اليمن.. بين الهروبٌ من سطحية المناهج والطريقٌ نحو الطائفية؟َ!

26 فبراير 2015
يُوصف العليم الديني في اليمن بأنه وسطيّ شموليّ (الأناضول)
+ الخط -

بلد ٌغني التنوع، جغرافياً ومذهبياً وطائفياً، وكل من ينظر إلى تركيبته الاجتماعية يدرك الفروق والتشابهات، فقد ظل اليمن وحتى زمنٍ ليس بالبعيد، يعيش خلافات سياسية لم يؤثر بعدها المذهبي على نسيجه، ولم يظهر بهذا الوضوح إلا في السنوات الأخيرة، فما مدى ارتباط التعليم الديني بهذا الخلاف، وكيف تمّ تجييش الدين والمذهب من أجل دعم طرف سياسي أمام آخر؟

التعليم الديني في المدارس اليمنية يُوصف بأنه تعليمٌ وسطيّ شموليّ، رسالته تعنى بالسلام والتسامح وبرسائل إنسانيةٍ تتسامى بالإجمال عن العنف والتعصب، وهذا هو القالب العام الذي يوضع فيه هذا التعليم، وهو الذي يؤطر فهم الطلاب، لا سيما وهم في مراحل تعليمهم الأساسي، حيث تعقد العقائد وتكتسب العادات وترتسم الطباع.

ولكن في مرحلةٍ من المراحل، ولضعف التعليم الديني الحكومي، بدأ ظهور مدارس دينيةٍ متخصصة، وكانت البداية في السبعينيات، حيث جاءت فكرة المعاهد العلمية كبديل ارتأته الحركة الإسلامية في اليمن (الإخوان المسلمون) للمدارس البدائية التي كانت منتشرةً حينها، أشبه بكتاتيب متطورة، وكانت نشأتها في العهد الملكي الإمامي، وتلك المدارس كانت بدائية التدريس والمنهج ولم تكن تخضع للرقابة، وخلت من المؤسسية، وكان ذلك هو الدافع لرموز الإخوان وعلمائهم آنذاك إلى العمل على تأسيس معاهد علمية حديثة تدرس العلم بشقيه الشرعي والتطبيقي، وتحظى بإشراف ورقابة لجنة رقابية شرعية متخصصة يشارك في عضويتها عدد من المشائخ والعلماء المتخصصين، مع الحرص على إشراف الدولة عليها حتى لا تتعرض للمضايقات كتلك التي تسببت بالقضاء عليها في عام 2001، عندما تعرضت للإغلاق.

بدأ منذ الثمانينيات انتشار معاهد تدرّس ما يسمى بالمذهب "الوهابي" المقرب من السعودية، والذي تفضله الحكومة، لاحتوائه على ما يوجه المتّبعين نحو السمع والطاعة لأولي الأمر. وفي مقابل المدّ السلفي، كان ثمّة تعليم ديني مضاد تمثّل في مراكز التعليم الديني الزيدي، التي تطوّر بعضها ليتحوّل إلى المذهب الشيعي الإثنَي عشري (مذهب إيران الرسمي) منذ مطلع الألفيّة. وقد نتج عن ذلك تأسيس تنظيم الشباب المؤمن، الذي تطوّر بدوره أيضاً من خلال إنشاء الحركة الحوثيّة التي أصبحت تسمّي نفسها "أنصار الله"، ولها تاريخ ٌ طويلٌ في النزاع مع الدولة منذ عام 2004، وحتى يومنا الحاضر، حيث يبدو أنها تسود البلاد في هذه اللحظة.

بعد الشرح الذي يتحدث بالإجمال عن وضع التعليم الديني في اليمن، تظهر بين كل حين وآخر مطالباتٌ بإغلاق هذه المدارس، وخصوصاً تلك التي لا تخضع لرقابة الدولة، وذلك لدورها وارتباطها الوثيق بإذكاء روح الفرقة وتمكين الطائفية والمذهبية التي تهدد وحدة اليمن وتقوده نحو الفرقة والتأزم، وكان أحد أعلى هذه الأصوات، صوت تنسيقية الثورة التي أصدرت في يونيو/حزيران 2014 بياناً يطالب بقانون يجرم ممارسة التعليم الديني من دون رقابةٍ مباشرةٍ من الدولة، ومن الجدير بالذكر أن حصر عدد المدارس والمراكز الدينية أظهر أن هناك قرابة 941 مركزاً يجب ممارسة الرقابة عليه ودراسة وضعه المنهجي وتقييمه، أو ربما إغلاقه.

السؤال الذي يطرح نفسه في الوضع الراهن، هل كانت المعاهد الدينية ممرّ السياسات والأيديولوجيات لشباب اليمن، وخصوصاً في سنّ الفتوة والتأسيس؟ وهذا اليمن الذي عاشت طوائفه متوائمة رغم الاختلافات المذهبية والقبلية والسياسة، هل انتهى كما عرفناه ماضياً بفعل هذه الدعوات؟ فالكثير من التنظيمات المسلحة، كالحوثيين والقاعدة في اليمن يعرفون بأصوليّتهم المذهبية وتجذرهم الطائفي، وكأن تلك المعاهد التي نشأت ودرّست عقيدتها وغرستها هي ما أتى بالشباب المجيّش والمسيّس في آن معاً.

ولا شك في أن هناك من يعزو ظهور المعاهد الدينية في الأساس إلى ضعف المناهج الدينية المدرسية وسطحيتها، وهناك أيضاً من يشير إلى أن التخلّي عن معاهد الحركة الإسلامية وإغلاقها كان رصاصة الرحمة التي أطلقت على جسد يمنٍ متناغمٍ وسطيٍّ مستقلّ، ووسط هذه الافتراضات والاستنتاجات يظل السؤال هنا: هل ظلت رسالة المعاهد الدينية تعنى بالسلام والتسامح وبرسائل إنسانيةٍ تتسامى بالإجمال عن العنف والتعصب، وهل هي غايةٌ أم وسيلةٌ للوصول إلى مكاسب السياسة بوصفها طريقاً إلى الله؟!


(اليمن)

المساهمون