبل ذويهم، وهناك جرحى ما زالوا يرقدون، وعددهم بالمئات في المستشفيات، وقسم منهم نقل إلى مستشفيات الإقليم في أربيل والسليمانية".
ورجح الطبيب أن يكون عدد الضحايا في عموم العراق قد تجاوز عتبة المائة والعشرين قتيلا، ونحو 6 آلاف و500 جريحا، غادر أغلبهم المستشفيات.