لا يزال الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، رغم الاستقالة الخطيّة التي تقدّم بها في الثاني والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي إلى البرلمان، الرئيس الشرعي، وفق دستور الجمهورية اليمنيّة النافذ والاتفاقات السياسيّة التي مدّدت ولايته الرئاسية الانتقالية، بعدما كان مقرراً أن تنتهي أول من أمس.
وتنصّ المادة 115 من الدستور اليمني، على أنّه "يجوز لرئيس الجمهورية أن يقدم استقالة مسببة إلى مجلس النواب، ويكون قرار مجلس النواب بقبول الاستقالة بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، وإذا لم تقبل الاستقالة، فمن حقّه خلال ثلاثة أشهر أن يقدم الاستقالة، وعلى مجلس النواب أن يقبلها".
اقرأ أيضاً: هادي يتمسك بشرعيته: كل الإجراءات بعد 21 سبتمبر باطلة
وفي سياق متّصل، يشير المحامي والخبير القانوني، هائل سلام، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، إلى أنّه "من اللافت أنّ استقالة هادي كُتبت على أوراق عادية وليس على أوراق رسميّة، وبالتالي ليس هناك ما يؤكد صحة صدورها عنه، وليس مؤكداً أنّ التوقيع الذي مُهر به خطاب الاستقالة يعود إلى هادي فعلاً".
ويرى سلام أنّه "مع ذلك، وحتى إن تجاوزنا هذه الملاحظة، فالاستقالة لم تُقبل بعد من مجلس النواب الذي وُجّهت إليه أصلاً، وللرئيس، وفق نصّ الدستور، حقّ الرجوع عن الاستقالة، قبل قبولها"، معتبراً أنّ "البيان الصادر مساء السبت عن هادي، بعد مغادرته إلى عدن، يعني، في ما يعنيه، تراجعه ضمناً عن الاستقالة، على افتراض صحّة صدورها عنه بداية". ويعتبر أنّ ذلك "أمرٌ مفهوم ومبرر بالنظر إلى وجوده في عدن وزوال الأسباب التي اضطرته إلى تقديم استقالته المفترضة".
وكان هادي بعد إفلاته من الإقامة الجبريّة، ووصوله إلى عدن، أصدر مساء السبت بياناً، لم يتطرق فيه البتّة إلى مسألة الاستقالة، مكتفياً بإعلان تمسّكه باستكمال العملية السياسية المستندة إلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية كمرجعيّة رئيسيّة. وقال إنّ أيّ قرارات أو إجراءات تمّت بعد 21 سبتمبر/أيلول الماضي باطلة ولا شرعية لها.
وخلال الفترة الماضية، تعذّر اجتماع البرلمان للنظر في استقالة الرئيس، بسبب الخلافات بين القوى السياسية، إذ إنّه وفقاً للمبادرة الخليجية التي قامت عليها المرحلة الانتقالية، تصدر قرارات البرلمان بالتوافق بين الكتل السياسية وليس بالأغلبية. وكان حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبد الله صالح، ويمتلك الأغلبية في البرلمان، مؤيداً للاستقالة، لكنّ بقية القوى الأخرى لم توافق عليها.
وبناء على استنتاجات قانونيّة، فإنّ استقالة هادي لا تعدو كونها "بلاغاً إلى البرلمان والرأي العام، حول تعذّر قيامه بواجباته، جراء فعل عدوان، مورس في حقه"، ويتمثّل بانقلاب الحوثيين، ما يعني أنّ مجلس النواب، في حال انعقاده، كان يتوجب عليه أن ينظر في الأسباب، وإدانة فعل العدوان وليس قبول استقالة غير مؤكدة.
اقرأ أيضاً: اليمن: سيناريوهات ما بعد عودة هادي إلى عدن
من الناحية المبدئية، لا تُعدّ شرعية هادي في السلطة، مستمدة من صلب الدستور، بقدر ما هي مستمدة من التوافقات السياسيّة، التي تعتبر الدستور مرجعيّة لها، إذ انتُخب هادي في 21 فبراير/شباط 2012، بانتخابات غير تنافسية، جاءت أقرب إلى استفتاء، وهو الأمر الذي لا يتطابق مع الدستور، ولكنه يتوافق مع مبادئ المبادرة الخليجية والآلية الأممية الملحقة بها، باعتبار أنّ المبادرة الخليجيّة ليست إعلاناً دستورياً معطلاً للدستور النافذ بكل مواده، بل عطّلت مادتين فقط، تتّصل الأولى بآليّة انتخاب الرئيس، والأخرى بآلية اتخاذ القرارات في مجلس النواب (توافق بدلاً من تصويت).
الولاية الرئاسية
وكان من المقرر أن تنتهي فترة هادي الرئاسية قبل عام من الآن، لكنّ جرى تمديدها بموجب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في الفترة الممتدة بين مارس/آذار 2013 ويناير/كانون الثاني 2014، إلى حين الانتهاء من صياغة دستور جديد للبلاد، وهو ما لم ينتهِ حتى اللحظة.
وإذا كان هادي لا يزال الرئيس الشرعي، من الناحية الدستوريّة، وتدعمه بعض مواقف القوى السياسية والقوى الدوليّة، لكنّ هذه الشرعية تبقى حجّة قانونية تعوزها السيطرة، التي تمكِّن الرئيس من أداء مهامه. وفقد هادي عملياً السيطرة على مركز الدولة، وتعتمد شرعيته المقبلة على الطريقة التي سيمارس بموجبها هذه الشرعية. ويبدو هادي الموجود في عدن أمام خيارين، فإما يتمكّن من لمّ اليمنيين حوله واستعادة العاصمة، أو يستقر فيها ويترك الحوثي في صنعاء، ليصبح اليمن، أمام سلطتين على الأقل، إحداهما انقلابية في صنعاء وأخرى دستورية في عدن.