انتخابات وتلاميذ

09 ابريل 2018
لعلّ زمنهم يغدو أفضل مما نحن فيه (وسام فنش/الأناضول)
+ الخط -

موسم الانتخابات البرلمانية في لبنان يحلّ هذا العام قبل انتهاء العام الدراسي. ومراكز الاقتراع نفسها هي، في المجمل، مبان مدرسية منتشرة في مختلف الدوائر.

على هذا الأساس، يبدو موعد الانتخابات فرصة تربوية مهمة جداً تتيح للتلاميذ الذين لم يشهد معظمهم مثل هذا الحدث من قبل، إذ تعود آخر انتخابات إلى عام 2009، أن يتعرفوا به، ويخوضوا في النقاشات الدائرة حوله. وإذا كان قسم كبير من التلاميذ قد ولد قبل عام 2009 فإنّ من يدرس في الصف التاسع اليوم حتى، لم يكن يومها - في الغالب - واعياً لما يجري من حوله إذ كان في الخامسة لا أكثر.

لكن، ما هي الرسائل التربوية التي تقدمها الحملات الانتخابية فعلاً؟ وما هي القيم التي تزرعها عن غير قصد (ظاهر) في الأجيال الجديدة؟

دعونا نتفق أولاً على أنّ الخطاب السياسي في لبنان انحدر إلى درك الإسفاف في كثير من المناسبات، بل إنّ بعض السياسيين معروفون بإسفافهم اللفظي واحتقارهم لمن يتوجهون إليهم. هؤلاء باتت جماهيرهم - جماهير أحزابهم- تنتظر ألسنتهم السليطة داخل المجلس النيابي أم في مؤتمر صحافي أم في جولة شعبية أم في برنامج حواري مباشر على إحدى الشاشات أم في لقاء مفتوح أو مغلق. وتحتفي الجماهير بتلك السلاطة كأنّها مثال يحتذى. والحملات الانتخابية وما يجري حولها من نقاشات لا تختلف كثيراً إلا في ارتفاع حدة الخطاب وكثافته.

يقترح الفيلسوف الفرنسي أوليفيه ربول (1925- 1992) تعريفاً للتربية في كتابه "فلسفة التربية" هو أنّها "العمل الذي يخوّل كائناً إنسانياً أن ينمّي استعداداته الجسدية والفكرية كما ينمّي مشاعره الاجتماعية والجمالية والأخلاقية في سبيل إنجاز مهمته كإنسان ما استطاع إليه سبيلاً؛ وهي أيضاً نتيجة ذلك العمل".




هي تنمية هذا الإنسان إذاً في مختلف الجوانب. لكنّ الانتخابات تقدم كثيراً من القيم السلبية، أقلّها التسلط وإلغاء الآخر، والتوريث السياسي، والوصولية، والمال السياسي من جهة المرشحين. ولا تقتصر تلك السلبية على من يخوضون السباق الانتخابي ويطمحون للوصول إلى هذا المنصب، بل تمتد أيضاً إلى الناخبين أنفسهم خصوصاً مؤيدي القوى التقليدية ممن يقمعون بعضهم بعضاً داخل العائلة الواحدة ويمنعون خروج أصوات مناوئة لتأييدهم، وممن ينتظرون فتات الخدمات الانتخابية بدلاً من السعي إلى إرساء حقوقهم، وممن لا يمتنع بعضهم حتى عن تقاضي الرشا ثمناً لأصواتهم.

القيمة الانتخابية الأساس هي الديمقراطية، لكنّ الأخيرة تبدو غارقة في بحر من الممارسات السلبية، ومقولبة على قياس أحزاب وعائلات لا تعرف منها غير ركوبها للاستمرار في السلطة.