امتحان الثانوية العامة... حالة طوارئ في 170 ألف بيت أردني

14 مارس 2019
في الصف (توماس تروتشيل/ Getty)
+ الخط -


يشارك عدد من الأهالي والتلاميذ في الأردن في احتجاجات رفضاً لقرار حصر امتحان الثانوية العامة في دورة واحدة. وعلى الرغم من مطالبة البعض بالتراجع عن القرار، ثمة من يدافع عنه

بمجرّد وصول أحد أفراد العائلة في الأردن إلى الثانوية العامة (التوجيهي)، يشعر الأهل بكابوس جاثم فوق صدورهم. وتعلن حالة طوارئ في أكثر من 170 ألف بيت أردني لمدة عام كامل. لعلّ ذلك يعود لعوامل عدة أبرزها الخوف من الفشل، والاعتقاد بأن النجاح في التوجيهي مفتاح النجاح في الحياة، ما يشكّل عبئاً نفسياً كبيراً على التلاميذ وأهلهم.

وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، شهد الأردن اعتصامات شارك فيها عدد كبير من تلاميذ المرحلة الثانوية وأهلهم أمام وزارة التربية والتعليم في العاصمة عمان، ومديريات التربية في المحافظات، احتجاجاً على نظام التوجيهي الجديد (الفصل الواحد)، في وقت أكدت الوزارة أن إجراء امتحان شهادة الثانوية في دورة واحدة بدأ خلال العام الدراسي الحالي 2018 ــ 2019 ولا عودة عنه.

ويطالب مناهضو القرار وزارة التربية بإعادة دراسة قراراتها المتعلقة باعتماد نظام الفصل الواحد، والعودة إلى النظام السابق أي الفصلين. ويقول هؤلاء إن هذا القرار ستكون له أضرار مادية ومعنوية، مناشدين الجهات المعنية ضرورة العودة عن القرار الذي لن يصب في مصلحة العملية التعليمية، علماً أن التلميذ عنصر رئيسي فيها. يُشار إلى أن عقد دورة واحدة يوفّر على وزارة التربية مبلغاً قد يصل إلى عشرة ملايين دينار (14 مليون دولار). من جهة أخرى، فإن عقد دورة واحدة يضرّ بمصالح المدرّسين والمراكز المرتبطة بحصص التقوية والدروس الخصوصية، ويسبب خسائر مادية كبيرة للذين يعتمدون على الدروس الخصوصية لتحقيق مكاسب مادية. ولا يمكن القول إنه يوجد في التعليم منهاج مثالي، إذ إن كافة الأنظمة تخضع للتجربة قبل الحكم عليها، ولا يمكن إصدار أحكام مطلقة على تجربة في بدايتها.



يقول الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم وليد الجلاد لـ"العربي الجديد"، إن قرار الانتقال من نظام الفصلين إلى فصل واحد، اتخذ منذ عام 2015. ومنذ ذلك الوقت، عقدت الوزارة ورشات عدة ونشرت توضيحات وأعدت فيديوهات حول النظام الجديد بهدف إيصال الرسالة بوضوح. ويضيف أن القرار كان نتيجة أعمال لجنة تطوير الثانوية العامة المشكّلة بقرار من مجلس التربية، وضمت نخبة من الوزراء السابقين والأعيان والنواب وعضواً من مجلس نقابة المعلمين ومجموعة من أساتذة الجامعات والتربويين من أصحاب الخبرة والاختصاص. ويقول الجلاد إن القرار جاء للتخفيف من الضغط النفسي الزائد الذي يعاني منه التلاميذ وعائلاتهم نتيجة الدورتين، وتقليل عدد الامتحانات التي تشكل عبئاً دراسيّاً على التلميذ، إذ إن التلميذ سيقدم في نظام السنة الواحدة 8 أوراق امتحانية، في وقت يتراوح عددها ما بين 14 و18 في نظام الفصلين. ويشير إلى أن هناك أهدافاً مستقبلية خلف القرار، منها إجراء الامتحانات على الكومبيوتر، ما يتيح للتلاميذ التقدم للامتحان أكثر من مرة، وخلال فترة زمنية أكبر. كما تتبع هذه الدورة، أخرى تكميلية تتيح للتلاميذ الراغبين في رفع معدلاتهم الاستفادة منها خلال شهر أو شهرين، بدلاً من الانتظار عاماً كاملاً كما في النظام السابق. ويضيف الجلاد: "يسمح للطلبة ضمن النظام الجديد التقدم لعدد مفتوح من الدورات الامتحانية؛ ما يتيح لهم مزيداً من فرص النجاح ورفع المجموع، ويبعدهم عن السفر إلى بلدان غير آمنة للحصول على الثانوية العامة".

في هذا الإطار، قرر مجلس الامتحان العام في وزارة التربية والتعليم عقد امتحان الثانوية العامة لورقتين امتحانيتين في جلستين منفصلتين، وعلى يومين لعدد من المباحث خلال الدورة الصيفية المقبلة للامتحان، وفي حال عقد الامتحان بورقتين امتحانيتين لمبحث (مادة) ما، يكون مجموع العلامات لكل ورقة امتحانية 200 علامة، ثم يؤخذ المتوسط الحسابي للورقتين ولا يشترط النجاح في كل ورقة امتحانية لوحدها.

بدورها، تقول التربوية المتخصصة في مجال الإرشاد والصحة النفسية نجوى حرز الله لـ"العربي الجديد" إن امتحان الثانوية العامة يربك الجميع لما له من تحضيرات مادية ومعنوية، وآثار نفسية على التلاميذ والأهل. وتوضح: "في بداية الأمر، بينت ردود الفعل الأولى أن التلاميذ وأهلهم لم يستحسنوا هذا النظام، خصوصاً لما يشكله من إرهاق جسدي وتعب. لكن عندما طرحت وزارة التربية والتعليم أسس تقديم الامتحان، وفهمها الجميع، لاقت قبولاً نسبياً من التلاميذ وذويهم. وتضيف حرز الله أنّ تربويّين اعتبروا هذا النظام أكثر عدالة؛ ففي نظام الفصلين، قد تكون الأسئلة أسهل أو أصعب من الفصل الثاني. أمّا في نظام الفصل الواحد، فيخضع جميع التلاميذ لنفس مستوى الأسئلة، مشيرة إلى أن نظام الفصل الواحد يخفّف من التوتر والقلق لدى الأهل والتلاميذ، ويعطي الطالب فرصة أكبر للدراسة. وتشير إلى أن لهذا النظام سلبياته أيضاً، فالتلميذ في الفصل الواحد لا يستطيع تحديد أسباب الإخفاق. أما في نظام الفصلين، فتعطي نتائج الفصل الأول مؤشراً على السلبيات التي ارتكبها التلميذ في الامتحان. أما في نظام الفصلين، فيصعب تلافي السلبيات.



وتوضح حرز الله أن العديد من التلاميذ يرجئون الدراسة إلى وقت متأخر، بحجة أن امتحانات الفصل الثاني بعيدة. لكن عندما يقترب الامتحان، يدرك مدى الجهد المطلوب بذله، وكم أضاع الطالب من الوقت. وتقول إنّ إقرار الفصل الواحد يتطلّب من الوزارة تغييراً نوعياً في المواد الدراسية، بهدف تخفيف بعض المواد على التلميذ، حتّى لا تكون المادة الدراسية عبئاً عليه. وعندما تكون المادة بحجم كبير، سيكون التركيز منصباً على كيفية إنهاء المادة وليس كيفية دراسة المادة.

وتتابع: "علينا التفكير في المصلحة المشتركة للطالب والوزارة وأهالي التلاميذ الذين يعانون أكثر من أولادهم في بعض الأحيان. هم يعانون مادياً ويعتمدون على الدروس الخصوصية وهي مكلفة، عدا عن الإرهاق النفسي. وفي النهاية، تعكس نتائج التلميذ جهد الأهل لإيصال أبنائهم إلى بر الأمان، والدخول إلى الجامعة، ما يُعَد أمراً لا بد منه بغض النظر عن التخصص الذي يدرسه التلميذ".

وتنصح حرز الله التلاميذ بالدراسة أولاً بأول، واستغلال الوقت بالدراسة المنظمة، وألا يعتقد التلميذ أن لديه وقتاً طويلاً في نهاية العام المدرسي للدراسة، إذ إن تكرار دراسة المادة يسهل على التلميذ فهم مضامينها وبالتالي تذكرها.
المساهمون