مرّ نحو أسبوعين على بدء العام الدراسي في اليمن، من دون أن تنتهي مشكلة غياب الكتب المدرسية، التي تتكرّر عاماً بعد عام.
مشكلةٌ تساهمُ في إحباط الطلاب في الكثير من الأحيان، وتؤدي إلى ارتفاع نسبة التسرّب المدرسي. فيما يجد الأهالي أنفسهم مضطرين إلى البحث عن مصادر أخرى لتأمين الكتب، فيلجؤون إلى السوق السوداء. وقد زاد على مصيبتهم هذه الأوضاع الأمنية الصعبة.
تطالُ هذه المشكلة المراحل الدراسية كافة. يقول محمد سران، وهو والد لأطفال في المدرسة، لـ"العربي الجديد"، إنه "عادة ما ينتظر انتهاء الشهر الأول من الدراسة. وفي حال لم يتم تسليم الكتب المدرسية لأبنائه، يبدأ بالبحث عنها في الأكشاك المنتشرة على الأرصفة، وهي بمثابة سوق سوداء للكتب المدرسية إذ تؤمن ما لا تقدمه المدرسة لتلاميذها"، علماً أن أسعارها غالباً ما تكون مرتفعة.
من جهتها، تشرح الأستاذة في مدرسة "الزهراء" للبنات ليلى نعمان لـ"العربي الجديد" الآثار المترتبة على تأخر تأمين الكتاب المدرسي للتلاميذ، قائلة إن "غياب الكتاب يضرّ بالعملية التعليمية. فالمدرّس لا يستطيع حتى تحضير الدروس، فيما يعجز الطالب عن الدراسة وإنجاز الفروض".
تضيف أن "مشاكل غياب الكتاب المدرسي تختلف من مادة إلى أخرى. بالنسبة لمواد اللغات، يكون انعدام الكتب معيقاً ويُضيّع جهود المدرس"، لافتة إلى أن "مواد أخرى كالقرآن قد تكون أقل خطورة".
تتابع ليلى: "في ما يتعلق بمادة الرياضيات، يستطيع المدرّس المحترف شرح الدروس للتلاميذ من كتاب سابق طالما لم يتغير المنهاج، وإعطاء الفروض للطلاب. وهذا الأمر صالح في الصفوف العليا. إلا أنه يتعذّر على مدرّسي الصف الأول وحتى الثالث الابتدائي القيام بذلك من دون وجود كتاب تابع للمنهاج".
وتشير إلى أنّ "المدرسين يشترون الكتاب المدرسي من باعة الأرصفة، بشكل غير نظامي، لعدم توافره في وزارة التربية والتعليم".
أما محمد، وهو أحد باعة الكتب المدرسية، فيرفض كشف الجهات التي يتلقى منها الكتب المدرسية، ليبيعها على أحد أرصفة ميدان التحرير في العاصمة صنعاء. لكنه يوضح أن "السماسرة الذين يأخذ منهم الكتب يطلبون نسبة من المبيعات".
يضيف لـ"العربي الجديد" أن "الكتب المدرسية عادة ما تكون مطلوبة في بداية كل عام بشكل كبير"، لافتاً إلى أنه "في حال لم تكن متوفرة لديه، يسعى إلى تأمينها بناء على طلب المشتري". ويؤكد أن "أسعار الكتب ليست محددة ولا ثابتة. والأمر مرتبط بوضع الكتاب"، مشيراً إلى أن "أسعار كتب الرياضيات والأحياء كانت ترتفع في السنوات الماضية بسبب عدم توفرها".
أزمة مالية وإدارية
في السياق، يعزو نائب المدير التنفيذي للمؤسسة العامة لمطابع الكتاب محمد زبارة عدم توفر الكتب في الكثير من المدارس إلى أسباب عدة، على رأسها "شحّ السيولة، وعدم توفر مخصّصات للمؤسسة من البنك المركزي". لكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن "أكثر من 80 في المائة من الكتب المدرسية وزّعت على المكاتب في المحافظات".
يضيف أن "وزارة التربية ليس لديها خطة واضحة لتوزيع الكتب على المدارس، لأنها لا تملك إحصاءات دقيقة حول أعداد التلاميذ. فلا تزال وسائلها متخلّفة". ويؤكد زبارة: "نطبع أكثر من ستين مليون كتاب كل عام". كما يلفت إلى أنّ "هذا الرقم لا يغطي أعداد التلاميذ".
وتتراوح أعداد ما يتم طباعته سنوياً بين مليون كتاب للصف الأول أساسي، وربع مليون تقريباً للثانوي الثالث، مما يؤدي إلى "ارتفاع نسبة التسرّب الناتجة عن الإحباط"، على حد قوله.
وحول توفّر الكتب في السوق السوداء وندرتها في المدارس، يقول زبارة: "نوزّع الكتب على ثلاث جهات، هي: مكاتب التربية في المحافظات، التوجيه المعنوي في صنعاء (من نصيب مدارس الجيش بالجمهورية)، ووزارة المغتربين (من نصيب مدارس الجاليات)".
ويحمّل المسؤولية "لمكاتب التربية والسلطة المحلية لناحية توزيع الكتب على المديريات والمدارس"، مشيراً إلى "إجراء تحقيقات في وزارة التربية حول عدم وجود الكتب".
أما الموجّه التربوي مجيب الأحلسي، فيقول إن "جزءاً من العجز في تأمين الكتب يعود إلى حادثة إحراق الكتب في مطبعة عدن، عدا عن قضايا الفساد في مطابع صنعاء. كما أن هناك نقصاً في بعض الكتب بنسبة 30 في المائة من الإجمالي المطلوب". ويوضح أن "بعض المدارس غطت العجز من خلال استعادة الكتب من التلاميذ".