الوقت... سلاح الأحزاب العراقية بوجه المتظاهرين

20 ديسمبر 2019
يستعد المحتجون لتظاهرات مليونية اليوم (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
أتاحت المواد الفضفاضة في الدستور العراقي النافذ بالبلاد منذ العام 2005، تفسيرات جديدة، مكنت قوى وأحزاب السلطة من كسب مزيد من الوقت، الذي كان وما زال رهانهم الأول ضد الشارع، الذي يستعد هذا الأسبوع لطي شهره الثاني من التظاهرات المتواصلة في وسط وجنوب البلاد والعاصمة بغداد.

فبعد مد الرئيس العراقي برهم صالح المهلة الدستورية ليومين، بدعوى أنها تحتسب من تاريخ وصول كتاب التكليف إليه لا من تاريخ صدوره من قبل البرلمان، تم الاتفاق بين القوى السياسية ومكتب الرئيس على اعتبار المهلة الدستورية تتعلق بأيام العمل الرسمي فقط ولا تحتسب معها عطلة نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت). يأتي ذلك مع إصرار واضح من المتظاهرين على ملء الساحات والميادين في بغداد وجنوب ووسط البلاد، حيث يحشد الناشطون لمليونية جديدة، تُحذر من استفزاز الشارع أو محاولة إعادة تدوير الوجوه، في إشارة إلى رفضهم للمرشحين الذين طرحت أسماؤهم أخيراً.

وترشيح رئيس جديد للحكومة، التي اتفق على أن تكون انتقالية، لحين ترتيب الأوضاع لانتخابات مبكرة، لم يكن الأول الذي تماطل به القوى السياسية، إذ إن قانون الانتخابات هو الآخر ما زال للشهر الثاني على التوالي رهن المماطلة داخل البرلمان، إذ جرى طرح ثلاث مسودات من القانون، كان سيتم تمرير الأسوأ بينها لولا ضغط الشارع على القوى السياسية، ما اضطرها إلى محاولة دفعه أقصى قدر ممكن من الوقت عسى أن يخف زخم الشارع أو تلد أزمة أخرى لتمرير ما يناسبها من فقرات في القانون تضمن وجودها في البرلمان المقبل، وذلك وفقاً للعضو في التيار الصدري محمد الدراجي، الذي اتهم قوى سياسية عراقية بأنها تتلاعب بالوقت كورقة لمواجهة التظاهرات. وأضاف أن "المتظاهرين باتوا يدركون ذلك جيداً، وبالتالي كيفوا أنفسهم واستعدوا لشتاء طويل وقاسٍ في بغداد والجنوب إن تطلب الأمر".

وكان البرلمان أخفق، الأربعاء الماضي، في تمرير مشروع قانون الانتخابات، حيث لجأت الكتل البرلمانية إلى حيلة جديدة عبر التصويت على 14 مادة، وصفت بالكمالية أو غير المهمة، بينما أجلت الفقرات الأخرى التي تعتبر نواة القانون، وتتضمن طريقة الاقتراع ونظام الدوائر المتعددة أو الدائرة الواحدة، وكذلك نظام الانتخابات، فردي أو من خلال قوائم الأحزاب أو مناصفة. ورفعت الجلسة حتى إشعار آخر. وتتشارك القوى السياسية الرئيسية، السنية والشيعية والكردية، في رفض الدوائر المتعددة والإصرار على أن يكون 50 في المائة من آلية توزيع المقاعد للقوائم الحزبية، والباقي لأفراد، وهو ما يرفضه المتظاهرون، الذين يطالبون بأن يكون الفائز هو من يحصل على أعلى عدد من الأصوات وبنسبة 100 في المائة في آلية توزيع مقاعد البرلمان.




وقال القيادي في "جبهة الإنقاذ" أثيل النجيفي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "خرق المدة الدستورية، أو تجاوزها، يدل على أن كل الاطراف السياسية ما زالت غير مقدرة للوضع بصورة حقيقية وصحيحة"، محذراً من أن "ترشيح شخصية لرئاسة الوزراء، بدعم إيراني، لن يهدئ من الأوضاع، وقد يتسبب بأزمة أكبر"، معتبراً أن "المراهنة على شراء أو المماطلة بالوقت، يعني أنه ليس هناك إرادة حقيقية للحل أو التغيير الذي ينشده المتظاهرون"، ومحذراً من أن "القادم من الأيام في العراق لا يبشر بالخير".  في المقابل، اعتبر رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي أن "ظاهرة خرق أو عدم احترام المدد الدستورية أصبحت عادة لدى الذين كتبوا الدستور، خصوصاً وأنهم الآن وصلوا إلى طريق مسدود". وبين الهاشمي، لـ"العربي الجديد"، أن "تأجيل تسمية المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، يدل على أن هناك تدخلات وضغوطا خارجية كبيرة جداً". وأضاف "المشكلة الآن داخلية ومركبة، فالبيت السياسي الشيعي مفكك إلى درجة يصعب معه جمع أصوات 100 نائب، ولهذا نعتقد أن المشهد سيبقى فوضوياً".

وقال قيادي في تحالف "الفتح"، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "القيادات السياسية اتفقت مع صالح على تأجيل قضية تكليف رئيس الوزراء، وخرق المدة الدستورية، التي انتهت الخميس". وبين القيادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "هذا الاتفاق جاء بسبب استمرار الخلافات السياسية على المرشح المقبل. فقوى تحالف البناء ما زالت مصرة على ترشيح قصي السهيل، بضغط من قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ومسؤول الملف العراقي في حزب الله اللبناني محمد كوثراني، رغم أن هناك قوى في تحالف الفتح ترفض هذا الترشيح، لكن الضغط عليهم كبير". وأضاف "هناك تواصل بين القيادات السياسية، ورئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري نصار الربيعي، من أجل موافقة التيار الصدري على ترشيح السهيل، لكن الربيعي، أكد لهم رفض الصدر لهذا الترشيح، وهو لا يستطيع التأثير عليه، فما زال الصدر مصراً على ترشيح شخصية مستقلة". وتابع أن "صالح لديه مرشح شبه جاهز لتسميته، وفي حال عدم توصل الكتل السياسية إلى توافق، ربما يطرحه، دون الرجوع إليها من أجل إحراجها أمام الشارع ومرجعية النجف، لكنه قد لا يفعل ذلك إذا كان الضغط الإيراني كبيرا عليه". وأوضح أن "صالح ما زال يحتفظ بورقة علي علاوي، فهو مرشحه، الذي يعتقد أنه سيرضي الشارع والمرجعية".

وقال مقرب من الصدر، لـ"العربي الجديد"، إنه "إذا لم يتم الاتفاق على رئيس وزراء مهني ومستقل، وجاؤوا بشخصية سياسية حزبية مجربة سابقاً، فإن موجة التظاهرات ستتصاعد". وأضاف "لدى رئيس الجمهورية عدة أسماء للتكليف، منها قصي السهيل، ومصطفى الكاظمي، وأسعد العيداني، وغيرهم، وهذه الأسماء مرفوضة من قبل المتظاهرين وكذلك التيار الصدري، وهناك ضغوط على التيار للقبول بقصي السهيل، لكن الصدر يرفض خشية دخول العراق في حرب أهلية".  ومع ترقب لخطبة المرجع الديني علي السيستاني اليوم، يواصل ناشطون وأعضاء لجان التنسيق لتنظيم تظاهرات واسعة اليوم للتأكيد على رفض الوجوه المطروحة لرئاسة الحكومة. وفي بغداد يستعد المحتجون للخروج في تظاهرات واسعة. وأذيع بيان من ساحة التحرير دعا إلى التواجد في "كوكب ساحة التحرير"، لإرسال تأكيد للقوى السياسية على مطالب المتظاهرين. وأضاف "بينما تستمر قوى البرلمان المتحاصصة في تسويف مطالبنا، نجد أن النزول للشارع بزخم كبير وبتظاهرات مليونية بات أمراً ضرورياً".