طغى التشكيك في إمكان صمود الهدنة في سورية التي بدأ تطبيقها عند منتصف ليل الجمعة - السبت، على التصريحات المرتبطة بالملف السوري أمس الجمعة، على الرغم من الدفع الأميركي والروسي خصوصاً، في الأيام الأخيرة لجعل كافة الأطراف السورية المعنية بالهدنة توافق على الالتزام بها، وهو ما تحقق فعلاً مع إعلان المعارضة السورية أمس التزامها بالهدنة عقب تفويض 97 فصيلاً من المعارضة للهيئة العليا للمفاوضات باتخاذ القرار فيما يتعلق بالهدنة، بعدما كان النظام أعلن سابقاً التزامه مع تمسكه برواية مواصلة مواجهة "الجماعات الإرهابية". فيما بقيت عقدة عدم شمول مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية بالهدنة، أبرز العقبات التي تهدد بنسف وقف إطلاق النار.
تشكيك دولي
وبدا أن كل طرف يشكك في نوايا الآخر، ويتخوّف من إقدامه على إفشال امتحان الهدنة، وهو ما تجلّى في تحذير الرئيس الأميركي باراك أوباما، النظام السوري وروسيا من أن العالم سيراقب بانتباه احترام تعهداتهما بشأن وقف إطلاق النار. فيما كان نظيره الرئيس فلاديمير بوتين، يؤكد عزمه مواصلة ضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة"، "بلا هوادة". بينما كانت الرئاسة التركية تعرب عن "قلقها الكبير" بشأن صمود وقف إطلاق النار. وسبق دخول الهدنة حيز التنفيذ، سلسلة اجتماعات دولية لتوفير الدعم لها، بما في تأييد مجلس الأمن الدولي خطة اتفاق الهدنة وطالب كافة الأطراف بتطبيقها. وأكد أوباما بعد اجتماع لمجلس الأمن القومي الأميركي في واشنطن، أن الأيام المقبلة ستكون "حاسمة" بالنسبة لسورية و"العالم سيراقب"، مشدداً على مسؤولية النظام السوري وروسيا في هذه المرحلة الأولى من المساعي لإنهاء "الفوضى" في سورية. وقال أوباما إن "وقف المعارك، يُشكّل مرحلة ممكنة لإنهاء هذه الفوضى".
من جهته، رأى بوتين أن تسوية سلمية للنزاع في سورية ستكون "صعبة" لكن لا حل سواها، معتبراً خلال اجتماع مع قادة أجهزة الاستخبارات الروسية، أن وقف إطلاق النار يهدف إلى "الدفع في اتجاه تسوية سياسية للنزاع وتوفير الظروف من اجل ان تبدأ مثل هذه الالية". غير أن بوتين توعد بمواصلة ضرب تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" والمنظمات الإرهابية الأخرى التي يصنفها مجلس الأمن الدولي كذلك، والمستبعدة من وقف إطلاق النار.
من جهته، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن على واشنطن وحلفائها الامتناع عن الكلام "عما يشبه خطة بديلة لسورية، أو الإعداد لعملية برية وإقامة ما يشبه مناطق عازلة غير مجدية" في حال فشل وقف إطلاق النار. كما اعتبر في تصريحات نقلها موقع "روسيا اليوم" أن "هناك فرصة جيدة لتثبيت التحول الإيجابي الذي تم إحرازه في التسوية السورية، لكنه أكد أن لا أحد يمكن أن يضمن بنسبة مئة بالمئة نجاح اتفاق الهدنة".
لكن التشكيك الأكبر بصمود الهدنة جاء من تركيا، إذ أعرب المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين عن "القلق الكبير" لبلاده في هذا الشأن. وقال كالين خلال مؤتمر صحافي في أنقرة أمس: "ندعم مبدئياً وقف إطلاق النار. واضطلعت تركيا بدور ناشط في اتخاذ مثل هذا القرار" غير أنه أبدى في الوقت نفسه قلقه "بشأن مستقبل هذه الهدنة بسبب استمرار القصف الروسي وهجمات قوات الأسد على الأرض".
اقرأ أيضاً: أوباما يحذر موسكو:العالم سيراقب وقف إطلاق النار في سورية
داريا تحسم مصير الاتفاق
إزاء هذه المخاوف، كان الطيران الروسي يكثّف قصف مناطق المعارضة قبيل ساعات من بدء الهدنة، وخصوصاً في الغوطة الشرقية شرق دمشق، وفي ريف حمص الشمالي وفي ريف حلب الغربي، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من المدنيين، فضلاً عن دمار واسع في الأبنية، والممتلكات.
وأعلنت الهيئة العليا للمفاوضات موافقة فصائل الجيش الحر والمعارضة المسلحة على الالتزام بالهدنة لمدة أسبوعين، مشيرة إلى ضرورة استيفاء الملاحظات التي أبدتها على مسودة مشروع الهدنة الذي تقدّمت به الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا. وقال المنسّق العام للهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب في بيان: "هدفنا من الهدنة هو إتاحة مجال تنفيذ البنود الإنسانية في قرار مجلس الأمن 2254، ولا بد أن تكون الالتزامات المفروضة في الهدنة متوازنة وشاملة وملزمة لجميع الأطراف، وأن تتم صياغتها بصورة واضحة ومحددة وفق آليات عمل لا يمكن الخلاف عليها مستقبلاً". كذلك أشارت الهيئة إن الموافقة تأتي عقب تفويض 97 فصيلاً من المعارضة للهيئة العليا للمفاوضات باتخاذ القرار فيما يتعلق بالهدنة، مشيرة إلى أنه تم تشكيل لجنة عسكرية يرأسها المنسق العام للهيئة للمتابعة والتنسيق.
وهددت المعارضة السورية المسلحة بعدم الالتزام ببنود الهدنة في حال استهدفت قوات النظام مدينة داريا. وقال رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر العميد أحمد بري، لـ"العربي الجديد"، إن موقف الجيش الحر مطابق تماماً لموقف الهيئة العليا للمفاوضات، مضيفاً: "اتفقت الفصائل والهيئة على أن أول طلقة من النظام وحلفائه على داريا بعد الساعة صفر، ستكون الهدنة في حكم المنتهية".
الأمر نفسه أكده رئيس مكتب العلاقات الخارجية في "جيش التحرير" في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، رائد عليوي، قائلاً في تصريح لـ"العربي الجديد": "عند إطلاق طلقة واحدة باتجاه داريا تُعتبر الهدنة بحكم ملغاة". وأضاف عليوي: "نحن في جيش التحرير مع الهدنة لتخفيف معاناة أهلنا، ونحن فوّضنا الهيئة العليا للمفاوضات في هذا الشأن". وأشار إلى أن "جبهة النصرة" أخلت كل المقرات في جبل الزاوية وسرمدا في ريف ادلب "لحقن الدماء"، مضيفاً: "هذه كانت مبادرة طيبة من جبهة النصرة، وبالتالي لم يبقَ أية حجة للروس وعصابة الأسد لقصف مناطقنا". من جهته، اكتفى قائد الفرقة 13 التابعة للجيش السوري الحر، المقدّم أحمد السعود، بالقول: "سنلتزم بشروط الهدنة".
كما أكد المتحدث باسم حركة "نور الدين الزنكي" في حلب وريفها النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن الحركة مع أي جهد يهدف إلى وقف نزيف الدم السوري، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "لكننا لا نثق بالمحتل الروسي خصوصاً في ظل استثناء النصرة من الاتفاق، ما سيكون حجة لقصف الثوار والمدنيين"، لافتاً إلى أن الأمر لن يكون جدياً من دون تطبيق القرارات الدولية في الموضوع الإنساني بإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين، وفك الحصار عن القرى، والمدن المحاصرة من قبل قوات النظام والمليشيات الطائفية. وشدد عبد الرزاق على أن "الهدنة لن تكون حقيقية ما لم يتم تطبيق خطة سياسية للحل في سورية"، معتبراً أن رئيس النظام بشار الأسد "بدأ بتحدي المجتمع الدولي بإعلانه عن انتخابات في أبريل/نيسان المقبل، وهذا يتنافى مع مقررات كل البيانات والاتفاقات الدولية حول خارطة الحل في سورية".
كما أعلن "جيش النصر"، الذي يضم عدة فصائل ويقاتل قوات النظام في ريف الساحل، وريفي حماة وإدلب، وريف حلب، موافقته على الهدنة المؤقتة، وقال مدير المكتب الإعلامي في الجيش محمد رشيد، في تصريح لـ"العربي الجديد": "نحن فوضنا الهيئة العليا للمفاوضات في هذا الشأن".
اقرأ أيضاً: فصائل الجيش السوري الحر توافق على الهدنة