لا تقتصر أزمة بريكست على المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي، بل تمتد أيضاً إلى القوانين اللازم تمريرها قبل حلول موعده نهاية شهر مارس/ آذار المقبل، وفقاً لتقرير جمعية "هانزارد" البريطانية.
وقال التقرير إن بريطانيا بحاجة لتمرير نحو 800 تعديل على قوانينها الحالية قبل موعد البريكست، ولكن ومع بقاء نحو خمسة أشهر لم يتعامل البرلمان البريطاني سوى مع 71 منها.
وتلجأ الحكومة البريطانية للتشريعات الثانوية لتعديل القوانين من دون المرور بالإجراءات التشريعية كاملة، كما هو الحال مع قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
ونسخ القانون، الذي تم إقراره في يونيو/ حزيران الماضي، القوانين الأوروبية إلى الدستور البريطاني، لسد الفجوة القانونية فور خروج بريطانيا من الاتحاد، إلا أن الحكومة البريطانية تستخدم التشريعات الثانوية لتكييف هذه القوانين مع الواقع البريطاني بعد بريكست.
وأدت الخلافات في ويستمنستر إلى إجبار الحكومة البريطانية على الموافقة على وجود لجنة متابعة برلمانية تمنع استفراد السلطة التنفيذية بأمور ذات شأن تشريعي، وخاصة في ما يتعلق بالتعديلات ذات الطبيعة الخلافية.
وحذر تقرير جمعية هانزارد، من أن بطء العمل الحكومي يدفع لجان التدقيق تلك إلى تجنب النظر في عدد من التشريعات الثانوية.
وقالت روث فوكس، مديرة الجمعية: "منذ منح قانون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي الموافقة الملكية خلال الصيف، مر تقريباً نصف الوقت المتاح لإقرار التعديلات على القوانين البريطانية قبل موعد بريكست في مارس/ آذار المقبل. ولكن 9 في المائة فقط من الحد الأدنى من التشريعات الثانوية، التي تقول الحكومة إنها تحتاجها لتطبيق بريكست، تم عرضها على البرلمان".
وتابعت: "إذا لم تسرع الحكومة من وتيرة عملها، فإن البرلمان سيواجه مهمة مستحيلة في النظر في ما تبقى من التشريعات الثانوية في وقت قصير جداً. لقد وعدت الحكومة بأنها ستحاول تجنب حصر وقت تدقيق القوانين في البرلمان ليتمكن من القيام بواجبه بشكل مناسب. يجب أن تلتزم بهذا الوعد".
ومن جانبها، ردت وزارة بريكست على التقرير بتجديد الالتزام بـ"تمرير التشريعات الثانوية اللازمة قبل موعد بريكست. لقد كانت خطتنا أن نزيد من أعداد هذه التشريعات أمام البرلمان خلال الخريف، ونعمل بجد مع البرلمان لتطبيق هذا الأمر".
ومن ناحية أخرى، هدّأت تيريزا ماي من روع نواب حزبها خلال كلمتها في مجلس العموم أمس، بعد أن جددت رفضها المطالب الأوروبية الخاصة بخطة المساندة، إلا أنها طلبت من نواب حزبها أيضاً تمالك أعصابهم مع اقتراب المفاوضات من نهايتها.
وجددت ماي رفض حكومتها القبول بوجود حدود جمركية في البحر الأيرلندي تفصل أيرلندا الشمالية عن بريطانيا، معززة بذلك المخاوف من سيناريو عدم الاتفاق، إلا أن تصريحاتها تلك جلبت تهدئة من جانب مجموعة الأبحاث الأوروبية، حيث حيا ستيف بيكر، أحد زعماء المجموعة البرلمانية المؤيدة للبريكست، موقف ماي الداعم وحدة المملكة المتحدة، وتراجع عن تعهد المجموعة بالتصويت ضد ماي يوم غد الأربعاء أثناء مناقشة تعديلات على قانون التجارة.
ويطالب الاتحاد الأوروبي بريطانيا بإبقاء أيرلندا الشمالية في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي بعد بريكست حتى الاتفاق على الصفقة التجارية النهائية بين الجانبين، وهو ما يعرف أيضاً بخطة المساندة، بهدف حماية اتفاق السلام في الجزيرة الأيرلندية. إلا أن حكومة ماي رفضت، وبضغط من نواب حزبها ونواب الحزب الاتحادي الديمقراطي الأيرلندي، هذا الخيار، لكونه يفصل جزءاً من المملكة المتحدة تنظيمياً عن بقية البلاد.
وتقدمت ماي بعرض مقابل للاتحاد الأوروبي يشمل إبقاء كامل المملكة المتحدة في الاتحاد الجمركي، من خلال تمديد الفترة الانتقالية حتى نهاية عام 2021، بهدف إفساح المجال لإتمام الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي، وبالتالي تجنب خطة المساندة.
ويرفض الاتحاد الأوروبي أن يكون هذا التمديد محدوداً زمنياً كي لا يعيق المفاوضات، بينما ترفض ماي وبضغط من حزبها أن يكون تمديد العضوية غير محدود زمنياً، خوفاً من بقاء بريطانيا إلى ما لا نهاية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى رغبة المحافظين في إتمام بريكست والعلاقة التجارية مع أوروبا قبل موعد الانتخابات العامة المقبلة في يونيو/ حزيران 2022.
وردّ الاتحاد الأوروبي على العرض البريطاني بضرورة وجود "خطة مساندة لخطة المساندة" تدرج في نص اتفاقية بريكست إن لم تتم المفاوضات بنجاح مع بريطانيا، بحيث توجد الحدود الجمركية في البحر الأيرلندي، وهو ما ترفضه ماي بالمطلق.
وتقف مفاوضات بريكست عند هذه المعضلة، حيث إن الطرفين ينتظران إتمام التفاوض على اتفاقية البريكست كلياً قبل تقديم العرض النهائي إلى البرلمانات الأوروبية.
ومن جانبها، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن ميشيل بارنييه، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، يجب أن يتحلى ببعض المرونة من أجل التوصل إلى اتفاق، إلا أنها حذرت من أن الجانب الأوروبي لن يقدم المزيد من التنازلات لأن ماي تعاني من مشاكل حزبية داخلية.