امضِ كرجل نبيل

كلّما ابتعدت عن شخص تحبه وتعشقه، تفقد الأشياء معانيها، ويصبح الطعام من دون نكهة، ولا يعود الهواء يكفيك لتتنفس، وتضيق المساحات. مع الوقت، تدرك أن كل هذا الوقت لا قيمة له. كنت قد أضعته مع أشخاص لا يعرفون قيمة أنفسهم أولاً، ولا يقدرون من يهتم بهم لأهميتهم وجمال روحهم، ولا يقدرونك أو يحترمونك. والأصعب من اتخاذ القرار، الابتعاد عن من تحب، وأنت تدرك أنك لن تتراجع عن قرارك هذا.

لا طريق أمامك إلا البحث عن قصة جديدة تحاول أن تكون بطلها مرّة أخرى لكن مع نهاية سعيدة. هذا الصباح لم تستيقظ معها، ولم تشرب القهوة معها، ولم تخرج معها، ولم تذهب الى السينما معها، ولم تصعد الباص معها. وفي المساء، لم تراقصها أو تأكل معها أو تنم بقربها. لم تسمع قصصها التي تحب أن ترويها لك. ها أنت عالق في الذكريات. كأن هناك مداً وجزراً وأمواجاً هائجة تتكسر حين تمر في بالك ذكرى جميلة تحبها. تدرك أن ليس هناك شيء أبدي.

مع ذلك، يبقى البحث عن نهايات سعيدة ضرورة أزلية في حياة الإنسان. لا شيء ثابت في هذه الحياة سوى الموت. يجدر بنا أن نحاول أن نموت سعيدين. نستحق ابتسامة أخيرة بعد هذه الحياة الشاقة. هي شاقة مهما كنّا سعيدين. لو أنني لم أبتعد عن الذين أحبهم، وحافظت عليهم، سيأتي يومٌ ويسلب مني الموت كل الحب.
يمكن لليل أن يستبق مشاعرك، ويغفيها على وسادتك. ذكرى إلى جانب ذكرى. لكن تبقى هذه المشاعر. وهذا أمر لا يستطيع العقل استيعابه ولا يقدر القلب على تهميشه. كثيراً ما يصعب على العقل استيعاب القلب.

التفكير في وسيلة تبقي الحب لأمر صعب. وإن صرخت بكل ما تملك من عشق، ولم تسمع صوت أحد ربما باستثناء صدى صوتك، فاعترف لنفسك أنك ذليل حب. وإن تذكرتها ولم تأت إليك في الحلم، فاستسلم لذكرى جميلة وامضِ كرجل نبيل.
لم تختر أن تكون ذكراً. لم تختر هويتك أو دينك أو طائفتك أو عائلتك. لكنك اخترتها مرة واحدة وكانت آخر اختياراتك.
أما أنت، فلم تكن في هذه الرواية إلا ذلك الشقي الذي لا يترك دقات قلبها تهدأ. ولن تنام طالما هناك خطأ في انتظام دقات قلبك.

الألم هو أن تبقى رهن حب زائف، لا أن تبتعد عن الذين أحببتهم أو سهرت لأجلهم أو حرصت عليهم. ها أنت تعود من عملك إلى بيتك لا بيتها. لم تنم في سريرها وتعانقها ليلاً. لم تتشاجر معها ولم تقبلها لتصالحها. هل انتهى الحب؟ كلا. فعل الحب لن ينتهي أبداً. لكن ستعشق وتكمله مع شخص آخر. اعشق إذا ما استطعت أن تعشق.

اقرأ أيضاً: أسرار صغيرة