"ولا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً". (القرآن الكريم)
ما هي أوضاع كبار السنّ في عالمنا العربي؟ كيف يعيشون؟ كيف يأكلون ويشربون؟ هل يحصلون على الخدمات الصحية والضمانات الاجتماعية؟ كيف يمضون أوقاتهم؟ هل يتمتعون بالمشاركة في قرارات حياتهم الخاصة، فضلاً عن العامة؟ هل تتوفّر لهم سبل الرعاية التي تليق بهم، هم الآباء والأمهات الذين استهلكوا أنفسهم وهم يعملون ويكدحون حتى بلغوا من العمر ما بلغوه؟ هل يتابعون حياة جديرة بالعيش، أم أنهم فقط يعدّون أيام خريف العمر التي يقضونها مهانين ومذلولين ومنبوذين بعدما ضاقت بهم سبل الحياة التي طالما اتسعت لهم في غابر الماضي؟
أسئلة كثيرة مطروحة علينا وأمامنا في عصر الحروب والثورات والفتن وقوافل اللاجئين، كما في عصر المعلومات والتكنولوجيا التي تأخذنا يومياً إلى مطارح ننسى فيها أنفسنا وأهلنا الذين سهروا علينا حتى بتنا على ما نحن عليه. وما يضاعف من إلحاح الأسئلة، هو طابع المرحلة الانتقالية المدمّرة التي تمرّ بها منطقتنا العربية، حيث المقصلة تهدّد الناس في الأسواق ودور العبادة وخلال تنقلهم وتلحق بهم إلى بيوتهم، من دون أن تفرّق بين رجل وامرأة وطفل وكهل... وتهدّد اللاجئين الذين يجوبون الدروب، دروب البرّ والبحر، والنازحين في أوطانهم، جرحى ومعوّقين، كباراً وصغاراً، يهيمون على وجوههم. يتربّص بهم الموت عند كلّ منعطف وحركة موج... وتبدو الحياة أمامهم أشبه ما تكون بأسماك قرش تفغر أفواهها وتنتظر سقوطهم لتلتهمهم.
لا، لا تمرّ حياتنا على نسق واحد في هذه الأرض وفي هذه البلاد التي هي بلادنا. لو أنّ الأوضاع عادية، لوقفنا وتحدّثنا عمّا يجب أن تقدّمه الدول والسلطات لتلك الفئة، وقاربنا قصور أنظمة الضمانات والحمايات والحقوق عن تقديم ما تستحقه، ولخرجنا في تظاهرات تطالب أن يتكفّل المجتمع بواجباته تجاهها كما تجاه الصغار والفقراء والمهمّشين... لكنّ الأمور لا تجري كما تشتهي سفننا. البعض يرحل بعدما أقنعته الممارسات من مختلف الضفاف، بأنّ لا مكان له على هذه الأرض التي رأى محمود درويش عليها "ما يستحق الحياة". البعض ينتقّل أو ينزح في بلاده الواسعة التي هي واسعة بقدر ما هي ضيّقة، ويكافح كي يصل الى تأمين لقمة الخبز، فيما ينتظر إحسان المنظمات الأممية لتقدّم له خيمة تستر عريه وأطفاله من الحرّ والصقيع. ثم ماذا عن الأمراض؟ كيف يستقيم العيش لهؤلاء وهم يفتقدون الرعاية الصحية التي هم الآن والآن بالضبط، أحوج ما يكونون إليها؟ يهربون من طلقة الرصاص والشظية والبرميل المتفجر، إلى المرض الذي لا يقلّ قسوة عن البشر الذين ينسفون صبحاً ومساءً كلّ ما جاءت به الشرائع وتفتّق عنه العقل البشري.
ألم يعد في الأرض العربية متسع لهم، مع أنّ أياديهم تشققت بالأمس في المزارع والمصانع والمحترفات والأعمال المنزلية؟ مع ذلك، كانوا راضين بحياتهم التي تأتي العواصف لتعبث بها فتبدّد كلّ ما عرفوه وعاشوه وتعبوا من أجله... الوجع يتصاعد والجمعيات المحلية قاصرة وضعيفة الإمكانات، والدولية تتلو النداء تلو الآخر وقليلون يستجيبون... هل يعرف أحدكم قصة "جزاء سنمار" وكيف قُتل المهندس بعدما أنجز بناء قصر الملك كي لا يكشف السرّ؟ لماذا نقتل آباءنا؟
*أستاذ جامعي