نجحت قيادة الجيش اللبناني في تقديم أوراق اعتمادها خلال الأشهر الأخيرة كطرف في مواجهة التنظيمات المتشددة، وإظهار حجم الحاجات العسكرية واللوجستية التي تحتاجها وحداتها في الحرب المفترضة على هذه التنظيمات.
أطلقت معركة عرسال (عند الحدود الشرقية مع سورية) مطلع أغسطس/آب الماضي العنان للمساعدات العسكرية، بتمويل سعودي وتنفيذ أميركي وغربي بقيمة مليار دولار يتم تطبيقها تباعاً. واليوم، بعد معارك شهدتها مناطق مختلفة من الشمال اللبناني، بدءاً من طرابلس وصولاً إلى المنية، مروراً بالعبدة في عكار وغيرها، تحرّكت الهبة السعودية الموعودة بثلاثة مليارات دولار. فغادر قائد الجيش اللبناني، جان قهوجي، بيروت متوجهاً إلى الرياض للمشاركة في مراسم توقيع العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز، على هبة المليارات الثلاثة بتمويل سعودي، لكن بتجهيز وتنفيذ فرنسي هذه المرة. وسيُعقد اليوم الثلاثاء، حفل الختام الرسمي لصرف هذه المليارات التي بقيت معلّقة منذ قرابة عام، يوم أعلن عنها رئيس الجمهورية اللبنانية السابق، ميشال سليمان، في ديسمبر/كانون الأول 2013.
وفي هذا الإطار يقول رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس النواب اللبناني، النائب سمير الجسر، إنّ "التعارض بين الدولة الفرنسية وقيادة الجيش على شكل التسليح ونوعيّته زال وباتت الصفقة على الطريق الصحيح". ويضيف الجسر لـ "العربي الجديد"، أنّ "السبب الأساسي الذي يقف خلف التأخير الذي امتد لأشهر، يكمن في عملية تصنيع الأسلحة في المصانع الفرنسية، باعتبار أنّ المسؤولين الفرنسيين سبق وأبلغوا الدولة اللبنانية والمعنيين بالهبة أن فرنسا لن تفرغ مخازنها العسكرية".
الأمر الذي يرجّح أيضاً تأخير تسليم السلاح لقيادة الجيش شهراً إضافياً، أي حتى ديسمبر/كانون الأول المقبل، في حين تنفّذ الهبة السعودية السابقة بقيمة مليار دولار من مخازن خمس دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وإيطاليا بالإضافة إلى فرنسا.
وبينما لا يزال جدول التسليح في لبنان محصوراً بيد قيادة الجيش وعدد من المسؤولين الأمنيين، أكد أحد الوزراء لـ "العربي الجديد"، إنّ "نوعية السلاح ستكون منسجمة مع المهمات العسكرية التي يخوضها الجيش في مواجهة التنظيمات الإرهابية". أي أنها ستكون نوعية في نمطي حرب العصابات (وفق ما تشهده الحدود الشرقية اللبنانية - السورية بين القلمون وعرسال)، وحرب الشوارع (كالتي خاضها الجيش في باب التبانة في طرابلس، وأسفرت عن هدم مئات الوحدات السكنية وتهجير آلاف المواطنين من منازلهم).
مع تأكيد الوزير نفسه على أنّ المعدات والأسلحة "متنوّعة وتتناسب مع حاجات أفواج الجيش الجوية والبرية والبحرية". مع العلم أنه سبق للقيادة العسكرية اللبنانية، أن استعرضت هذه الأفواج في الجو والبحر خلال المعارك الأخيرة في طرابلس والضنية، كإشارة إلى الحاجة للدعم والمساعدة على هذين الصعيدين.
وإذا استوجب الوضع الأمني والميداني في لبنان، التسريع في هبة المليارات الثلاثة، فإنّ لهذا الاستعجال غرضاً سياسياً آخر، يتمثّل بقطع الطريق أمام مشروع الهبة الإيرانية للجيش اللبناني. فسبق لوزير الدفاع، سمير مقبل، أن زار طهران قبل أسبوعين وعمل مع لجنة عسكرية لبنانية، على وضع جدولة عسكرية خاصة سيجري تقديمها للإيرانيين بغية تنفيذها، مع أنّ فريق 14 آذار، المقرّب من السعودية، يرفض الهبة الإيرانية متسلّحاً بقرار الأمم المتحدة بحظر تصدير السلاح الإيراني. وبإمكان هذا الفريق عرقلة الهبة الإيرانية في الحكومة وفي المجلس النيابي، في حين دخلت الهبة السعودية الجدولة المالية الرسمية بموافقة الرئيس السابق ميشال سليمان.
وسياسياً أيضاً، يأتي تحريك هذه الهبة في إطار سعي السعودية إلى العودة إلى الساحة اللبنانية بعد انكفاء مستمرّ منذ يناير/كانون الثاني 2011، تاريخ إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري على أيدي وزراء حزب الله وقوى 8 آذار. ومنذ ذلك التاريخ انحسر دور السعودية وحلفائها في لبنان، وظلّ الفريق المقرّب منها على هامش الحياة السياسية، حتى بعد تصاعد الأزمة السورية وصعود نهج المجموعات المتشددة في مختلف المناطق الموالية لتيار المستقبل.
ويتحدث عدد من مسؤولي هذا التيار عن الأولوية السعودية "اليوم في مواجهة الإرهاب والتشدّد المتمثلين بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة وغيرها من الفصائل، التي نشأت في العراق وسورية وتسعى إلى التمدّد إلى بلدان عربية أخرى". لتأخذ الهبة السعودية للجيش اللبناني منحىً جديداً من خلال استكمال دعم الرياض الحرب على "الإرهاب" الذي بدأ يقضم الساحة العربية. فأتت هبة المليارات الثلاثة ترجمة لكل هذه العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية، في حين يتطلّب دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية أكثر من هذه المليارات بكثير.