اليسار السوداني.. حياة في الأدب

10 مارس 2015
إل أناتسوي / غانا
+ الخط -

على طول تاريخه الممتد منذ تأسيس الحزب الشيوعي السوداني (1946)، ظلَّ اسم اليسار في السودان مرتبطاً بالآداب والفنون، إذ انتمت إليه أرتال من شعراء الفصحى والدارجة الأعلى صوتاً، مثل محجوب شريف ومحمد الحسن حمّيد، وجيلي عبد الرحمن، وعلي عبد القيوم، والمغنون الأكثر تأثيراً وأوسع شعبية، مثل محمد وردي ومصطفى سيد أحمد، إضافة إلى كتَّاب ومسرحيين وسينمائيين وتشكيليين كُثر.

لذا، لطالما وجد سؤال: "لماذا يبدع اليساريون في السودان؟" حظه من النقاش مراراً، لكن ظلت الإجابات تدور، كل مرة، حول المقارنة بين اليساريين وعدوهم التقليدي، الإسلاميين، وطبيعة الأيديولوجيا لدى كلٍّ منهما، وتأثيرها في توجيه ملكات ونزعات الفرد الإبداعية نحو الضمور أو التطور، وأثر الخلفيات البيئية والاجتماعية للأفراد في الانجذاب إلى أي الاتجاهين.

لكن فوق هذه العلاقات الجدلية، بالمصطلح اليساري، لا يمكن إهمال أن الكاتب يلتقي بالطبيعة التحررية للاشتراكية وأدبياتها، في روح التمرد الستينية، التي وسمت مرحلة ما بعد الكولونيالية، فكان لا بد أن يتحالفا تحت ظل الشعارات المشتركة.

كانت الستينيات، التي مثلت ذروة المد اليساري في العالم، هي التربة التي نبتت فيها الثقافة السودانية الحديثة بعد الاستقلال، فارتوت بالمفاهيم الاشتراكية، إذ كان اليسار يمثل آنذاك ما يسميه الكاتب الصحافي طلحة جبريل "وعي الحداثة"، الذي قصده كل من يحمل نزعة تمرد أو رغبة جامحة في تغيير العالم.

وقد أسهم الحزب الشيوعي السوداني، الأب الأكبر لليسار في السودان، في تشكيل وعي الكتَّاب والأدباء السودانيين، في الخمسينيات والستينيات، سواء من اختلفوا معه ومن اتسقوا مع أطروحاته، بحسب جبريل.

ورغم خروج الكثيرين منه بعد فترات قصيرة، ربما لاكتشافهم الهوة بين الواقع والحلم، ظل الكتّاب ينجذبون إلى هذا الحزب وإلى قوة الشعارات اليسارية، فأين هو هذا الكاتب الذي لا يحلم بالتحرر والعدالة الاجتماعية والمساواة؟

وبالنظر إلى الاتجاهات التي كان يسير فيها التاريخ الثقافي للسودان، يظهر جلياً أن اليسار كان صاحب الأثر الحداثي الأكبر في مواجهة البنى الثقافية المحافظة المدعومة بإرث مغرق في التقليدية.

الآن، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في مطلع التسعينيات، ونجاح المشروع الثقافي لليمين السوداني منذ 1989، في التربع على المشهد، مترافقاً مع فشله البيّن في إنتاج فعل يزيح أو يستبدل الأسس الثقافية والأدبية التي وضعها اليساريون؛ لا يزال اليسار حيَّاً في الأدب رغم انتكاسه سياسياً. فتنظيم "الجبهة الديمقراطية"؛ قلعة اليسار العتيدة في الجامعات والثانويات السودانية، ما برح يخرّج شعراء وكتاباً، لا سياسيين.

المساهمون