عادة ما لا يترافق الدمار مع أي جمال، سواء كان السبب كارثة طبيعية أو من صنع البشر. لكن ما حصل عقب الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة غرب إيران، وأدى إلى خسائر بشرية ومادية مهولة في مدن وقرى محافظة كرمانشاه، هدّأ من روع الناجين، وجعلهم يتغلّبون على الزلزال وتبعاته.
لدى تفقّد المناطق المنكوبة، تلاحظ قلة المعونات رغم الحاجة الكبيرة. وفي حال توفرها، لا يحصل الجميع على حصص متساوية. إلا أن سكان قرى كرمانشاه، ورغم شكواهم المتكررة، كانوا قادرين على تبادل المساعدات مع بعضهم بعضاً. لا مشاكل أو مساعي إلى الاحتكار أو ما شابه. المشهد معاكس تماماً.
لا يقتصر الأمر على المعونات وحسب، بل هناك محاولات لايجاد ما بقي من أشياء تخصّ الناجين، بعد انتهاء عمليات إخراج العالقين من تحت الأنقاض، بمساعدة عناصر من الجيش الإيراني وشبان يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، وسط غياب المؤسسات الحكومية المعنية وفرق الإغاثة المدنية.
في إحدى المناطق القريبة من الحدود الإيرانية مع كردستان العراق، تضررت مبانٍ كثيرة. وبعد مرور ثلاثة أيام على وقوع الزلزال، بدأ سكانها يتوافدون إلى منازلهم لإخراج ما استطاعوا، رغم وقوع العديد من الهزات الارتدادية، التي تجعل ما بقي من مبانٍ مهدداً بالسقوط في أية لحظة. اللافت أن كثيرين من الذين تجرّأوا على القيام بهذه المهمة دخلوا بيوتاً غير بيوتهم لمساعدة أصحابها.
وبدا تضامن الشارع الإيراني كبيراً جداً بالمقارنة مع ما فعله المسؤولون. وتوافدت إلى المناطق المنكوبة مجموعات شبابية تحمل مساعدات جمعها أفرادها بأنفسهم. أما البعيدون جغرافياً عن المناطق المتضررة، فقد حولوا المال إلى أقاربهم وأصدقائهم. وقدم آخرون ملابس شتوية وغيرها من الاحتياجات للمنكوبين.
وصلت فاطمة عبد اللهي مع صديقة لها بسيارتها إلى منطقة سربل ذهاب، الأكثر تضرراً من الزلزال، في وقت متأخر من ليل أول من أمس، وحملت معها ما قد تحتاجه النساء المنكوبات بشكل رئيسي، من ملابس وأدوية وأشياء أخرى. كذلك، أحضرتا جوارب للأطفال وبعض الأغطية. تقول فاطمة، لـ"العربي الجديد"، إنّها حملت ما استطاعت من قريتها في إيلام، الواقعة غرب البلاد، والتي شعر أهلها بالزلزال، إلا أن أضرارها كانت بسيطة.
جمعت فاطمة ما أحضرته من صديقاتها وسكان الحي الذي تقطنه، وقد أعلنت عن رقم حسابها الشخصي على "تليغرام"، التطبيق الذي يستخدمه الإيرانيون كثيراً، في حال أراد أحدهم تزويدها بمبالغ مالية، لشراء المزيد من الحاجات الأساسية للمنكوبين.
اقــرأ أيضاً
ولأننا في زمن الهواتف الذكية، تحول كل من في كرمانشاه وحتى المنكوبين أنفسهم، إلى صحافيين، ما زاد من المشاركة المجتمعية. وبعدما خرج هؤلاء من هول الصدمة، صاروا يصوّرون كل ما يرونه، ويسجّلون فيديوهات لذوي الضحايا والمقيمين في العراء، الذين يشكون ضعف الخدمات. نشر الإيرانيون هذه الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر رواجاً بينهم، على غرار "تليغرام" و"انستغرام"، ما دفع القاطنين في مناطق بعيدة إلى تقديم المساعدة. هكذا، عرف كثيرون بآلام المتضررين، وبادروا إلى المساعدة، لتزيد الانتقادات الشعبية للمعنيين.
ولليل المنكوبين حكاية أخرى، وهو شديد البرودة على عكس نهارهم الذي سطعت فيه الشمس خلال الأيام القليلة التي أعقبت الزلزال. والمبيت في العراء في ظل نقص عدد خيام الإيواء، وعدم وجود وسائل للتدفئة، ليس سهلاً على الإطلاق. إلا أن المنكوبين وجدوا الحل ضمن الإمكانات المتاحة، فأشعلوا الحطب ليتدفأوا بناره، وجلسوا حول النار يتبادلون الأحاديث.
تنطفئ الهواتف في الليل بسبب صعوبة شحنها، ويعجز كثيرون عن النوم، فيتبادلون الأحاديث لتمرير الليل الطويل.
في إحدى الحدائق العامة، جلست أيلا وأبناؤها الخمسة مع جاراتها. كن يضحكن رغم الحزن البادي على وجوههن جميعاً. تقول أيلا إنها تحمد الله لأن كل أطفالها سلموا من الزلزال، وتؤكد أنها خرجت من صدمتها رغم أنها وزوجها أنهيا بناء "منزل العمر" حديثاً، بعد الحصول على قروض عدة. إلا أن البيت انهار.
تخبر أيلا أنها كانت قد أجّرت طابقاً من المنزل، وتطالبها جارتها التي استأجرته بإعادة المال إليها لتستأجر منزلاً جديداً بدلاً من المبيت في الشارع. بحسب نظام تأجير البيوت في إيران، تُدفع المستحقّات الشهرية إضافة إلى وديعة مالية تسمى الرهن، يسترجعها المستأجر بعد خروجه من المنزل. وتؤكد أنها لا تملك ولا زوجها أي مبلغ الآن، لكنها تعرف أن جارتها على حق أيضاً. تضحكان وتقولان إن المصيبة تجمعهما، لكن المستقبل سيكون أفضل.
تتكرر هذه العبارة على ألسنة كثيرين من الذين فقدوا أقرباءهم أو منازلهم أو أموالهم. ربما يشعرون بالإحباط وقد خسروا سنوات من عمرهم. لكنهم في الوقت نفسه، قادرون على التفاؤل. العائلة أهم من أموال العالم.
اقــرأ أيضاً
لدى تفقّد المناطق المنكوبة، تلاحظ قلة المعونات رغم الحاجة الكبيرة. وفي حال توفرها، لا يحصل الجميع على حصص متساوية. إلا أن سكان قرى كرمانشاه، ورغم شكواهم المتكررة، كانوا قادرين على تبادل المساعدات مع بعضهم بعضاً. لا مشاكل أو مساعي إلى الاحتكار أو ما شابه. المشهد معاكس تماماً.
لا يقتصر الأمر على المعونات وحسب، بل هناك محاولات لايجاد ما بقي من أشياء تخصّ الناجين، بعد انتهاء عمليات إخراج العالقين من تحت الأنقاض، بمساعدة عناصر من الجيش الإيراني وشبان يؤدون الخدمة العسكرية الإلزامية، وسط غياب المؤسسات الحكومية المعنية وفرق الإغاثة المدنية.
(فرح الزمان شوقي) |
في إحدى المناطق القريبة من الحدود الإيرانية مع كردستان العراق، تضررت مبانٍ كثيرة. وبعد مرور ثلاثة أيام على وقوع الزلزال، بدأ سكانها يتوافدون إلى منازلهم لإخراج ما استطاعوا، رغم وقوع العديد من الهزات الارتدادية، التي تجعل ما بقي من مبانٍ مهدداً بالسقوط في أية لحظة. اللافت أن كثيرين من الذين تجرّأوا على القيام بهذه المهمة دخلوا بيوتاً غير بيوتهم لمساعدة أصحابها.
وبدا تضامن الشارع الإيراني كبيراً جداً بالمقارنة مع ما فعله المسؤولون. وتوافدت إلى المناطق المنكوبة مجموعات شبابية تحمل مساعدات جمعها أفرادها بأنفسهم. أما البعيدون جغرافياً عن المناطق المتضررة، فقد حولوا المال إلى أقاربهم وأصدقائهم. وقدم آخرون ملابس شتوية وغيرها من الاحتياجات للمنكوبين.
(فرح الزمان شوقي) |
وصلت فاطمة عبد اللهي مع صديقة لها بسيارتها إلى منطقة سربل ذهاب، الأكثر تضرراً من الزلزال، في وقت متأخر من ليل أول من أمس، وحملت معها ما قد تحتاجه النساء المنكوبات بشكل رئيسي، من ملابس وأدوية وأشياء أخرى. كذلك، أحضرتا جوارب للأطفال وبعض الأغطية. تقول فاطمة، لـ"العربي الجديد"، إنّها حملت ما استطاعت من قريتها في إيلام، الواقعة غرب البلاد، والتي شعر أهلها بالزلزال، إلا أن أضرارها كانت بسيطة.
جمعت فاطمة ما أحضرته من صديقاتها وسكان الحي الذي تقطنه، وقد أعلنت عن رقم حسابها الشخصي على "تليغرام"، التطبيق الذي يستخدمه الإيرانيون كثيراً، في حال أراد أحدهم تزويدها بمبالغ مالية، لشراء المزيد من الحاجات الأساسية للمنكوبين.
ولليل المنكوبين حكاية أخرى، وهو شديد البرودة على عكس نهارهم الذي سطعت فيه الشمس خلال الأيام القليلة التي أعقبت الزلزال. والمبيت في العراء في ظل نقص عدد خيام الإيواء، وعدم وجود وسائل للتدفئة، ليس سهلاً على الإطلاق. إلا أن المنكوبين وجدوا الحل ضمن الإمكانات المتاحة، فأشعلوا الحطب ليتدفأوا بناره، وجلسوا حول النار يتبادلون الأحاديث.
تنطفئ الهواتف في الليل بسبب صعوبة شحنها، ويعجز كثيرون عن النوم، فيتبادلون الأحاديث لتمرير الليل الطويل.
في إحدى الحدائق العامة، جلست أيلا وأبناؤها الخمسة مع جاراتها. كن يضحكن رغم الحزن البادي على وجوههن جميعاً. تقول أيلا إنها تحمد الله لأن كل أطفالها سلموا من الزلزال، وتؤكد أنها خرجت من صدمتها رغم أنها وزوجها أنهيا بناء "منزل العمر" حديثاً، بعد الحصول على قروض عدة. إلا أن البيت انهار.
تخبر أيلا أنها كانت قد أجّرت طابقاً من المنزل، وتطالبها جارتها التي استأجرته بإعادة المال إليها لتستأجر منزلاً جديداً بدلاً من المبيت في الشارع. بحسب نظام تأجير البيوت في إيران، تُدفع المستحقّات الشهرية إضافة إلى وديعة مالية تسمى الرهن، يسترجعها المستأجر بعد خروجه من المنزل. وتؤكد أنها لا تملك ولا زوجها أي مبلغ الآن، لكنها تعرف أن جارتها على حق أيضاً. تضحكان وتقولان إن المصيبة تجمعهما، لكن المستقبل سيكون أفضل.
تتكرر هذه العبارة على ألسنة كثيرين من الذين فقدوا أقرباءهم أو منازلهم أو أموالهم. ربما يشعرون بالإحباط وقد خسروا سنوات من عمرهم. لكنهم في الوقت نفسه، قادرون على التفاؤل. العائلة أهم من أموال العالم.