اليمن: حرب وقودها البطالة ووفرة الأسلحة

25 فبراير 2017
(في العاصمة صنعاء، تصوير: محمد هويس)
+ الخط -

عامان كاملان من الحرب في اليمن، خُطفت فيهما أحلامٌ وسرقت أرواحٌ واغتيلت أفراح. عامان من الحرب جُنّد فيهما أطفال وسُلّح شباب بمختلف حساسياتهم ومستوياتهم وأيديولوجياتهم، وتقاتل الأشقاء والأخوة والأقارب على امتداد قراهم الواسعة.

حربٌ وجد خلالها عشرات الآلاف من الشباب أنفسهم يحملون السلاح، منهم مدافع عن مدينته ومنهم مهاجم ومغيرٌ على آخرين، وما بين هذا وذاك تكوّنت القطاعات المسلحة الواسعة في كثير من المدن، وتكوّن الخطر الأكبر على جيل بأكمله، بعد أن تحوّل إلى وقود للحرب بشكلٍ أو بآخر.


فائض في الأسلحة
يُعرفُ اليمن بأنه بلد السلاح، ويعود ذلك إلى ما قبل الحرب بسنوات، إذ كانت تتحدّث الأرقام عن وجود 60 مليون قطعة سلاح منشرة بين القبائل. رقم خضع للارتفاع بلا شك بعد اندلاع الحرب وتدفّق أسلحة كثيرة عبر البحر والبرّ والجو.

قبل ست سنوات، وتحديدًا عند اندلاع ثورة الشباب الشعبية، كان يجري الحديث عن مخاوف كثيرة من أن تتحوّل الثورة الشبابية في اليمن إلى ثورة مسلّحة وكانت التوقّعات كبيرة بتحوّل الثورة والأعمال السلمية إلى عمل مسلّح، ولكن الشباب اليمني أثبت عكس ذلك، وبيّن أنه قادر على الصمود أمام قوّات النظام الحاكم آنذاك، وأن يحافظ على سلمية ثورته على الرغم من كل المحاولات التي كانت تجرّه نحو العنف والسلاح، فواجه الشبّاب قوّات النظام بصدور عارية ودفعوا ثمنًا باهظًا من شهداء وجرحى بالمئات.

حافظ الشباب الذي كان في ميادين الثورة على سلميتها، وانتهى الفعل الثوري باتّفاق سياسي، تمّ بموجبه تسليم الرئيس صالح السلطة، وسارت الأمور نحو حوار وطني شامل مُثّل فيه الشباب، وتم اعتماد مطالب الثورة فيه على أساس السير نحو التغيير وبناء دولة نظام وقانون تكفل الحرّية والمساواة والعدل لجميع أبناء الشعب.

ولكن النظام السابق وعلى رأسه المخلوع صالح، ظلّ يحضر لسيناريو آخر، من خلال إدخال البلاد في حرب شاملة وواسعة، بعد أن جعل من مليشيا الحوثي ورقة له، فقام بتسليح عشرات الآلاف من الشباب المناصرين له وغير المناصرين، وهاجم بهم المدن، وبسط نفوذه هو ومن معه من مليشيا الحوثي على مؤسّسات الدولة بقوّة السلاح.

بدأت الحرب في عمران، وامتدت الى صنعاء ومن ثم تعزّ وعدن. عندها وجد قطاع واسع من الشباب اليمني أنفسهم مجبرين على حمل السلاح والانخراط في الحرب وفي الجبهات مدافعين عن مدنهم وعن كرامة وسلامة أمنهم.


تسليح إجباري
عبد الهادي العزعزي، أحد القيادات الشبابية، سرد لنا أسباب انخراط الشباب في العمل المسلّح وفي إطار المقاومة التي تشكّلت في أكثر من مدينة ومحافظة يمنية، قائلًا في حديث إلى "جيل": "بعد أن أسقطت المليشيات الدولة توجّهت نحو عدن وتعز، وفي تعزّ كانت المواجهات سلمية وتحديدًا في ما عرف بأحداث الأمن المركزي، لكن المليشيات عندما استخدمت الذخيرة الحيّة وفرضت على الناس خيار الحرب، لم تترك لهم مجالًا آخر غير الحرب، وبالتالي وضع السكان أمام أقدار كتبت عليهم".

الشاب هاني الجنيد 27 عامًا، أحد الذين انخرطوا في العمل المسلّح، اعتبر انخراطه هو وقطاع واسع من الشباب في العمل المسلّح أمرًا طبيعيًا، خصوصًا بعد أن وجدوا أنفسهم مجبرين على الدفاع عن بلادهم من مليشيات الانقلاب. "حمل شباب المدارس السلاح وتركوا الأقلام جانبًا ولم يتبق أي خيار آخر غير هذا".

هاني وفي حديثه إلى "جيل"، أشار إلى أن جميع من حملوا السلاح، وفي إطار المقاومة الشعبية، هم طلّاب جامعات، وخريجون، وموظفون تركوا أعمالهم وذهبوا للدفاع عن كرامتهم ومدنهم.

وعن أبعاد هذا الانخراط ومدى تأثيره على الشباب مستقبلًا، يقول عبد الهادي العزعزي: "هذا الانخراط سوف يكوّن جيلًا صلبًا، مؤمنًا بالحياة ومتشبثًا بها وبالتغيير، مثله مثل الشعب الإنكليزي، والفرنسي، والروسي، بعد الحرب العالمية الثانية التي انخرط فيها أدباء وكتّاب وكبار المثقفين في فرنسا وغيرهم من مثقفي وأدباء وكتاب أوروبا لإنهاء النازية الفاشية الهمجية".

ويعتبر الكاتب والناشط الشبابي، محمد المقبلي، هذا الجيل الشبابي بمثابة الموجة الثانية لإسقاط مليشيا الانقلاب، بعد أن كان بمثابة الموجة الأولى لإسقاط نظام الرئيس السابق صالح.

وقال المقبلي في حديثه إلى جيل": "انخراط الشباب المدني في الجيش سيبني وعيًا وطنيًا داخل الجيش الذي يقود المعارك في تعزّ مع الشباب ومدن أخرى، كما سيحدّ من الانقلابات العسكرية، لأن الوعي المدني داخل الجيش سيجعل من الجيش حامياً للديمقراطية وليس مهدداً لها".

في الوقت الذي يقول فيه الصحافي، فتحي أبو النصر، إن انضمام الشباب في تعزّ إلى العمل المسلّح جاء بدافع حقّ مقاومة الاعتداء، وهو حقّ مشروع، أشار في حديثه إلى مصير هؤلاء الشباب بعد الحرب، إذا لم يتمّ استيعابهم في الجيش لمن يريد فسيكون كارثيًا إذا بقوا في حالة انفلات لجماعات غير منضبطة ولا تأتمر لقرارات دولة كما يفترض.


سلاح الانقلاب
تسليح الشباب في اليمن له عدّة صور وأطرافه عديدة، ولا شك أن التسليح من طرف الرئيس السابق صالح وجماعة الحوثي هو الأكثر فتكًا بالوضع الأمني، إذ يُهدّد عشرات الآلاف منهم مستقبلًا.

تحالف الانقلاب، كان وما زال يقوم بتسليح الشباب ويقوم باستقطاب قطاع واسع منهم، خصوصًا العاطلين عن العمل والذين لا مصادر دخل لهم.

يقول الناشط السياسي خالد بقلان: "في ظلّ وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح في بلد تعداد سكانه أكثر من 25 مليون نسمة، إلى جانب غياب حقيقي لمؤسّسات الدولة، فإن هذا السلاح سيكون في متناول الجميع، ويعود السبب في ذلك لنظام المخلوع علي عبدالله صالح الذي بنى أجهزة وألوية عسكرية خاصّة، وقوّض المؤسّسات، وأحل هذه الأجهزة الأمنية والألوية العسكرية محلّها، والتي طالما ادعى أنها مؤسّسات الدولة، ولكن اتضح للجميع زيف تلك الادعاءات، عندما تحالفت ألوية الحرس الجمهوري، مع مليشيات الحوثي للانقلاب على السلطة الشرعية والتوافق الوطني، ونهبت مؤسّسات الدولة وأباحت سلاحها وجنّدت العديد من الشباب مستغلة ظروف البطالة، والشقاء، والفقر، والبؤس، الذي حلّ في أوساط الشباب كنتيجة لانقلاب المخلوع والحوثيين في 21 سبتمبر/ أيلول 2014".

واستطرد بقلان في حديث إلى "جيل"، أن تسليح الشباب أصبح واردًا بالنسبة للمقاومة، وفرضه خيار وحيد وحتمي للدفاع عن النفس أولًا، ومن ثم عن الشرعية التي يستوجب الدفاع عنها في ظلّ ما تعرّضت له المؤسّسة العسكرية من تسريح لضباطها، مضيفًا أن الشباب اليمني سوف يعاني من خطر انتشار التسليح في أوساطه، لكن الشرعية تبدو أكثر إدراكًا بقيادة هادي الذي أصدر أوامر بضرورة استيعاب المقاومة ضمن مؤسّسة الجيش وهذا يعني ما يعنيه".

يبدو أن الحرب في اليمن جعلت الشباب أمام وضعٍ صعب، وحملهم السلاح سيجعلهم يتكبّدون كثيرًا في المستقبل، خصوصًا أن بعضاً منهم كانوا منخرطين في مؤسسّات تعليمية، ومؤسّسات مدنية أخرى كثيرة، أما اليوم وقد أصبحوا منخرطين في قطاعات مسلّحة، وضمن جماعات، ومليشيات، وعصابات، فإنهم يكونون قد قضوا على مستقبل برمته، وقد أصبحوا خطرًا على البلد بأكمله.

المساهمون