وفي مشهد غريب، تواجد عدد كبير من الراغبين في الترشح أمام أبواب المحاكم المصرية، تمهيداً لفتح أبوابها لاستقبال طلبات الترشح، في الانتخابات التي تبدأ جولتها الأولى الشهر المقبل. ويعيد مشهد التدافع بين المرشحين، ما كان يحدث في فترة الرئيس المخلوع حسني مبارك، لناحية تقديم عدد كبير من المرشحين أوراقهم بسبب سيطرة النظام الفردي على القانون الانتخابي. كما يُعيد إلى الأذهان مشاهد "طوابير العيش"، التي يقف فيها المصريون في الصف للحصول على حصة قبل نفاد الكمية المحددة. وقد وضع النظام القانون الانتخابي في حالة الارتباك الكبير الذي شهدته لجان تلقّي أوراق الترشح، لكونه خصّص أغلب مقاعد مجلس النواب لمقاعد الفردي لا القائمة، وهو ما زاد من عديد المرشحين الفرديين أو المستقلين.
وفي ظلّ هذا النظام الانتخابي، باتت تراود الكثيرين أحلام دخول مجلس النواب المقبل، إما بحثاً عن الشهرة من خلال حملة دعاية انتخابية، تمهيداً لدخول الانتخابات المقبلة، أو طمعاً في رسم صورة له وسط أبناء دائرته، أو رغبة في تلقّي أموال من بعض المرشحين للتنازل عن الترشح أمامهم، بحسب مراقبين.
وتكشف مصادر داخل إحدى محاكم محافظة الجيزة، لـ"العربي الجديد"، أن "عملية مراجعة الأوراق تستغرق وقتاً ليس قصيراً، ما يخلق مشاكل ومشاحنات مع الواقفين أمام مقرّ لجان تلقّي طلبات الترشح". وتضيف أن "أغلب المتقدمين غير مستوفين الأوراق، وبالتالي يضيع وقت المرشحين الجادين". وتلفت إلى أن "المشادات والمشاجرات أمام أبواب المحكمة لا تتوقف تماماً، بسبب التدافع ومحاولة الدخول إلى مقرّ المحكمة للانتهاء من تقديم أوراق الترشح". وتشير إلى أنه "من المتوقع استمرار التزاحم أمام أبواب المحاكم لبضعة أيام آتية، نظراً لعدم التمكن من الانتهاء من إجراءات تسلم أوراق الترشح في وقت قصير، من دون مراجعتها، وبالتالي عودة من لم يتمكنوا من تقديم الأوراق في اليوم التالي".
اقرأ أيضاً مصر: الاستخبارات الحربية تُفشِل دمج جبهة شفيق بقائمة السلطة
من جانبه، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن "الرغبة في خوض الانتخابات النيابية من قبل أي مواطن، حق أصيل وفقاً للدستور والقانون، طالما تنطبق عليه الشروط". ويضيف عز لـ"العربي الجديد"، أن "السبب وراء هذا التكدّس هو زيادة عدد المرشحين بسبب النظام الانتخابي الفردي، وهي مشاهد كانت توقفت مع النظام المختلط بين القائمة والفردي". ويشير إلى أن "أغلب من يتقدم بأوراق الترشح يعرف أنه لن ينجح في الانتخابات، لكنه يترشح لمآرب أخرى، لناحية تحقيق الشهرة في محيطه الاجتماعي".
ويؤكد عز أن "بعض المرشحين يسعون لعمل اسم لهم في الدائرة تمهيداً للدورة المقبلة، فضلاً عن أنها مصدر رزق لهم، ويعمد بعضهم إلى تلقّي أموال من آخرين، نظير التنازل عن خوض الانتخابات، بدعوى أنه منافس قوي، والمرشحون الآخرون يريدون تفريغ الدائرة إلا منهم فقط". ويلفت إلى أن "كثرة عدد الأحزاب على اختلافها سواء كبيرة أو صغيرة، أوجد عدداً كبيراً من المرشحين من دون أدنى شك، بغض النظر عن فرصهم وحظوظهم في الفوز".
إلى هذا، لا تزال عملية تشكيل القوائم الانتخابية والأحزاب السياسية مستمرة، ولم تستقرّ على الأسماء التي ستخوض بها الانتخابات، على الرغم من فتح باب الترشح. وتشهد القوائم والأحزاب حالة طوارئ بداخلها، من أجل الإسراع بالانتهاء من الاستقرار على الأسماء وتحديداً على مقاعد الفردي. مع العلم أن المرشحين على القوائم الانتخابية، سيجتمعون في اليومين المقبلين لحسم كافة الأمور المتعلقة بأسماء كل حزب وعدد مقاعده. وتعكس حالة الطوارئ داخل الأحزاب، المفاجأة الكبيرة التي وجّهتها اللجنة العليا لانتخابات مجلس النواب حول موعد الانتخابات، ما فتح أبواب المشاورات.
ومن المقرر أن يعقد "تحالف الجبهة المصرية" اجتماعاً مع قائمة "في حب مصر"، المدعومة من الدولة، لوضع اللمسات النهائية للاندماج بينهما، والاستقرار على أسماء الأول داخل "في حب مصر". كما يعقد حزب "المحافظين" برئاسة رجال الأعمال أكمل قرطام، اجتماعاً لتقييم مرشحيه، تمهيداً لتقديم أوراق ترشحهم.
ولا تزال أحاديث تنقّلات المرشحين بين القوائم مستمرة، إذ أعلن "ائتلاف نداء مصر"، بأنه "تلقّى طلبات من مرشحين بتحالف الجبهة المصرية وصحوة مصر". من جهته، لا يزال حزب "النور" يبحث هو الآخر، الدفع بمرشحين جدد على مقاعد الفردي، بعد تعديل قانون تقسيم الدوائر. ويقول خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية، إن "عدم انتهاء الأحزاب حتى الآن من أسماء مرشحيها، سواء على القوائم ضمن التحالفات أو على الفردي، يعكس فشلها بشكل كبير، وغياب كوادرها".
ويضيف الخبير، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب التي تملك تمويلاً كبيراً مثل حزب المصريين الأحرار، انتهت من عملية شراء المرشحين، أما الأحزاب الأخرى الأقلّ تمويلاً فتعمل على استكمال مرشحيها، للدخول في عملية تفاوض مع الشخصيات العامة، وهذا أمر قد يطول".
ويشير إلى أن "قائمة في حب مصر تحاول التحكم في القوائم لتكون هي الأقوى، وتحصد كل المقاعد على القائمة، فضلاً عن تفتيت تكتلات أخرى يخشى منها (الرئيس عبد الفتاح) السيسي. كما يتوقع أن يكون لفلول نظام مبارك كلمة كبيرة خلال الانتخابات الحالية من خلال مقاعد الفردي في دوائر نفوذهم".
اقرأ أيضاً: صراعات الأحزاب المصرية برعاية الأجهزة الأمنية