يستعد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومة الكفاءات الوطنية، خلال الأيام المقبلة، لإصدار قرارات تتضمن رزمة معالجات جديدة لمظالم الجنوبيين وقضيتهم، ولا سيما تلك المظالم التي تتصل بحقوق الجنوبيين التي انتهكت نتيجة ما اتخذه النظام اليمني من إجراءات تعسفية في أعقاب حرب 1994 التي أعادت فرض الوحدة بالقوة.
وتشمل القرارات المرتقبة تعويضات مادية وإعادة المزيد من المبعدين قسراً من وظائفهم كالعسكريين والأمنيين والمدنيين، في ما يوصف بأنه محاولة لامتصاص غضب الشارع الجنوبي المتفاقم قبيل موعد تظاهرات الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني التي يعد لها الحراك الجنوبي.
والتقى الرئيس اليمني في الأيام الماضية بلجنتين تتوليان مسألة معالجة قضايا الجنوبيين الحقوقية، وهما لجنة قضايا الموظفين العسكريين والمدنيين المبعدين عن وظائفهم ولجنة معالجة قضايا الأراضي، برئاسة القاضيين سهل حمزة وصالح طاهر.
وأقرّ هادي قانوناً جديداً يحمل الرقم 3 لعام 2014، بشأن عودة وترقية وتسوية أوضاع 8009 من صف ضباط وجنود من الجيش والأمن والأمن السياسي من أبناء الجنوب.
ومن المقرر أن تصدر قرارات بهذا الخصوص، بعد أن قدمت اللجنتان تقارير تفصيلية لمعالجة 18 ألف حالة من قضايا نهب الأراضي في الجنوب، و9 آلاف في قضايا الموظفين الجنوبيين من العسكريين، في وزارة الدفاع والداخلية والأمن السياسي، و4500 قضية للموظفين المدنيين.
وستضاف القرارات الجديدة إلى أخرى سابقة تخصّ القضية الجنوبية، لكنها قرارات تبقى حبراً على ورق، كحال سابقاتها لجهة التنفيذ وجدية المعالجات.
وأثبتت القرارات السابقة المشابهة عدم تنفيذ أي منها بشكل صحيح، وظل المشمولون بها يلاحقون إجراءات كالسراب لا يعرفون نهايتها. ولذلك فضّل العشرات منهم عدم الاستمرار فيها واعتبار تلك القرارات مهزلة بحقهم. كما أنها قرارات لم ترتق إلى مستوى المظلومية التي تعرض لها هؤلاء، وبالتالي لا يعطون أي اهتمام للقرارات الجديدة المرتقبة والتي تأتي لافتة في توقيتها.
تأتي الإجراءات قبيل الثلاثين من نوفمبر، وهو اليوم الذي حدده الجنوبيون المعتصمون منذ أكثر من ستة أسابيع في عدن والمكلا، كموعد أخير أمهلوا فيه السلطات لتحقيق مطالبهم التي أجملوها بثلاثة أهداف رئيسية.
وتتمثل هذه الأهداف بالإفراج عن المعتقلين الجنوبيين، وطرد أبناء الشمال الموظفين في المرافق العسكرية والأمنية والمدنية في الجنوب وتسليم وظائفهم للجنوبيين، والعودة إلى مناطقهم في الشمال.
أما المطلب الثالث فيتجسد في توقيف الشركات النفطية الدولية الموجودة في حضرموت وشبوة عملها في الجنوب والتعامل مع الجنوبيين مباشرة، وليس مع السلطة.
وتترافق الإجراءات المرتقبة من الدولة مع تحركات سياسية على الأرض في اتجاه المعتصمين، ووسط ضبابية المشهد حول من يقود التحركات للمعتصمين في ظل الانقسامات الحادة داخل الأطراف السياسية الجنوبية.
وكشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد" أن وفداً سرياً من صنعاء يتواجد منذ أيام في عدن، ويعقد لقاءات مع أطراف سياسية والسلطات المحلية، وقيادات عسكرية وأمنية، لتدارس الأوضاع وإطلاع الرئيس اليمني بشكل متواصل على التطورات. وتؤكد المصادر أنّ الوفد زار ساحة الاعتصام مرات عدة.
وهو ما يعزز الشكوك لدى الحراك الجنوبي في أن الإجراءات والقرارات المرتقبة تستهدف ثني الشارع عن مواصلة تصعيده وامتصاص غضبه.
ويقول أمين سر المجلس الأعلى للحراك الجنوبي فؤاد راشد، لـ"العربي الجديد" إن "هذه القرارات تأتي في هذه الظروف السياسية العامة، والانتفاضة الشعبية الجنوبية، بقصد ذر الرماد في العيون".
وحول موقف الحراك الجنوبي من هذه القرارات، يقول راشد "نحن في الحراك الجنوبي نعتبر هذه القرارات، وإن كانت ستعود بمصلحة مادية لجنوبيين من أبناء شعبنا الجنوبي الفقير وستحسن من مستوى معيشته، هي أقل القرارات التي يصدرها نظام الاحتلال، لتحسين صورته القبيحة تجاه أبناء الجنوب". ويضيف "لكن في كل الأحوال إن الشعب الجنوبي، بمن فيه المستفيدون من هذه القرارات، ينشد ويتطلع إلى استعادة دولته المستقلة، التي بوجودها يضمن العيش المستقر والأمن والحياة المطمئنة".
وعلى الرغم من أن النظام اليمني يهدف للتخفيف من حدة الاحتجاجات من وراء هذه الإجراءات، إلا أن كثيرين يرون أنها إجراءات لم تعد ذات جدوى، ولا سيما بوجود عوائق أمامها.
كما أن الأوضاع الأمنية والاحتقان السياسي في البلاد يؤديان دوراً في التقليل من إمكان تأثير مثل هذه القرارات على الشارع الجنوبي، وتهدئة تظاهراته لما بعد الثلاثين من نوفمبر.
ويعتبر المحلل السياسي مدين مقباس في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "نتائج هذه القرارات ترتبط بمدى التنفيذ العملي لها، ولا سيما أن تأجيل المعالجات العملية للشقّ الحقوقي للقضية الجنوبية، الذي كان منتظراً البدء بها عقب انتهاء الحوار مباشرة، جعل الشارع الجنوبي يفقد ثقته بأي إجراءات يعلن عنها مع أي مناسبة".
وحسب مقباس، فإن "التأخير في تنفيذ القرارات السابقة التي صدرت منذ أكثر من ستة أشهر، سيحول من دون إحراز أية نتائج مرضية من المعالجات المعلن عنها أخيراً، لتخفيف حالة الغضب والغليان في الشارع الجنوبي".
ويلفت إلى أنّ "التدهور في المنظومة السياسية وتشظي حزب المؤتمر الشعبي العام، وقرارات الاستبعاد الأخيرة الصادرة بحق الرئيس عبد ربه منصور هادي من الحزب، كرمز جنوبي، كان لها ردة فعل سلبية على مشاعر الجنوبيين". ووفقاً لمقباس، فإنها أسهمت "في دفع قناعتهم نحو التعامل مع الشق السياسي كأولوية، من دون تعويلهم واهتمامهم بالشق الحقوقي ومعالجة المظالم، ما من شأنه أن يقلّل فرص تحقيق نتائج ايجابية كبيرة في الشارع الجنوبي وتركه الساحات".
وقبيل صدور القرارات المرتقبة، كانت السلطات اليمنية قد سارعت ميدانياً للتعاطي مع بعض المطالب التي رفعها المعتصمون، بالإفراج عن عدد من الناشطين الجنوبيين المعتقلين كاستجابة أولية قبل حلول موعد 30 نوفمبر.
ويظل الموعد المحدد عامل ضغط أحدث سجالاً بين الأطراف السياسية اليمنية، بمن فيها قوى جنوبية، وسط مخاوف من الانجرار إلى العنف، ولا سيما مع دعوات تظهر من أطراف جنوبية تعتبر هذا التاريخ يوم الانفصال عن الشمال. وهو ما يواجه باعتراض من أطراف أخرى، تقول إن هذا التاريخ هو يوم للانطلاق نحو التصعيد السلمي مع تحذيرها من مساعي البعض جر المعتصمين إلى العنف.
وتترافق هذه التطورات مع تأكيد مصادر أمنية لـ"العربي الجديد" على قيام السلطات بتشديد الإجراءات الأمنية والعسكرية في الجنوب. ولجأت إلى إرسال تعزيزات لتأمين المؤسسات والمرافق الحكومية والبنوك والمعسكرات في عدن وحضرموت وباقي المحافظات الجنوبية، بالإضافة إلى تعزيزات عسكرية لحماية آبار النفط، والشركات النفطية الدولية في حضرموت وشبوة، "تحسباً لأي فوضى قد تحدث" على حد قول المصادر.