الوجود العسكري الأميركي في العراق: انقسام بين مؤيديه ومعارضيه

02 ديسمبر 2017
يبلغ عديد القوات الأميركية 8892 جندياً (توماس كوكس/فرانس برس)
+ الخط -

تسعى أحزاب في التحالف الوطني الحاكم بالعراق، ومن أبرزها "الدعوة"، بزعامة نوري المالكي، و"الفضيلة" و"كتلة بدر"، فضلاً عن مليشيات "الحشد الشعبي" إلى طرح ملف مصير القوات الأجنبية في العراق أمام البرلمان خلال الشهر المقبل، بهدف الضغط على رئيس الوزراء، حيدر العبادي، لوضع جدول زمني لانسحاب الجيش الأميركي من العراق. وفي هذا الوقت، تؤكد مصادر رفيعة المستوى داخل مكتب العبادي أنه مع بقاء جزء من القوات الأميركية في العراق لغرض تأهيل وتدريب الجيش ورفع كفاءته، فضلاً عن إعادة بناء وحدات عسكرية داخل المدن، وتقويم جهاز الاستخبارات العسكري العراقي الذي ما زال يعمل بشكل بدائي في حربه مع الخلايا النائمة لتنظيم "داعش".

يأتي ذلك، بعد أسابيع من حملة إعلامية واسعة ومستمرة شنتها مليشيات "الحشد الشعبي"، شهدت تصريحات حادة لقادتها تطالب القوات الأميركية بالانسحاب من العراق، وتهدد باعتبارها قوات احتلال في حال رفضت المغادرة، وبالتالي تكون "أهدافاً عسكرية" لها، بحسب ما أعلن زعيم مليشيا "العصائب" قيس الخزعلي، رداً على تصريحات وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، من السعودية، إذ طالب "المليشيات بالانسحاب من العراق والعودة إلى إيران بسبب انتهاء المعارك مع تنظيم داعش"، وهو ما أثار حفيظة زعماء المليشيات التي اعتبرت هذه التصريحات محاولة لنزع هويتها العراقية. وقال قيادي بارز في التحالف الوطني الحاكم بالعراق، لـ"العربي الجديد"، إن ضغوطاً كبيرة تمارسها أحزاب مقربة من إيران وفصائل مسلحة في "الحشد الشعبي" لدفع العبادي لتحديد مصير القوات الأميركية في البلاد قبل الانتخابات، وحالياً هناك ملف يعد ليقدم إلى البرلمان يتضمن إلزام رئيس الوزراء بتحديد جدول زمني لانسحاب الجيش الأميركي من العراق بعد انتهاء مرحلة القتال المباشر مع "داعش". وبين أن "رئيس الوزراء ضد فكرة انسحاب الجيش الأميركي من العراق لأسباب مختلفة، من بينها هشاشة الوضع الأمني حالياً، وعدم استقرار الأوضاع مع كردستان، فضلاً عن حاجة الجيش والشرطة العراقية وأجهزة مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى عملية تأهيل وتطوير، ويعتبر أن الوجود الأميركي فرصة يجب استغلالها".

وأكد القيادي في التحالف الوطني أن "القوى السياسية الكردية والسنية والمدنية، وكتل الأقليات، تطالب أيضاً ببقاء القوات الأميركية، وتعتبر أن وجودها حالياً عامل توازن ضد إيران. وتابع القيادي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "عدداً من شخصيات التحالف، مثل نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم وهمام حمودي وآخرين، يدفعون لإحراج العبادي برلمانياً عبر بحث مصير القوات الأميركية قبيل الانتخابات"، متوقعاً أن "يخضع الملف لمساومات كثيرة، بينها قضائي يتعلق بملفات فساد كبيرة، من بينها ما يخص المالكي وقيادات في المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم". وعلق مسؤول في مكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي دستورياً على التواجد الأميركي بأن "رئيس الوزراء مع بقائهم حالياً"، مبيناً أن "هناك خشية كبيرة من موجات عنف جديدة تضرب العراق، خصوصاً أن جميع التقارير تشير إلى أن داعش لن ينتهي على الطريقة الكلاسيكية للتنظيمات الجهادية والتكفيرية السابقة، وستكون هناك تهديدات مستمرة وحاجة لبناء القوات العراقية وإنهاء الأزمة مع كردستان من دون العودة للصدام العسكري لفرض القانون وإجباره على الانصياع للدستور، وموقف واشنطن مؤيد لبغداد في ملف كردستان على وجه التحديد" وفقاً لقوله.


وتأكيداً للمعلومات، قال القيادي في التحالف الوطني، علي البديري، لـ"العربي الجديد"، إن "البرلمان هو صاحب الحق في بقاء القوات الأميركية أو عدمه، لكن رئيس الحكومة حيدر العبادي مطالب اليوم بأن يحدد هل هو بحاجة للقوات الأميركية في المرحلة الحالية أم لا، حتى يتخذ البرلمان قراره وفقاً للدستور بشأن مصير القوات الأميركية في العراق"؟ من جانبه قال القيادي في ائتلاف الوطنية البرلمانية، الذي يتزعمه إياد علاوي، النائب عبد الكريم عبطان، لـ"العربي الجديد"، إن "وجود القوات الأميركية في العراق حالياً مكفول بموجب اتفاقية عام 2011 قبيل انسحاب الأميركيين، والولايات المتحدة بموجب الاتفاقية الملزمة بالدفاع عن العراق. وهذا فعلاً ما حصل عندما دخل داعش، عادت القوات الأميركية للعراق للدفاع عنه. لكن أنا بتقديري الحرب لم تنته، ونحتاج إلى طرق أخرى لمحاربة الإرهاب، من تدريب وتسليح وتنسيق، ويفترض أن يبقى التعاون العسكري مع الأميركيين الآن، خصوصاً أن المنطقة ملتهبة وغير مستقرة وشبح الإرهاب والتدخل الخارجي يحوم فوق العراق". وقال القيادي الكردي، شوان أحمد، لـ"العربي الجديد"، إن "أطرافاً سياسية عراقية، معروفة بقربها من إيران، تضغط الآن على الحكومة لمطالبة واشنطن بسحب قواتها من العراق، لكن بالنسبة لنا نعتبر تواجدها مهم جداً وعامل توازن، وهذا الأمر تُشاطرنا به أطراف أخرى تعتبر أن انسحاب الأميركيين يعني ابتلاع إيران ما تبقى من العراق، سياسياً وعسكرياً، وحتى اجتماعياً، وهذا سبب مخاوف مشتركة بين كتل سياسية كثيرة".

ويبلغ عديد القوات الأميركية في العراق، وفقاً لبيان صدر عن البنتاغون، الأربعاء الماضي، 8892 جندياً أميركياً، يتركز وجودهم، بحسب مسؤول عراقي في قيادة العمليات المشتركة لـ"العربي الجديد"، في سبع قواعد عسكرية رئيسية، تتشاركها مع قوات عراقية نظامية، أبرزها قاعدة عين الأسد والحبانية غرب العراق وعين كاوة في أربيل والرستمية جنوبي بغداد وأخرى قرب الموصل، ومن بينهم مستشارون ومدربون وضباط رصد وتحليل معلومات وفنيون، يضاف لهم متعاقدو شركات خدمة عسكرية تعمل مع الجيش الأميركي، غالبية عناصرها من أصول آسيوية. وتضم تلك القواعد وحدات مدفعية ثقيلة ومتوسطة وسرب طوافات "أباتشي"، إضافة إلى أربع طائرات نقل من طراز "شينوك". كما تتواجد قوات أخرى في العراق، جميعها دخلت بعد احتلال "داعش" لمساحات واسعة من البلاد، أبرزها القوات البريطانية بنحو 600 عسكري، والأسترالية بواقع 200 جندي، والكندية بواقع 700 عسكري، والفرنسية بواقع 500 جندي، والألمانية بواقع 150 جندياً، عدا عن قوات تدريب ودعم لوجستي، مثل وحدة الدعم الإيطالية وقوات التدريب الهولندية وقوات تركية تعسكر في بعشيقة شمال شرق الموصل. وترفض بغداد الاعتراف بتواجد عسكري إيراني على أراضيها، رغم وجود آلاف العناصر من "الحرس الثوري" الإيراني، ممثلاً بـ"فيلق القدس" والباسيج، عدا عن مقاتلين من "حزب الله" اللبناني، وقد قال زعيم الحزب حسن نصر الله، في خطاب له أخيراً، إنه لم يعد هناك حاجة لبقاء كوادر الحزب في العراق بعد انتهاء صفحة تنظيم "داعش".