امسك حرامي

24 يونيو 2015

السارق يستطيع أن يمحو بياناتك

+ الخط -
يمنح تطبيق يحمل اسم "امسك حرامي" بعض الهواتف الذكية إنذاراً قوياً ومزعجاً وسرياً، حيث ينبه مالك الجهاز بمحاولات سرقته، ويمكن تشغيل وتفعيل تطبيق الإنذار عن بعد من خلال سماعة البلوتوث، في حال انقطاع الاتصال بين الهاتف والسماعة بمجرد الابتعاد خطوات، فتنطلق صافرات الإنذار، كما يحمي الجهاز من محاولة التلاعب بالبيانات المحفوظة عليه.

لم أكتشف أنه كان علي استخدام مثل هذا التطبيق، إلا بعد سرقة هاتفي الذكي قبل أيام، وربما لم أهتم بحماية بياناتي المحفوظة عليه، بما فيها أرقام الهواتف والصور، بسبب ثقتي المفرطة بحرصي على هاتفي الذي يحوى أعز ممتلكاتي. ولأنني، ببساطة، لم أتعرض لحادثة سرقة حتى في سنوات الاستهتار، كالمراهقة مثلا، وكنت أرثى لمن يتعرضون لحوادث النشل والسرقات في الأفلام العربية، وأتهمهم بالسذاجة، وحفظت عن ظهر قلب موقف الشرطة الخالد لمن يتعرضون لهذه الحوادث أن القانون لا يحمي المغفلين.

بدقة أكبر، لم أكن أعرف "امسك حرامي" إلا اسماً لفيلم تابعته مراراً، حتى حفظت حركات وخفة ظل اللص المتأنق، محمود المليجي، والذي خرج عن النموذج التقليدي للصوص السينما المصرية، وأظهر قدراته الكوميدية التي نافست قدرات إسماعيل ياسين الذي وقع ضحية نصب المليجي الذي يسرق "الكحل من العين"، بخفة يده وحنكته وحلاوة لسانه.

بعد سرقة هاتفي، تذكّرت سرقة نظارة عمي الطبية في أتوبيس النقل العام في ستينات القرن الماضي، عندما كان معلماً في مدرسة ثانوية مصرية، ودخل الفصل معتذراً لطلابه أنه لن يستطيع الشرح بدونها، فسأله أحدهم عن رقم الحافلة التي كان يستقلها ووقت حدوث الجريمة، فأخبره عمي بالمعلومات مستغرباً. وفي اليوم التالي، قدم الطالب النظارة لعمي، وتبين أن الطالب من منطقة يمتهن أهلها السرقة، أباً عن جد، واستطاع انتزاع نظارة معلمه منهم. واستناداً لتلك الحادثة، نزلت إلى قاع مدينتي، فاكتشفت عالماً جديداً أول مرة، وأدركت أن الفقر قادر على أن يخلق هذا العالم في مصر، أو في غزة، فهناك أسواق ومحلات متخصصة لشراء الهواتف المسروقة وبيعها. جبت المكان، أملاً في أن أعثر على هاتفي معروضاً أمام الباعة الذين ينظرون بنظرات الريبة إلى كل من يصل إلى تجمعاتهم. ولكن، لم يمنع ذلك أن أسأل عن هاتفي، بعد أن أدليت بمواصفاته لهم، فوعدوني بالبحث عنه، وإعادته لي، بعد أن منيتهم بمكافأة أسالت لعابهم، وطلبوا مني الصبر والانتظار، فقط لحكمة يعلمونها.

انزاحت من أمام عيني الغمامة المتفائلة والواثقة بمجتمعي، بعد سماعي عشرات القصص عن حوادث سرقة تستهدف الهواتف وحافظات النقود، وحل الشك في تصرفات من حولي من المارة، بعد سرقة الهاتف من حقيبتي وفي وضح النهار. واهتزت ثقتي بالتكنولوجيا الحديثة التي لا يمكن أن تحمي خصوصيتنا من أرقام الهواتف والصور الشخصية والعائلية التي نلتقطها في المناسبات المختلفة، ونحرص على زيادة عددها، لأنها سريعة الالتقاط، خصوصاً صور "سيلفي"، مقارنة بالصور الفوتوغرافية التي تحتاج إلى وقت طويل من أجل الإعداد لها، من المصور وممن يرغب بالتصوير، وقد كنا نجمع الصور الفوتوغرافية في ألبوم ضخم، تخفيه الأم في خزانة خاصة. وحين يمتلئ الألبوم، كانت الأم تجمع الصور في علبة شوكولاتة فارغة، وغالباً ما تتكدس الصور داخلها، فتضطر الأم إلى ربط العلبة المعدنية بشريط مطاطي، وعلى الرغم من ذلك لم تسمح لضياع هذه الصور التي تحمل لقطات "دبلوماسية" غالباً.
وكذلك كنا نفعل بخصوص أرقام الهواتف، حيث ندوّنها في دفاتر ضخمة مرقمة ومقسمة حسب الأحرف الأبجدية، وتوضع في مكانها المقدس بجوار الهاتف. وهكذا لم نفقد أي رقم هاتف أيضاً، ولكن، في عالم التكنولوجيا نتوهم أن بياناتنا لا يمكن أن تخترق أو تمحى، لكن السارق يستطيع أن يسطو عليها، ويمحوها في لحظةٍ، إن أغفلنا تأمينها، مستخدمين نظام الحماية، "أي كلاود" مثلاً.
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.