اليمن وضرب أنابيب النفط وانخفاض الأسعار
قبل إعلان الانهيار..
في الحقيقة، يبدو أن القرار الذي صدر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي قضى بتشكيل لجنة اقتصادية، لدراسة الوضع الاقتصادي والمالي في اليمن، من أجل إيجاد بدائل ومصادر أخرى، من أجل رفد خزينة الدولة، وخصوصاً بعد أن تم تخفيض أسعار المشتقات النفطية بحاجة إلى مراجعة وتعديل، وخصوصاً فيما يتعلق بالمادة رقم (4)، والتي نصت على أن "تقدم اللجنة خطتها ومصفوفتها التنفيذية المزمنة والملزمة إلى الحكومة، في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ تشكيلها".
فهناك متغيرات جديدة تحتم على رئيس الحكومة تقليص مدة عمل اللجنة إلى شهر واحد حداً أقصى.
فانخفاض أسعار النفط عالمياً من 110 دولار للبرميل إلى 68 دولاراً للبرميل، بدأ يلقي بظلاله بكل قوة على الاقتصاد اليمني، وستظهر تأثيراته السلبية عليه في الأيام القريبة المقبلة أكثر وأكثر، بشكل واضح، وسوف يصل تأثيره إلى كل منزل، ما لم يتم تدارك ذلك الأمر بشكل سريع، وتسريع عمل اللجنة الاقتصادية، فبحسب كل المؤشرات، لن يحتمل اليمن انتظار انتهاء عمل اللجنة الاقتصادية، بعد ثلاثة أشهر.
إن تراجع احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي اليمني إلى 4.9 مليار دولار في أكتوبر الماضي ليس أمراً سهلاً، خصوصاً في ظل التطورات الجديدة التي تدل على أن ذلك التراجع سوف يستمر ويتسارع، كل يوم، أكثر وأكثر، بسبب الخسائر التي تتكبدها الحكومة اليمنية يومياً، بسبب انخفاض أسعار النفط عالمياً.
فلو استمر وتسارع ذلك التراجع في احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي، فسوف تبدأ الشركات العالمية بأشكالها كافة، بتوقيف تعاملاتها التجارية، سواءً مع الحكومة اليمنية، أو التجار اليمنيين عن طريق فتح الاعتمادات البنكية، وسوف تطلب منهم الدفع نقداً في مقابل أي بضائع غدانية، أو مواد أخرى، يريدون شراءها واستيرادها من الخارج، بسبب عدم وجود ضمانات مصرفية، تضمن لتلك الشركات العالمية قيمة بضائعهم. وبكل تأكيد، لن يستطيع معظم تجار اليمن، وبتنوع نشاطاتهم التجارية، استيراد كميات كبيرة من المواد التي يستوردونها حالياً، وفي مقدمتها المواد الأساسية، كالحبوب والقمح، لتغطية حاجيات السوق اليمنية عن طريق الدفع النقدي للشركات الأجنبية، لأن ذلك شبه مستحيل، ويحتاج أموالاً نقدية كبيرة جداً، وسوف يؤدي ذلك إلى اضطرار كبار المستوردين في اليمن إلى عمل تقليص كبير في الكميات والبضائع المستوردة بأشكالها كافة، بسبب أنهم أصبحوا ملزمين بالدفع نقداً للشركات العالمية المصدرة، الأمر الذي سوف يؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار، بسبب توقف مستوردين كثيرين عن الاستيراد، بسبب عجزهم عن الدفع نقداً، وذلك سوف يؤدي إلى احتكار البضائع من مجموعة محدودة من كبار المستوردين اليمنين القادرين على الدفع والاستيراد النقدي، كما إن ذلك سوف يؤدي الى تدنٍ كبير في التحصيل الجمركي للدولة، إضافة إلى تداعيات أخرى كثيرة.
فاليمن كان، ومازال، يعاني من مشكلة ضرب أنابيب النفط، الأمر الذي كان، ومايزال، يمنع تدفق أموال كثيرة إلى خزينة الدولة، أما، حالياً، فلقد أصبحت اليمن لديها مشكلة أخرى، إضافة إلى مشكلتها السابقة، وهذه المشكلة سوف تجعل الوضع الاقتصادي في اليمن يتفاقم أكثر، وأكثر في الأيام المقبلة، وهي انخفاض سعر برميل النفط عالمياً من 110 دولار للبرميل إلى 68 دولار للبرميل، واليمن يعتمد، بشكل رئيسي، في الموازنة العامة على عائدات الصادرات النفطية، ولا يستطيع أحد التكهن، ومعرفة إلى متى سوف يستمر انخفاض أسعار النفط عالمياً، فقد يستمر ذلك الأمر لعدة سنوات.
فحتى لو افترضنا جدلاً أن اليمن، وبكل عزيمة، استطاع، حالياً، القضاء على ظاهرة ضرب أنابيب النفط في خلال الشهر الحالي، لكي لا تتكالب المشكلات على الاقتصاد اليمني، من كل جانب، وللتخفيف من سرعة حركة دوران عداد الانهيار الاقتصادي للبلاد، فلا يبدو أن الاقتصاد اليمني سوف يتعافى بسبب المشكلة الإضافية الجديدة التي طرأت عليه، وهي انخفاض أسعار النفط عالمياً، فاليمن أصبح يخسر بسبب ذلك الانخفاض العالمي، وباعتباره مشكلة منفصلة عن مشكلة ضرب أنابيب النفط يومياً نحو 40 دولار في البراميل الواحد، فإذا كانت اليمن تصدر، حالياً، كل يوم حوالى 250 ألف برميل نفط، فذلك يعني أن اليمن تخسر يومياً عشرة ملايين دولار، أي ما يعادل شهرياً 300 مليون دولار تقريباً.
علينا جميعاً أن لا ننتظر حتى ينهار الاقتصاد، ويقع الفأس في الرأس، فحينها لن تكون أي حلول مجدية، ويجب المسارعة في اتخاذ إجراءات وقائية سريعة، وإعلان حالة الطوارئ الاقتصادية داخل اللجنة الاقتصادية التي تم تشكيلها، وإلزامها بالعمل ليلاً ونهاراً، من أجل سرعة تقديم وتنفيذ خطة إنقاذ اقتصادية عاجلة، لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار.