اليمين الأوروبي يستثمر آلام باريس ضد المهاجرين والحدود المفتوحة

22 نوفمبر 2015
تشهر لوبان ورقة الأجانب بكل المناسبات (شارلي تريبالو/فرانس برس)
+ الخط -
عالم ما قبل هجمات باريس ليس كما بعدها. كل المعطيات تشير بوضوح إلى أنّ الأوضاع لن تكون كما كانت عليه في فرنسا والعالم أجمع، بحسب افتتاحيات صحف بريطانية، مثل "ذا غارديان"، التي اعتبرت هجمات باريس "نقطة تحوُّل كبرى في العالم، وتشبه إلى حدّ كبير ما حدث بعد 11 سبتمبر/ أيلول 2001".

لكن من أسوأ تداعيات هجمات باريس، انقضاض اليمين الأوروبي على جثث الضحايا وآلام ذويهم، وإشهار فزّاعات المهاجرين والحدود والإسلام للدفع بأجنداته العنصرية وتعزيز رصيده السياسي، الذي لا يمكن لأحد تجاهل تصاعده خلال السنوات الخمس الأخيرة، ولا سيما مع تصاعد مخاوف الرأي العام الأوروبي من موجات المهاجرين التي تتدفق على القارة الأوروبية وما يرافقها من مخاطر أمنية واجتماعية.

وتزعم الحملات اليمينية المتشدّدة بأنّ المهاجرين، وخصوصاً المسلمين، سيغيّرون الطبيعة الثقافية لأوروبا وسيعملون على "أسْلَمتها" والإضرار بأنظمتها العلمانية، إضافة الى ضربهم للاقتصاد، وتسبُّبهم بزيادة البطالة في صفوف المواطنين. ناهيك عن خطر تسرُّب عناصر من الجماعات المتشدّدة المنتشرة في الشرق الأوسط وسط اللاجئين. وهو ما عبّر عنه رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، في مقال نشرته صحيفة ألمانية، بالقول إنّ "تدفُّق اللاجئين إلى أوروبا، ومعظمهم من المسلمين، يهدّد الهوية المسيحية للقارة".

الموقف ذاته صرّح به النائب الهولندي عن أقصى اليمين، غيرت فيلدرز، عندما اعتبر موجة المهاجرين التي تتدفق إلى أوروبا بمثابة "غزو إسلامي". أما زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية، اليمينية مارين لوبان، فكتبت على صفحتها عبر "تويتر"، مستغلّة هجمات باريس: "يجب أن تُباد الأصولية الإسلامية وتُغلق المساجد التي تدعو إلى التطرف، ويُطرد الأئمّة المتشددون".

وُجّهت سهام الأحزاب اليمينية الأوروبية أيضاً نحو الحكومات الأوروبية المؤيدة للحدود المفتوحة، إذ ترى حركة "بغيدا" الألمانية المعادية للإسلام خصوصاً والمهاجرين عامة، أن تفادي وقوع اعتداءات في ألمانيا، لن يكون ممكناً "ما لم يوضع حد لتدفق طالبي اللجوء وتأمين الحدود كما يجب".

اقرأ أيضاً: اليمين المتطرف يستغل اعتداءات باريس... واللاجئون خائفون

هذه النزعة المعادية للمهاجرين تجد أصداءً على امتداد خارطة الأحزاب اليمينية الأوروبية، إذ صرّح عضو في الحزب الكاثوليكي المحافظ في بافاريا، ماركوس سودر، للصحف الألمانية، أخيراً، "ليس كل اللاجئين إرهابيين، لكن من السذاجة القول بعدم وجود أي مقاتلين ضمن اللاجئين". أما رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، فشدّد على "المخاطر الأمنية الهائلة المرتبطة بموجة الهجرة". ورأى وزير الشؤون الأوروبية، البولندي المحافظ كونراد زيمانسكي، أنّ بلاده لن تكون قادرة على احترام الاتفاقات الأوروبية حول خطة توزيع اللاجئين.

كما طلب النائب الشعبوي الهولندي، غيرت فيلدرز، على صفحته عبر "تويتر"، من رئيس الحكومة "إغلاق حدودنا فوراً". ولطالما انتقد زعيم حزب الاستقلال البريطاني، نايغل فراغ، الاتحاد الأوروبي، وألمانيا خصوصاً، بسبب فتح حدودهما أمام موجات المهاجرين القادمين من شرق المتوسط وجنوبه. 

أمّا في بريطانيا، فلا شكّ أن هجمات باريس ستعزز وجهة نظر المعارضين لاستمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتهم حزب "الاستقلال"، صاحب شعار "بريطانيا أولاً"، وخلفه أكثر من نصف الرأي العام البريطاني. وكشف استطلاع للرأي، أجراه مركز "سيرفيجين"، أخيراً، حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو البقاء فيه، عن أنّ نسبة الراغبين في ترك الاتحاد تجاوزت الـ50 في المائة، بينما يؤيد 47 في المائة من البريطانيين الاستمرار في عضويته. وقال المركز الذي أجرى استطلاع الرأي لصالح حملة "الخروج من الاتحاد الأوروبي، Leave EU"، التي تدعو إلى خروج بريطانيا من الاتحاد، إنّ 53 في المائة من أصل 2007 أشخاص شاركوا في استطلاع الرأي بين يومي 9 و11 نوفمبر/ تشرين الثاني، طالبوا بخروج بريطانيا، مقابل 47 في المائة رفضوا الأمر.

واستثنى المركز من نتائجه أولئك الذين لم يحسموا أمرهم بعد. وعلى الرغم من أنّ رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يميل لجهة بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، "بعد إصلاحه"، إلّا أنّه حذّر، الأسبوع الماضي، من احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد إذا لم تجد مطالب بريطانيا بالإصلاح "آذاناً صاغية".

في الوقت الذي تنشغل فيه الدوائر السياسية والأمنية الأوروبية بالهواجس الأمنية والبحث عن وسائل سد الثغرات، والقيام بضربات استباقية لتفادي تكرار هجمات باريس في أي مدينة أوروبية، يستغل اليمين الأوروبي فاجعة باريس لتمرير خطابه العنصري وتوسيع قاعدة شعبيته عبر أوروبا، وهو الأمر الذي لا يرى فيه عقلاء أوروبا إلّا "توسيعاً لدائرة نار التطرف والإرهاب بصبّ المزيد من زيت التحريض والكراهية". 

اقرأ أيضاً: مولنبيك ــ بروكسل... عاصمة أوروبية لـ"جهاديي" العالم

المساهمون